ورقة الحرب مع إسرائيل!
أكرم البنى
كان أمرا متوقعا أن تشتعل إحدى الجبهات في الجولان أو جنوب لبنان أو غزة، فثمة مؤشرات تواترت خلال الأسابيع المنصرمة تدل على أن اللعب بورقة الحرب مع إسرائيل صار خيارا ملحا لوقف التدهور المتسارع في مكانة محور الممانعة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فمن لبنان تصاعدت لهجة التهديد والوعيد بعد إسقاط طائرة استطلاع أرسلها حزب الله، والذي تلاه دخول ثلاث دبابات سورية منطقة الحظر بذريعة ملاحقة المعارضة المسلحة، ثم سقوط قذيفة على الجولان المحتل ردت عليها إسرائيل بقذيفة تحذيرية ضد موقع للمدفعية السورية، وتفاقم الأمر في غزة بما كان ينذر بنشوب حرب جديدة ضد القطاع بعد عملية نوعية لكتائب القسام، يعرف الطفل الصغير أن الحكومة الصهيونية بعنجهيتها وعدوانيتها لن تمررها دون عقاب قاس، خاصة أنها على أبواب موسم انتخابي حامي الوطيس.
ثمة قناعة بدأت تترسخ رويدا رويدا لدى دوائر النظام السوري وحلفائه بأن العنف وأساليب الفتك والتنكيل لم تعد تجدي في محاصرة الثورة أو الحد من قدراتها المذهلة على التجدد، وأن النتيجة لن تكون في مصلحتهم في حال الانكفاء والتراجع عن الخيار الأمني والخضوع لمعالجة سياسية، والأهم أنهم أدركوا بعد عشرين شهرا من التسويف أن شراء الوقت لم يعد ينفع أيضا، وأن محاولاتهم لتصدير أزمتهم إلى بلدان الجوار، تركيا ولبنان والأردن، قد حوصرت ولم تثمر الثمار المرجوة، مما فرض عليهم اللعب بورقة الحرب والرهان على أن يمنحهم التحرش بإسرائيل وجرها إلى حرب محدودة فرصة لتخفيف شدة أزمتهم أو على الأقل تذليل عدد من العقبات القائمة وكسب نقاط تساعدهم في ترميم ما خلفه تفاقم الأوضاع في سوريا، كما لو أنها الورقة الأخيرة التي يمكن اللجوء إليها لإعادة بعض الاعتبار السياسي لنظام اهتزت شرعيته بصورة غير مسبوقة وبات مصيره على المحك مع وضوح صمود المعارضة وإصرارها على الحسم، ومع حالة من العزلة الشديدة والحصار العربي والعالمي المطبق عليه، وأيضا لقطع الطريق على ما يشاع عن تبدل الموقف الإسرائيلي من الـ«ستاتيكو» القائم للحفاظ على الاستقرار في المنطقة والذي شكل النظام السوري جزءا منه.
بديهي أن يتطلع أهل الحكم وحلفاؤهم من إشعال النار الإسرائيلية إلى تحقيق عدة أهداف، ولنقل ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، أهمها توظيف أجواء الحرب وسلاح التعبئة لتعزيز الضبط والسيطرة خاصة في سوريا، وتمرير المزيد من القمع والقهر بأقل ردود فعل، والرهان على الشعارات الوطنية ومقاومة الصهيونية في تمييع الشعارات المتعلقة بالحرية والكرامة والعدالة، وتاليا في تمزيق وحدة الحراك الشعبي وشق صفوف المعارضة وتشويه سمعتها، ثم في ترميم قاعدتهم الاجتماعية المتهالكة عبر مغازلة القوى والجماعات التي لا يزال الهم الوطني يحتل الأولوية لديها، هذا ناهيكم عن الرهان على مناخات الحرب في إعادة رص صفوف القوى الحليفة التي بدأت تعاني من تصدع، وفي الطريق التحرير من المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في المنطقة، والتنصل من مفاعيل الاحتقانات الطائفية والأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها والمرشحة لمزيد من التفاقم، فضلا عن التطلع إلى أن يفتح الصراع العسكري مع إسرائيل بوابة جديدة كي تستعيد أطراف محور الممانعة ومعها النظام الحاكم بعضا من دورها الإقليمي المتراجع، ولنقل أن يفضي إلى خلط الأوراق وفتح الآفاق أمام اصطفافات جديدة، والأهم خلق تحول في التفاعلات السياسية الجارية في المجتمع الدولي حول استقرار المنطقة تزيد قلق المتشددين وتشجع دعاة التريث والتعاطي الاحتوائي.
ولم لا؟.. ألم تنجح حرب لبنان عام 2006 في إعادة خلط الأوراق وترتيب اصطفافات جديدة عوضت عليهم خسارتهم الوجود العسكري السوري في لبنان؟.. وألا يستند هؤلاء في حضورهم وتميزهم إلى فكرة معاداة الصهيونية وشعارات المقاومة وتحرير فلسطين؟!
لكن نسأل في المقابل، ألا يؤدي افتعال صراع عسكري مع إسرائيل في الظرف الراهن إلى عكس الأهداف التي يبتغونها؟! وألن تعزز مناخات الحرب عوامل ضعفهم مع انكشاف زيف شعاراتهم الوطنية، وتزيد من احتمال تفكك قواهم وتحالفاتهم؟! ثم من قال إن إعادة إحياء الهموم الوطنية سوف تفضي إلى توسيع جماهيرية قوى المقاومة والممانعة وتشجع الالتفاف حولها، أم أن ثمة من لا يزال يشكك في أن الناس لم يملوا شعارات المواجهة والممانعة وتعافها نفوسهم وهم أكثر من خبر كيف وظفت هذه الشعارات لتعزيز أسباب الهيمنة والاستئثار والقمع والفساد، هذا إن لم تعجل من انقلاب الفئات المترددة أو السلبية وتشجعها على حسم خيارها في دعم رياح التغيير؟! ثم أي رهان خاسر ذلك الذي يتم بالتعويل على أجواء الحرب وما تثيره من مشاعر معادية للصهيونية في كسب تعاطف الشارع العربي وفي إزاحة مشاعر الغضب والألم التي رسخت في نفوس أبنائه من مشاهد القمع والتنكيل ضد السوريين العزل، أو في إعادة بناء موقف جديد للصف العربي، الذي خبر جيدا لعبة الحروب وتوظيفها في أزمات الأنظمة وصراع المحاور، ولم ينجر إلى تبديل مواقفه وتحفظاته تجاه حروب أكثر إحراجا بالمعنيين السياسي والأخلاقي، كحرب لبنان عام 2006 وحرب غزة عام 2009، وتاليا في تغيير الموقف الغربي الذي بات يعتبر استمرار النظام السوري هو الخطر الأكبر الذي يهدد الاستقرار؟
بلا شك يستند خيار الحرب مع إسرائيل إلى حق مشروع للشعوب العربية باسترداد الأراضي المحتلة في مواجهة تعنت صهيوني لا يعرف حدودا، لكنه أمر خطير اللجوء إلى افتعال معارك عسكرية، أو حرب قد لا تبقى محدودة، تحت ذريعة طلب هذا الحق، وللتهرب من الاستجابة للمستجدات الحاصلة واستحقاقاتها، والاستهتار بالآثار السلبية العميقة وبحجم الخسائر والأضرار التي سوف تخلفها، ألا يصح تشبيه هذا الخيار بخيار المغامر اليائس، من يريد ربح كل شيء أو خسارة كل شيء؟!
الشرق الأوسط