صفحات الثقافة

وجّه اللهُ إليَّ رسالة شخصية/ لانغستون هيوز

 

 

المصدر: الإعداد والترجمة لينا شدود

شعرهم ليس أسود، ببراعة ينقلونك من روح إلى أخرى. هم، على كل حال، خبراء الألم، بسيَرهم الروحية، يضلّلون الفقد، وبحروفهم المختارة يُفشلون كل المقدمات عن حقيقة هذا الوجود وجدواه. أَلَمهم هو صاحب الحق الأول في القول، مع أن جحيمهم حصرية وتراوح بين أكثر من هاوية، إذ تنطق بأسمائهم وينطقون بها. ظروفهم الغامضة تبارك تدوير القلق، وخطوط الضباب في صورهم ممتدة وهائلة. في قصائدهم يبحثون عن معجزات صغيرة، وبلمعان نظراتهم الطويلة يصلون الأفق، ولو اعترضتهم الأنهار والأشجار الهرمة بجذوعها الملتفّة. وكي لا تقودهم الدروب إلى التيه، يصارعون هزائمهم ببسالة، ويقلّبونها بأسئلة واخزة. حنينهم المتواصل إلى تاريخ اندثر مع أرض ربما نسيتهم، هو خطيئتهم الملتصقة التي لن تزول ولن تخبو. بصراخهم المكتوم وريبتهم المتقطّعة كحيواتهم، يقسّمون فصولهم ما بين البقاء والزوال. كأنهم اختاروا طواعية جزراً يسكنها الغيب بعدما سدّوا شقوق التاريخ، وسكنوا في أقفاص متشابهة، خشبها بارد. شغف انتمائهم إلى أرض أُبعِدوا عنها قسراً، فغابت عنهم بحضارتها وأساطيرها وإعجاز خرافاتها، سيغلي في داخلهم أينما حلّوا، هو زوادتهم المتبقية، به يستعينون على من أنكر إنسانيتهم وقدرتهم على الخلق. حاولوا تصحيح التاريخ بكسر شروط الإبداع وتبديلها، فشِعرهم ليس أسود. هكذا جرّبوا التغيير بعصيان فكري واجتماعي؛ ملحه السخرية والتهكّم، من دون إطالة أو استطراد. من أجمل هؤلاء الشعراء المعاصرين، الشاعر الأفرو أميركي لانغستون هيوز (1902 – 1967)؛ أحد أهم رموز ما كان يُعْرَف بـ”نهضة هارلم”؛ تلك المجموعة الثقافية التي ضمّت نُخَب السود ووحّدتهم في صف واحد ضد التمييز العنصري والعرقي في أميركا. تمكّن هيوز بما يملكه من ذكاء وشغف، وبدمعته القريبة، أن يُنجز قصائد عرف كيف يقتصّ فيها من أدواء زمنٍ لم يكن رحيماً معه، يرقّق واقعه البائس إلى حدٍّ ما، بغرض مواصلة العيش. كانت بوصلته أبداً تشير إلى سطوة نورٍ بعيدٍ جداً. على الرغم من هذا كله وذاك، نجح في خطّ تجربته الشعرية الوجودية بأنامل من ضوء، وببصيرة عذبة، فمنح شعره تلك القوة الكامنة السوداء التي جعلته أبيض… أبيض.

 

شخصي

في ظرف موسوم: شخصي

وجّه إليَّ الله رسالة

في ظرف موسوم: شخصي

أعطيته جوابي.

* * *

 

للتأكيد”أيها الإخوة”

أعييتموني بأكاذيب،

بأكاذيب صادقة

بوجوهكم التقيّة.

وبترحيبكم الشاسع، المدّعي،

واللانهائي، لأيديكم الورعة.

بينما داخلكم

قذارة وبشاعة،

وقلوب نتنة،

وضباع مسعورة تعوي

في خراب أرواحكم.

* * *

 

سلام

مررنا بقبورهم:

هناك، الرجال الموتى

رابحون أو خاسرون

لم يبالوا.

في الظلام

لم يتمكنوا من رؤية

من حقّق

النصر.

* * *

 

حارس الحلم

أحضِرْ لي كل أحلامك،

أيها الحالم،

أحضِرْ لي كل

ألحان قلبك

ربما أدثرها

بغلالة غيمة زرقاء

بعيداً من أصابع العالم

القاسية للغاية.

* * *

 

عدوّ

على كلّ حال

سيكون حسناً

أن ألتقيك يوماً

وجهاً لوجه

سالكاً الطريق

إلى الجحيم…

فيما أصعد

شاعراً بالعلوّ.

