وضعنا في الوطن لا يحتمل هذا التلكؤ
المنبر الديمقراطي السوري
أخذ المنبر الديمقراطي السوري على عاتقة منذ مؤتمره الذي عقده في أواسط نيسان الماضي مهمّة تذليل كلّ الصعوبات لجمع المعارضة السورية وتضييق خلافاتها، من أجل الانتصار لنضال شعبنا وانتزاع الحريّة والكرامة وإسقاط السلطة القائمة التي فتكت بشعبنا واسترخصت دمائه ودمّرت الوطن وأدخلته منزلقات ومخاطر ليس أقلّها تلاعب القوى الدولية والإقليمية بمستقبل سيادته ووحدتها.
وقد كان للمنبر دور أساسيّ في تشكيل اللجنة التحضيريّة للمؤتمر العام للمعارضة، وفي صياغة وثيقتي “العهد الوطني-الأسس الدستوريّة” و”الرؤية السياسيّة المشتركة إزاء تحديات المرحلة الانتقاليّة”، اللتين أقرّهما المؤتمر. كما وشارك المنبر في مجمل الندوات والنشاطات التي أسهمت في لمّ شمل المعارضة وتقريب وجهات نظرها، رافضاً أيّة ممارسات إقصائيّة تجاه أيٍّ كان ومطالباً بالتعالي على كلّ المصاعب والمصالح الضيّقة أمام الوضع المأساوي والخطير الذي يواجه بلدنا وشعبنا من عنفٍ وقتلٍ وتدميرٍ فاق التصوّر.
وقد قدّم المنبر مؤخّراً مساهمته في جهود خلق نواة للجنة متابعة للمشروع الوطني المتمثّل بوثيقتي القاهرة، ما كان يطالب به منذ انعقاد المؤتمر، ووضع الأمانة العامّة للجامعة العربية بنتائج هذه الجهود. وكان من أهمّ هذه النتائج: تأكيد التزام جميع أطراف المعارضة بالوثيقتين؛ وإعادة التوافق مع الأخوة الأكراد مع وضع آليّة لإنتاج وثيقة تكميليّة تخصّ القضيّة الكرديّة؛ وأيضاً إيضاح التزام الجيش الحرّ والمجالس العسكريّة بهاتين الوثيقتين، وبالمدوّنات الحقوقيّة والأخلاقيّة، وبضرورة توحيد المقاومة المسلّحة وضبط المال السياسي في مجال الإغاثة والدعم العسكري. كلّ ذلك كي يتسنّى توحيد الجهود بما يضمن مستقبل البلد على أسس وطنيّة تولي سيادة واستقلال الوطن الاهتمام الرئيس.
إلا أنّنا نضع أمام شعبنا وقواه بعض المعوقات التي تواجه عمل نواة لجنة المتابعة التي شكّلت في 28 آب الماضي، وتحول دون إمكانية تحقيقها إنجازات جديّة في عملها. حيث هناك قوى ترغب في تجاوز التوافقات التي تمّ الالتزام بها في مؤتمر القاهرة، ولا تريد العمل على تكريسها عمليّاً.
أولى تلك الإشكالات هي تهرّب المجلس الوطني السوري من وثيقتي القاهرة، وخروجه مع بعض الدول الداعمة بمحاولة تشكيل حكومة انتقاليّة؛ ثمّ تصويته الأخير على عدم المشاركة في لجنة المتابعة، مع أنّه حضر الندوات التي أدّت إلى خلق نواتها، وفرض شروطاً كثيرة لتحجيم دورها، قبلناها على مضض في محاولة للحفاظ على وحدة الصفّ. كذلك غرّدت هيئة التنسيق الوطنيّة خارج سرب التوافق، وأطلقت مبادرة منفردة لعقد مؤتمر للمعارضة داخل سورية، في ظلّ القتل والقصف والإرهاب. قابل ذلك تجميد لعضويّتها في لجنة المتابعة، بدل التحاور معها وإلزامها بالتوافقات المشتركة. كذلك ما زلنا نلحظ تلاعباً كبيراً من بعض القوى والدول لتخريب الجهود القائمة لتوحيد المقاومة المسلّحة وتنظيمها في جيشٍ وطنيّ، يلتزم بالمشروع المستقبليّ المتمثّل بوثيقتي القاهرة، ويمنع الفوضى ويحول دون الانغماسات الطائفيّة التي تحاول السلطة زجّ مجتمعنا فيها، وكي يتمّ صون وحدة سورية واستقلالها وضمان انتقالها إلى الدولة المدنيّة الديموقراطيّة، دولة المساواة في المواطنة والحريّات. ثمّ أتى أخيراً قرار مجلس الجامعة العربيّة في 5 أيلول الماضي الذي… “دعا مختلف أطراف المعارضة السورية إلى التجاوب مع مساعي الأمين العام للجامعة من أجل البناء على ما تحقّق من توافق على وثيقتي “العهد الوطني” و”ملامح المرحلة الانتقالية” في مؤتمر المعارضة السورية الذي انعقد تحت رعاية الجامعة يومي 2 و3/7/2012 بالقاهرة، وذلك من أجل تعميق الاتفاق بين مختلف أطراف المعارضة السورية على الرؤية السياسية المشتركة للمرحلة الانتقالية، وتبني آليات عمل فعّالة للتنسيق والمتابعة والعمل المشترك”…، مع ما يعني ذلك من دعمٍ للمنهج الذي اتخذناه، ولكن أيضاً من عدم أخذ واقع الأمور بعين الاعتبار وعدم اعتراف بنواة اللجنة في صيغتها الحاليّة.
كلّ ذلك يجعل الاستمرار في متابعة عمل ضمن نواة لجنة المتابعة من قبلنا ضرباً من الدوران في حلقةٍ مفرغة، ولا يخدم الآمال التي علّقت على عملنا فيها والتي نعلّقها نحن بدورنا عليها من أجل الانتصار بالتوافق لقضيّة شعبنا.
لذا، وبناءً على ما تقدّم، ولوضع كافّة أطياف المعارضة وكذلك القوى العربيّة والإقليميّة أمام مسؤوليّاتها، قرّر المنبر الديمقراطي السوري أنّه لا يمكنه الاستمرار بنشاطه داخل نواة لجنة المتابعة التي انبثقت برعاية الجامعة العربية، ريثما تنضج مواقف جديّة من مختلف الأطراف، مؤكّدين على:
• التزامنا بالنضال الجاد لتوحيد جهود المعارضة بكلّ السبل وببذل جهودنا لوضع المشروع الوطني المتمثّل بوثيقتي القاهرة قيد التنفيذ.
• ضرورة تبنّي جميع أطياف المعارضة السوريّة، وخاصّة الأساسيّة منها، “آليات عمل فعّالة للتنسيق والمتابعة والعمل المشترك”، برعاية الأمين العام للجامعة، كما في قرار مجلس الجامعة الأخير.
• ضرورة دعم كافّة القوى الإقليميّة والخارجيّة للمشروع الوطني المتمثّل بوثائق القاهرة، والتزامها ببنوده، مع بذلها جهود حقيقيّة لتوحيد مواقف أطياف المعارضة بدل دفعها نحو الانقسام والتشرذم.
حتّى ذلك الحين، نحن سنستمرّ بتواصلنا مع نواة اللجنة التي تشكّلت، وسنساعدها وسنسندها لما تحتاج إليه، لكنّنا نريدها أداة حقيقيّة وفاعلة.
إنّ المنبر الديمقراطي السوري سيبقى أداةً وحاضنة تناضل لصهر الجهود وتوحيدها؛ وسيبقى في الوقت نفسه حالة شفافّة في طرح قضايا خلافاتنا وهمومنا أمام شعبنا، وفي وضع الجميع أمام مسؤوليّاتهم.
الخلود لشهدائنا والمجد للوطن والحريّة للشعب