وحدة المعارضة: مسؤولية تاريخية ومهمة صعبة
حزب العمل الشيوعي في سوريا
مع دخول بعثة المراقبين التابعة للجامعة العربية وانتشارها على الأراضي السورية تدخل يوميات الثورة السورية مرحلة جديدة، لقد أصبح بالإمكان تأمين حد ما (ليس واضحاً حتى الآن) من حماية المدنيين المنخرطين في النشاطات الثورية السلمية بعد أن ثبت بدليل عدد الشهداء الكبير دون توسع ملموس للحراك أن ما يسمى “الجيش السوري الحر” عاجز عن ذلك بل ويؤدي إلى نتيجة معاكسة. هناك الآن طرف مستقل يفترض أنه يستطيع مراقبة الأحداث وتقييمها وإرسال تقاريره إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية مساهماً في كشف الحقائق التي غالباً ما تضيع في زحمة التغطيات الإعلامية المتحيزة والبناء على هذه الحقائق من أجل اقتراح الإجراءات الكفيلة بحماية المدنيين العزل والمتظاهرين السلميين. والمهم في هذا الشأن أن البروتوكول المنظم لمهمة البعثة يمثل مجرد جزء من مبادرة الجامعة العربية القاضية بوقف العنف وسحب المظاهر المسلحة وإطلاق المعتقلين وحرية دخول وسائل الإعلام العالمية ووصولها إلى جميع أماكن الحدث وتنظيم عملية سياسية بين السلطة والمعارضة حول خطة الانتقال إلى الديمقراطية في سوريا. فالمعضلة التي تواجهها الثورة السورية كانت ومازالت عدم قدرتها على حسم ميزان القوى الاجتماعي والسياسي الناشئ عقب اندلاع الانتفاضة لإحجام فئات اجتماعية عديدة عن المشاركة في الحراك بسبب سياسة القمع والقتل اليومي التي يقوم عليها الحل العسكري الأمني الذي يعتمده النظام منذ الأيام الأولى لانتفاضة الحرية والكرامة وكذلك الديماغوجيا التي تبثها وسائل إعلام النظام وبعض القنوات الخارجية المشبوهة (صفا مثلاً). أضف إلى ذلك أن إصرار السلطة على مواصلة هذا الحل والإيغال به ولا مبالاتها تجاه الدم المسفوك أدى إلى بروز ظواهر التسلح والاحتكاكات الطائفية وأعمال الخطف والثأر وارتفاع بعض الاصوات الداعية الى التدخل الخارجي… ما يؤثر سلباً على صورة الثورة وعلى سلامة المجتمع وينعكس على امتداد وتوسع الحراك الديمقراطي عبر إحجام الفئات المترددة والخائفة عن الانضمام إلى الأنشطة الثورية وبذلك يساهم مرة أخرى في كبح تطور ميزان القوى الاجتماعي السياسي. إن وجود هذه الحماية (ولو كانت غير كافية حتى الآن) وإطلاق الناشطين المعتقلين وسحب المظاهر المسلحة من المراكز السكنية ووجود الإعلام المستقل سيساهم في تحرير ميزان القوى المذكور وإبعاد شبح اليأس عن المناضلين ومحاصرة الممارسات السلبية الناجمة عن هذا اليأس.
تنص المبادرة العربية على إطلاق عملية سياسية تعنى بأطر وآليات الانتقال إلى الديمقراطية. ويرى النظام في هذه العملية مجرد تحاور خطابي حول إجراءات جزئية لا هدف لها سوى كبح الانتفاضة وإطالة وجوده وسيطرته فيما ترى المعارضة فيه مفاوضات على مرحلة انتقالية تبدأ بسقوط النظام وتنتهي بنظام ديمقراطي برلماني تعددي. ومن البديهي أن تحقق هذه الرؤية أو تلك مرهون بميزان القوى الداخلي والإقليمي والدولي ولكن الحاسم في ذلك ضمن الظروف الحالية هو ميزان القوى الاجتماعي السياسي الداخلي حصراً ولذلك لا بد من نفض أوهام التدخل العسكري الخارجي وإبراز صورة الثورة كثورة شعبية ديمقراطية سلمية والعمل على توسيعها لتشمل معظم الأراضي والفئات الاجتماعية السورية، ما يتطلب قطباً ديمقراطياً موحداً يتبنى خطاباً وطنياً جامعاً في ظل برنامج سياسي وعملي واضح ليقود دفة الثورة نحو الانتصار النهائي.
لقد توصل الفصيلان السياسيان الأهم في المعارضة السورية وهما هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي والمجلس الوطني خلال المراحل السابقة من حوارات القاهرة إلى تفاهمات مهمة كان لها بالغ الأثر في بناء شيء من الثقة المتبادلة، وهنا نشير إلى موضوع وقف الاتهامات والفبركات والحملات الإعلامية وادعاءات التمثيل وإسهام ذلك في خلق مناخ حواري جاد وفعال أدى إلى الاتفاق على هدف إسقاط النظام ونبذ العنف والطائفية ورفض التدخل العسكري الخارجي، وذلك بعد مماطلات وتأجيلات عديدة لوفد (وفود) المجلس الوطني. حتى أمكن القول بأن المحادثات بين الهيئة والمجلس قطعت شوطاً مهماً على طريق تفاهم الطرفين على عدد من القضايا السياسية المتعلقة بالسعي لتوحيد صوت المعارضة وتوجهاتها الراهنة والمستقبلية. والمقصود بهذه القضايا رؤية المرحلة الانتقالية وملامح سوريا الغد والمسألة الراهنة المتمثلة بعقد المؤتمر السوري العام حيث قدم الطرفان وكل على حدا إلى الأمين العام للجامعة العربية تصوراً تنظيمياً أولياً عن هذا المؤتمر. ثم توقف الحوار لأسباب تتعلق بمؤتمر المجلس الوطني ومراجعة ما تم التوصل إليه، ليستأنف منذ أيام قليلة بروح إيجابية وتعاون بناء حيث ناقش المتحاورون مهام وضوابط المرحلة الانتقالية وتفاصيلها السياسية والإجرائية ومسألة المؤتمر السوري العام، واتفقوا على أن يكون لهذا المؤتمر الصفة التمثيلية للمعارضة السورية الداخلية والخارجية وجميع قواها وشخصياتها العامة وأن تنبثق عن المؤتمر لجنة أو هيئة تنطق باسم المعارضة ككل بصوت موحد، وتتولى تمثيلها الموحد أمام كافة المحافل والجهات السياسية الرسمية والشعبية. إن مجرد الاتفاق على ذلك يعد خطوة إيجابية تلبي بعضاً من ضرورات تقدم الثورة ومطالب الشعب في توحيد المعارضة ضمن إطار ديمقراطي عملي. غير أن قيادة المجلس الوطني رفضت الاتفاق الذي توصل الوفدان إليه من حيث كون المؤتمر ممثلاً ومرجعية للمعارضة ككل ، كما رفضت أن تنبثق عنه لجنة أو هيئة موحدة تنطق باسم المعارضة وتمثلها بصورة موحدة أمام الشعب وأمام العالم واقترحت لجنة متابعة لما سيتم الاتفاق عليه في المؤتمر دون أن يكون لهذه اللجنة حق تمثيل المعارضة ككل ولا النطق باسمها.
لقد تبين من خلال جلسات الحوار السابقة والحالية أن هناك أطراف في قيادة المجلس الوطني ترفض دون أية مواربة فكرة توحيد المعارضة لوقوعها تحت أوهام سياسية أو تأثيرات خارجية وهناك بالمقابل في هذه القيادة أطراف حريصة على رص الصفوف وتوحيدها قدر الإمكان. ومن الواضح أن الأطراف التي ترفض التوحيد مازالت تعمل على تخريب مساعي التوحيد وعرقلتها رغم حرص هيئة التنسيق وجهودها المبذولة مع الوفود المتعاقبة للمجلس لتحقيق ذلك.
إننا في حزب العمل الشيوعي نرى أن من الضرورات الأساسية لتقدم الثورة وجود قطب ديمقراطي موحد يتبنى خطاباً وطنياً جامعاً ويجسد وحدة الهدف والقرار ويسعى إلى تشجيع الفئات الاجتماعية المترددة والخائفة وصولاً إلى انفضاض بعض الفئات المؤيدة للنظام عنه والتحاقها بعملية التغيير الديمقراطي الجارية. كما نؤكد على ضرورة وحدة ووضوح رؤية المعارضة للمرحلة الانتقالية ولملامح سوريا المستقبل بما هي دولة ديمقراطية علمانية برلمانية تعددية تقوم على مبدأ مساواة جميع أبنائها في المواطنة وحقوقها وواجباتها دون أي تمييز في العرق أو الجنس أو الدين. ولذلك نؤكد على نهج هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في السعي إلى أعلى مستوى ممكن من توحيد المعارضة سياسياً وتنظيمياً، ليكون المؤتمر السوري العام إطاراً جامعاً لكافة التكوينات والشخصيات السورية المعارضة، وخصوصاً هيئة التنسيق والمجلس الوطني وقوى الشباب والحراك والشخصيات الوطنية العامة، على ان يتوج المؤتمر بتشكيل هيئة موحدة لتمثيل المعارضة والنطق باسمها. إن الفشل في التوصل إلى مثل هذه الهيئة سيجعل من المؤتمر خطوة إعلامية فارغة لا تلبي طموحات شعبنا وضرورات تقدم الثورة وحقن دماء الثوار. لذلك ندعو المتحاورين وبوجه خاص رفاقنا في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي إلى الإصرار على هذا الهدف والتحلي بالصبر والمرونة وطول النفس حتى تحقيقه. كما ندعو جميع المعنيين بمصلحة الثورة إلى نبذ روح الفرقة والانقسام والتعالي على المصالح الحزبية والفئوية الأنانية والارتفاع إلى مستوى التضحيات التي يبذلها الشعب السوري في سبيل الحرية والكرامة.
عاشت ثورة الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة والعدالة والمساواة
المجد والخلود للشهداء