* * *

 

إلى أرتينا

سأنتزع قلبكِ.

سأنتزع روحكِ من جسدكِ

كما لو أنني الله.

لن أكون راضياً

بالكلمات القليلة التي تقولينها لي.

لن أكون راضياً

بلمسةٍ من يدكِ

ولا بعذوبة شفتيكِ فقط.

سأنتزع قلبكِ لي.

سأنتزع روحكِ.

سأكون الله حينما يتعلق الأمر بكِ.

* * *

 

قمر آذار

القمر عارٍ.

عرّت الريح القمر.

عصفت الريح بكامل

كسوته من الغيم

والآن هو عارٍ،

عارٍ تماماً.

ولكن لمَ لا تحمرّ خجلاً،

أيها القمر العديم الخجل؟

ألا تعلم

أنه ليس ظريفاً أن تكون عارياً؟

* * *

 

لا أزال هنا

رُوّعتُ وسُحِقتُ.

آمالي بدّدتها الريح.

الثلج جعّدني، الشمس حمّصتني.

هكذا ما بينهما أبدو

جرَّبوا منعي

من الضحك، منعي من الحب، منعي من الحياة ــــ

ولكني لا أكترث!

لا أزال هنا!

* * *

 

ثعبان

بخفةٍ ينزلق

عائداً إلى العشب ــ

يمنحني الإذن

لأعبر الطريق،

أشعر بشيءٍ من الخجل

في أن أبحث عن حجرٍ

لأقتله.

* * *

 

صيد

جاء ولدٌ ضخم

حاملاً حورية

على كتفيه

وقد لفَّت الحورية

ذيلها على ذراعه

كونه صياداً

وجد سمكة

ليحملها ـــ

نصف سمكة،

نصف فتاة

ليتزوجها.

* * *

 

صحراء

أيّ أحدٍ

أفضل من

لا أحد.

في القفر المعتم

حتى الأفعى

التي تلولب

الرعب على الرمل ـــ

أفضل من لا أحد

في تلك الأرض

الموحشة.

* * *

 

عند هطول المطر الفضي

عند هطول المطر الفضي

مرةً أخرى تمنح الأرض

حياة جديدة،

تنمو أعشاب خضراء،

وترفع الأزهار رؤوسها،

وفوق السهل بأكمله تنتشر

معجزة الحياة،

الحياة،

الحياة،

عند هطول المطر الفضي

ترفع الفراشات

أجنحتها الحرير،

لتلتقط نداء قوس قزح،

وتهبُ الأشجار أوراقاً فتية

لتغني بسعادة قرب السماء

فيما يمر فتيان وفتيات على الدرب

وهم يغنون، أيضاً،

عند هطول المطر الفضي

الربيع

والحياة

جديدان.

* * *

 

ألحان غجرية

أغانٍ تنشقّ

وتتبعثر

من القمر:

سهامٌ نارية

تخبو سريعاً.

* * *

 

صلاة

أسألك هذا:

في أيّ طريق أذهب؟

أسألك هذا:

أي ذنب أحمله؟

أي تاج أضعه

على شعري؟

لا أعرف،

يا إلهي،

لا أعرف.

* * *

 

حديقة

أوراق عشب

غريبة مشوهة

أشجار

غريبة مشوهة،

خزامى

غريبة مشوهة

على ركبها.

* * *

 

أجنحة الملائكة

أجنحة الملائكة بيضاء كالثلج،

آهٍ، بيضاء كالثلج،

بيضاء

ك

الثلج.

أجنحة الملائكة بيضاء كالثلج،

إلا أني أجرُّ جناحيّ

في مستنقعٍ قذر.

آهٍ، أجرُّ جناحيّ

عبر النار.

ولكن أجنحة الملائكة بيضاء كالثلج،

بيضاء

ك

الثلج.

* * *

 

قومي

الليل جميل،

وكذلك وجوه قومي.

النجوم جميلة،

وكذلك عيون قومي.

جميلةُ، أيضاً، الشمس.

جميلةٌ، أيضاً، أرواح قومي.

* * *

 

يوم الحساب

وضعوا جسدي تحت التراب،

طارت روحي تحلّق فوق المدينة،

طارت تحلّق إلى القمر والنجوم

أصرخ، يا الله، أنا قادم حالاً.

آه يا يسوع!

إلهي في السماء،

التاج على رأسه،

يقول لا تخف

لأنك لست ميتاً.

يسوع الطيب!

الآن أجلس طاهراً ومبتهجاً

على مرأى من نعيم يسوع ــــ

طاهراً ومبتهجاً،

طاهراً ومبتهجاً.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى