صفحات سوريةميشيل كيلو

وراء ظهر اليانكي/ ميشيل كيلو

   لا يشك سوريون كثيرون في وجود تفاوت هائل في موقفي الروس والاميركان من طرفي الصراع السوريين ، فبينما يقف الروس مع النظام وقفة مفعمة بالتصميم لا تعرف التهاون أو التراخي ، لا يدري احد كيف يفسرها وماذا يمكن ان يكون الدافع إليها ، يقف الأميركيون موقفا مليئا بالغموض والالتباس من الثورة ، ويبدون كمن يتلاعب بشعبها وبقضيته العادلة ، ولا يهمه غير إيجاد الكلمات الضرورية للتغطية على الثغرة الواسعة التي تفصل اقواله عن افعاله ، وتجعل الأولى مجرد الفاظ والثانية مجرد وعود .

 ليس النظام الاسدي غير الطرف الضعيف في مثلث دمشق / موسكو / طهران ، الحليفتات اللتان ضمنتا له كما من الدعم المالي والسلاحي تكفل بايقافه على قدميه وبضمان صموده في وجه شعبه طيلة ثلاثين شهرا واجه خلالها ثورة صمم على التخلص منها بأي ثمن ، قاومته وقاتلته وكانت ستقهره لولا مشاركة حليفتيه المباشرة والمتزايدة في القتال، حتى ليمكن القول : أن الفرس بصنفيهم الايراني واللبناني هم الذي انقذوا النظام من الانهيار في المعارك البرية، بينما انقذه الروس بسلاحهم وديبلوماسيتهم واموالهم وخبرائهم ومخابراتهم، وبعشرات منظمات الارهاب التي شكلوها لمقاتلة الجيش الحر وترويع الشعب وممارسة القتل والتشويه والخطف والاغتصاب ،وتدمير مقومات وجود البشر المادية . واليوم ، ونحن على مشارف جنيف 2 ، يعتبر لافروف وزير خارجية النظام الحقيقي ، ويبرز بوتين كجنرال في جيش الاسد ، حتى ليقال إنه وعده بان يجعل خروجه من دمشق اصعب من خروجه هو نفسه من موسكو. وتبين الوقائع التي واكبت استخدام السلاح الكيماوي في 21 آب الماضي أن الروس هم من خاض معركة الدفاع عن الجريمة ، وانقذ بشار واثبت ان نفوذه على النظام السوري اكبر من نفوذ الاسد نفسه ، الذي لم يعد غير تابع لهم يرتبط مصيره ارتباطا كليا بهم .

  بالمقابل ، يتسم موقف اميركا بتناقضات فاضحة ، فهو يريد اضعاف دولة ومجتمع سوريا لصالح اسرائيل، بما أن النظام هو الذي ينجز هذه المهمة  بسلاح الروس، فإن واشنطن لم تقرر اسقاطه أو منع موسكو من دعمه. بالمقابل، لا يريد البيت الأبيض أن تنزل الهزيمة بالجيش الحر كي لا تنتهي المعركة بانتصار روسي / ايراني ، لذلك تراه يدعمه بالقدر الذي يحول دون هزيمته او اخراجه من المعركة . بهذه الحسبة ، تطيل اميركا الصراع في سوريا ، وتحجم عن اعطاء الأولوية لحسمها ، وعن القيام بتدخل نهائي فيها : ديبلوماسيا كان ام تسليحيا ام دوليا. للتغطية على موقفها ، تستخدم واشنطن لغة مواربة ومليئة بالدلالات المتناقضة ، لايهام السوريين بأنها حسمت امرها وقررت مساندتهم في تحقيق اغراضهم .

 بالتفاوت الكبير بين الموقفين الروسي والأميركي من طرفي الصراع ، يغدو من الضروري اعتبار الموقف الأميركي عبئا إضافيا على الشعب السوري ، قدم ، عن غير قصد ربما ، للنظام بيئة سياسية دولية تتيح له ممارسة بطش متعاظم بالناس، وهو ما تأكد من خلال تراجعه أمام الروس في قضية الاسلحة الكيماوية، دون ان يحصل منهم على ضمانات تمنع النظام من استخدام الاسلحة التقليدية بصورة كلية او جزئية ، مع انه قتل بواسطتها اكثر من خمسين ضعف من سقطوا بالكيماوي . ومن يتابع مجريات الحرب التي يشنها الاسد ضد السوريين ، سيجد أنها تصاعدت بعد الاتفاق الروسي / الأميركي لنزع الكيماوي ، وبلغت ابعادا غير مسبوقة تضاعفت معها الخسائر البشرية بنسب مخيفة ، بينما تزايد بدوره تزايدا مخيفا عدد من يموتون جوعا وعطشا من الأطفال والنساء ، بسبب الحصارالخانق المضروب على مناطقهم، الرامي إلى قتلهم بسلاح التجويع الفتاك.

  ثمة شعور بالخيبة لدى عامة السوريين ، جعلهم يؤمنون أن من كانت اميركا صديقته لا يحتاج إلى أعداء ، ويقتنعون أن ألاعيب  ادارة اوباما تستهدف جرهم إلى المفاوضات مع النظام وهم في حال من الضعف واليأس ، ترغمهم على تقديم ما قد يطلب اليهم من تنازلات مهينة سيخسرون معها كل شيء. هذا الاقتناع تؤكده في نظرهم واقعة بارزة هي ان النظام نفش ريشه بعد الاتفاق واعلن ان الاسد سيعيد ترشيح نفسه عام 1914 ، وسيضع فيتو على مشاركة “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السياسية” في جنيف ، الذي لن يبحث مصيره ومصير نظامه ، وقد يوافق على ضم وزيرين من المعارضة إلى الحكومة الانتقالية المزمع تشكيلها، ليكتمل بذلك الحل المنشود .

 هذه بعض نتائج الدعم الروسي للنظام الاسدي والاميركي للشعب السوري. اما النتائج الاخرى ، فهي ستظهر في جنيف ، إن كانت التطورات الميدانية الجارية في سورية منذ بعض الوقت ستسمح حقا بانعقاده !.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى