صفحات العالم

وصولاً إلى الحائط المسدود


    سناء الجاك

 أكد وزير الاعلام في النظام الأسدي عمران الزعبي، أن الجيش العربي السوري “سيتابع تنفيذ واجباته الدستورية لإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع سوريا حياً حياً مدينةً مدينة”.

من يسمع الزعبي يقفز الى ذاكرته وجه معمر القذافي عندما كان يؤكد انه قائد الثورة الى الأبد وانه قاوم جبروت أميركا وبريطانيا، وانه اذا دعا الليبيين الى ملاحقة الارهابيين مردداً عبارته الشهيرة “زنقة زنقة” فسيجد من يلبي الدعوة. لكن في حين أن المجتمع الدولي الخائف على النفط قرر التدخل سريعاً في ليبيا، فإن هذا المجتمع يكتفي بمواقف لا تسمن ولا تغني عن جوع الشعب السوري الى حريته. ذلك انه يضع نصب عينيه مصالح اسرائيل وحساسية الموقف تجاه إيران قبل كل اعتبار آخر.

الفرق بين سوريا وليبيا ليس “حي حي” مقابل “زنقة زنقة”، انما  واقع ان طائرات الناتو كانت تقصف أسلحة القذافي وآلياته وتحظر عليه استخدام الجو للفتك بالشعب، في حين ان طائرات الأسد تقصف المنازل والنساء والأطفال والمخابز. يرفض النظام الأسدي ان يتدنى معدل ضحاياه، ولا يريد لأحد من مجرمي العالم ان يتفوق عليه. بحجة الدستور والاستقرار يتنقل الموت من بيت الى بيت ومن غرفة الى غرفة ومن مخبز الى مخبز، لأن لا حل كما يعتقد القيّمون على النظام، الا إبادة الشعب السوري.

المجتمع الدولي لا يعبأ بعامل الوقت الذي يستثمره الأسد ونظامه من مبادرة الى مبادرة، ملوّحاً تارة بالأسلحة الكيميائية وطوراً بالتقسيم واللعب على عامل الأقليات بحجة حمايتها من الارهاب والتطرف. كأن لا بقاء للأقليات من دون الأسد ونظامه. فلتتخيّل الأقليات عندما تصبح وحدها دون سائر السوريين شعب “الأسد الى الأبد”، حينذاك ستعلم ان مصيرها لن يكون أفضل حالاً من مصير من يُقتَل اليوم او يُعتقَل او يُهجَّر.

اللعب على الوقت نجده في قبول النظام الأسدي بالمبادرات المتلاحقة وصولاً الى قول الزعبي ان  النظام يرحب “بأي مبادرة تساعد سوريا على الخروج من المؤامرة التي تتعرض لها، وسنتعامل معها بشكل إيجابي على ألا تمس السيادة الوطنية”، موضحاً أن سوريا ستقدم الى الأخضر الإبراهيمي أقصى حدود المساعدة. هنا تلتبس السيادة والوطنية، لتنصهر مع النظام والحاكم، الحاضر للتعامل مع الشيطان شرط البقاء. لكن الشيطان لا وقت له للتعامل مع الأسد او للتدخل بحظر جوي ومنطقة عازلة. فالمجتمع الدولي يفصّل دماء السوريين على قياسه. روسيا متمسكة بالنظام الأسدي الذي صنّفته في المرتبة الثانية من مستوردي أسلحتها بعد الجزائر. الصين نلحق بها ولا نعرف ماذا تبيع وماذا تشتري. والولايات المتحدة مشغولة بالانتخابات الرئاسية، والفائز في هذه الانتخابات سيجلس في مكتبه البيضوي ويفكر بهدوء ماذا يفعل حيال الأسد وجرائمه. يحسب بالورقة والقلم الفوائد التي قد تعود عليه من هذا القرار او ذاك. فرنسا تنتظر استخدام الأسلحة الممنوعة لتفكر في تدخل يجدي، ولا تخالف القانون في مسألة محاكمة الأسد بجرائم ضد الانسانية لأنه لا يقيم على أراضيها. أما آلة القتل المتجولة فتلاحق السوريين وتذبحهم من حي الى حي ومن قرية الى قرية ومن مدينة الى مدينة. أكثر من ذلك، آلة القتل لا تعرف ترسيم الحدود، لذا تجنح من حدود لبنانية الى عمق قرى عكار والبقاع، وتصر على ارسال الهدايا مع من بقي من مخلصين لها لتتنكر لهم ما إن يقعوا متلبسين بالجرم المشهود، ثم  تهدد من يدين هداياها.

مع الأسف لا يزال بعض اتباعها، ممن لم يتعظوا، يلهثون لتبييض صفحة جرائمها، فيصبح أحدهم مثلاً، عميلاً للفرنسيين ولا علاقة له بنظام الأسد، على ما يروّج مهرّجون يحسبون ان فتح بعض المنابر الاعلامية لتفاهاتهم مجد مؤجل، وانهم سيتقاضون أتعابهم آجلاً أم عاجلاً. لكن آجلاً ام عاجلاً، وعلى رغم حسابات الدكاكين المحلية والدولية، سيجد النظام الأسدي رجاله محاصرين وملاحقين من حي الى حي وسيقعون في زنقة تلو زنقة، وصولاً الى الحائط المسدود.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى