صفحات العالم

وضع عادي وهادئ في سورية


الياس حرفوش

عندما يعتبر وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي، أن «الوضع في دمشق عادي وهادئ ولا توجد مشكلة في سورية حتى نقلق بشأنها»، وعندما لا يتردد وزير الخارجية الروسي في التأكيد ان النظام السوري لا يزال «قوياً» ولا مبرر لدعوة رئيسه الى الاستقالة، يصبح طبيعياً ان تسخر دمشق من عرض وزراء الخارجية العرب على رئيسها توفير خروج آمن له ولعائلته، ومن دعوتها المعارضة الى تشكيل حكومة انتقالية، على اساس ان الجامعة العربية طوت ورقة الحل السياسي وانتقلت الى البحث في ترتيب نقل السلطة في سورية.

فعرض لجنة الجامعة لا يتمتع بفرصة للتنفيذ على الارض افضل من الفرصة التي حظيت بها الدعوة الغربية في مجلس الامن الى فرض خطة المبعوث الدولي كوفي انان بالقوة تحت الفصل السابع، فالفيتو المزدوج الروسي الصيني يماثله في دمشق وفي وجه قرارات الجامعة العربية، فيتو مزدوج آخر يتألف من اركان العائلة الاسدية واقاربها ومن القادة الرئيسيين في الجيش، الذين يرون ان خروجهم من المسرح السياسي، بالسلم او بالدم، يعني نهايتهم جميعاً، ومن هنا لم يُبقوا لأنفسهم سوى خيار الاستمرار حتى النهاية.

ويَعتبر قادة النظام السوري ان الحرب التي يخوضونها هي حرب وجود، وان إخراجهم من دمشق سيكون بعيد المنال بالطرق التي يقترحها عليهم معظم العرب.

لقد رمت دمشق منذ زمن بعيد وصفات الجامعة العربية في سلة المهملات، وليس ثمة ما يدفعها إلى العودة إلى الأخذ بها اليوم. هي تعتبر ان الجامعة العربية تغطي بمواقفها من النظام السوري الحرب التي تشنها عليه «العصابات الارهابية المسلحة»، وتعتبر اكثر من ذلك أنها تخوض هذه الحرب بجدارة كاملة مع «اعداء الداخل»، وفق توصيف الرئيس السوري، ولا يعنيها ولا يقلقها في شيء ان ما يفعله جيشها اليوم ليس أقل من شن الحرب على المدن السورية، بما فيها العاصمة، لاخضاعها بالقوة الواحدة بعد الاخرى، تحت شعار تنظيفها من «فلول الارهابيين». كما لا يعني النظام السوري ان «العصابات المسلحة» باتت تضم معظم ابناء الشعب السوري، وبالتالي فإن ما يفعله النظام عملياً هو خوض حرب على شعبه لفرض حكمه عليه بالقوة.

وعندما يعتمد النظام منطقاً كهذا ويسير على هديه، يصبح تهديده بنزع ورقة الحل السياسي واستبدالها بالدعوة الى نقل السلطة، من باب العبث وإضاعة الوقت، وفي هذه الاثناء يتزايد سقوط القتلى وتدمير المدن. لقد اكد الرئيس الاسد في اكثر من مناسبة انه يتمتع بشعبية واسعة بين مواطنيه، وقال انه عندما يشعر انه لم يعد يتمتع بها سيتنحى من تلقاء نفسه على الفور. ولا بد ان يسأل نفسه اليوم أمام قناعته هذه: لماذا يدعونني إذن الى مغادرة عاصمتي؟ ولماذا يطالبون بنقل السلطة الى حكومة اخرى، طالما أنني الرئيس الشرعي؟ ولا شك في ان الرئيس الاسد لا يسمع نصائح اقاربه والمحيطين به فقط، بل هناك دول وتنظيمات حليفة له تُسمعه الكلامَ نفسه، مثل الكلام الذي نقلناه عن وزيري خارجية روسيا وايران.

خلاصة كل هذا ان سورية تجاوزت مرحلة الحلول السياسية. لا الخروج الآمن مقبول ولا نقل السلطة سلمياً وارد حتى لو نجحت المعارضة، مع تشرذمها المعروف، في التوصل الى تشكيل حكومة انتقالية. سورية ماضية في طريق دموي لا يعرف أحد كيف سينتهي، وما اذا كانت سورية ستخرج منه واحدة كما نعرفها، ام مفككة وفق الخطوط المذهبية والعرقية التي تخوض الحروب على أرضها اليوم.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى