صفحات العالم

..وسوريا غير العراق

طارق الحميد

منذ اندلاع ما عرف بالربيع العربي في منطقتنا، كنا نقول إن تونس غير مصر التي هي غير اليمن المختلف عن ليبيا، وإن البحرين مختلفة عن البلدان الثلاثة، مثلما هي مختلفة عن سوريا المختلفة عن الجميع.. وكان البعض، عربيا وغربيا، يعترض، لكن هذا ما ثبت تماما.

واليوم يقول البعض إن سوريا ستكون مثل العراق، وأبرز من يقول ذلك الأميركيون، ومنهم الكاتب الأميركي توماس فريدمان، في مقاله المنشور هنا أمس، وعلى نهجه كان الصحافي الأميركي القدير ديفيد إغناتيوس. لكن الحقائق المبنية على وقائع آنية، وكذلك التاريخ، يقولان إن سوريا غير العراق. فريدمان يقول إنه يتمنى أن يكون مخطئا – وهو كذلك – فالعراق لم يكن محكوما بديكتاتورية الأقلية، كما يقول فريدمان، فالسنة في العراق ليسوا أقلية، وحكم صدام لم يكن طائفيا، بل إنه حكم اتسم بالرعونة السياسية، بينما الطائفية صنيعة إيران والأسد، ولحظة ذروتها في المنطقة كانت مع الاحتلال الأميركي للعراق، وانفجرت أكثر حين وصل حلفاء طهران إلى حكم العراق، ومع اغتيال الزعيم السني رفيق الحريري على يد نظام الأسد.

كما أن القول بأن سوريا مثل العراق من حيث خشية انتشار التطرف و«القاعدة»، يعد مبالغة وتزويرا للحقائق، فالتطرف في العراق انتشر لسببين؛ الأول وجود الجماعات الشيعية المتطرفة المحسوبة على إيران، مثل الصدريين، وغيرهم، والثاني تسهيل طهران والأسد دخول «القاعدة» للعراق لمحاربة الأميركيين بالوكالة. وعلينا أن نتذكر أن من دحر «القاعدة» في العراق هو مجالس الصحوة العراقية السنية، التي تعاملت يومها مع الجنرال باتريوس. وهنا علينا تذكر كيف تم اغتيال الزعيم القبلي العراقي أبو ريشة بعد لقائه الشهير بالرئيس السابق جورج بوش! وطالما أن الحديث هنا عن «القاعدة»، فمن حسن الحظ انشقاق المستشار بمجلس الشعب السوري، يوم أمس، محمد سعيد العيسى، الذي قال إنه يملك أدلة دامغة على أن السيارات المفخخة التي ضربت سوريا مؤخرا كانت من تدبير نظام الأسد نفسه، وليس «القاعدة»، أو المتطرفين!

والحديث بالطبع يطول، لكن المؤكد أن سوريا غير العراق، وليست كما يقول فريدمان، المخطئ لا شك، والأمر بسوريا لا يتطلب تحالفا إيرانيا إسرائيليا خليجيا تركيا كما يقول إغناتيوس، فهذه أضغاث أحلام، فالمطلوب اليوم هو حماية السوريين من الجرائم الأسدية، خصوصا أن الأسد هو من استخدم السلاح أولا وليس الثوار، فحماية السوريين هي الأولوية، وذلك عبر تسليحهم، وليس بالتدخل العسكري الأميركي كما يقول فريدمان، الذي يراه بمثابة الضمانة كما حدث في العراق، وهذا غير صحيح أيضا فأميركا هي من سلم العراق للإيرانيين كما أن الخوف من «القاعدة» غير صحيح، ومثلما حدث في ليبيا التي جاءت انتخاباتها عكس المنطقة كلها، فالإسلاميون، مثلا، لم يفوزوا في ليبيا كما حدث بمصر التي تحمست واشنطن لإسقاط مبارك فيها!

ملخص القول أن الأميركيين يريدون معالجة أخطائهم في العراق، ومصر، وغيرهما، بخطأ آخر في سوريا، والمثل يقول خطآن لا يصنعان قرارا صائبا. فالمطلوب الآن حماية السوريين من المجرم الأسد، وذلك عبر المناطق الآمنة، والتسليح، والإشراف عليه، من خلال الالتصاق بالمعارضة لضمان اليوم التالي، وليس بتمكين الأسد من العربدة، فتلك جريمة لا تغتفر.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى