وطي صوتك’.. إنها الانتخابات السورية!/ راشد عيسى
أجمل ما في حملة “سوريا تنتخب”، الداعية لانتخاب رئيس (في الجوهر تدعو لانتخاب بشار الأسد)، هي الحملة المضادة لها، وجزء منها صفحة في فايسبوك بعنوان “وطي صوتك”، وأشرطة فيديو معنونة “سوريا تنتحب” (بالحاء).
الحملة الإنتخابية للنظام السوري وأنصاره زجّت بالفنانين، المشهود لهم بالولاء، لتقديم مقاطع فيديو يخاطبون فيها الجمهور السوري لحضّه على التوجه لصناديق الإنتخابات، بل وكذلك لحضّ السوريين على الترشح لمنصب الرئاسة. ليست القدرة على الإقناع مهمة بحد ذاتها. المهم أن النظام يحاول تقديم صورة تحاكي أجواء الإنتخابات كما يجري في البلاد التي درجت على ممارسة ذلك. هي محاولة للقول إن شيئاً تغيّر في سوريا، على مشارف الولاية الرئاسية الثالثة لبشار الأسد، فها قد بتنا أمام عدد من المرشحين، وكذلك بتنا نتحدث على شاشة التلفزيون الرسمي عن رئيس جديد للبلاد، وكأنه يصعب أن نحزر من يكون.
لكن حقيقة تلك الحملة بالذات لا تشي إلا باستمرار ما ثار السوريون عليه. فيبدو أن المقصود من تحويل الحملة، خصوصاً ترشّح هذا العدد الكبير لمقام الرئاسة، أن يتحول الأمر إلى مهزلة تدفع السوريين إلى القول بأن الديموقراطية لا تليق بهم. أما الفيديوهات فهي تذكّر بأن هؤلاء الفنانين هم كغيرهم يُساقون، باسمين، إلى قول ما يُملى عليهم، ما عدا الممثل مصطفى الخاني. فلا شك عندي أنه يمضي إلى كل ما يفعله بعيون مفتوحة ومتحدية، ذلك أن لا أحد يمكن أن يرغمه على التجويد في الهتاف إلى هذا الحد.
الصورة في فيديوهات الفنانين تريد أن تعيد أسطوانة الأيام الأولى من الثورة حين تعامل إعلام النظام مع التظاهرات وكأن شيئاً لا يجري في البلاد. خلف الفنانين، في عمق الصورة، ستجد أشجاراً خضراء، حركة سيارات، وزقزقة عصافير، وكأن شيئاً لا يعكّر صفو البلاد.. وبالتالي بإمكان المواطن أن يمضي إلى الصندوق غير هيّاب، خصوصاً أن الجميع عرف أن قذائف الهاون العشوائية في دمشق لا يمكنها أن تسقط على مسيرة مؤيدة، أو تجمع إنتخابي. الصناديق أيضاً ستكون في منأى عن قذائف الهاون.
عموماً، تحدث الفنانون بلغة طلائعية (نسبة إلى تلك الطريقة الأدبية الإنشائية الخاصة التي توحّد صغار البعث)، لا سيما سلمى المصري وهي تتحدث عن زيزفون دمشق وياسمينها قبل أن تتحدث عن الواجب الإنتخابي. دريد لحام تحدث عن مقام الرئاسة وضرورة أن يترشح الناس له، قبل أن ينتخبوا، وهو يشير أيضاً إلى التطوّر الديموقراطي الذي تشهده البلاد وهي تتحول من الإستفتاء إلى الإنتخاب. هنالك إذاً ما يستحق الثورة على نظامك يا دريد، ويبدو أن لا مناص لك من الإعتراف أنه حتى خطابك “الإنتخابي” وزملائك، لم يكن ممكناً لولا الثورة.
فيديوهات الفنانين، التي لم تستطع الموسيقى ذات النَفَس “الملحمي” أن تضفي عليها طابع الجديّة، إستدعت حملة مناهضة من الثوار السوريين، قامت على عبارة “وطّي صوتك”، رداً على تلك العبارة التي تختم فيديوهات الفنانين “صوتك أمانتك” و”صوتك حريتك”، وكذلك باستخدام عنوان ساخر يحاكي عنوان حملة النظام، وهو “سوريا تنتحب”.
من فيديو “كزدورة السعادين”
فيديوهات “سوريا تنتحب” كلها ساخرة، وهي تقوم على التضاد مع حملة النظام. فهذا فيديو حمل عنوان “وطي صوتك خالي”، يحاكي فيه شاب فيديو الممثل وائل شرف، أحد ممثلي مسلسل “باب الحارة”، ساخراً من أدائه في المسلسل، وفي الفيديو. إلى جانب فيديو “شبيح في مهب الريح”، وهو عمل مختصر بكلمة “إنتخب”، فيما السبابة ممدودة باتجاه المشاهد، والنار والدمار في خلفية المشهد. أما فيديو “الدهب كيّس” فيقلّد بموسيقاه الرديئة أجواء مسيرات النظام واحتفالاته. ويتحدث فيديو بعنوان “اليد الحديدية” كيف أن الإنتخاب هو أحسن طريقة كي يختفي الإعلاميون والكتّاب. هذا إلى جانب فيديو باسم “كزدورة السعادين”، وآخر يستعير المثل القائل “القط بحب خنّاقو” ليستنتج: “إنتخبوا الخناق”.
من الواضح أن حملة “سوريا تنتحب” تأسست بجهود فردية غير ممولة، وهي بنجاحها ورشاقتها ووصولها اللطيف إلى قلوب السوريين، تؤكد أنه لا غنى عن المبادرة، التي غالباً ما تأتي مشحونة بالطاقة الخلاقة وبالأفكار المبتكرة.
حملة الناشطين السوريين قائمة على السخرية، ما يعيد إلى الأذهان بدايات الثورة المرحة، كما أسلوب بلدة كفرنبل ولافتاتها، وكذلك لافتات بعض المدن الثائرة، بدءاً من درعا وشعارات أطفالها التي أشعلت الثورة، وليس انتهاء بـ”كرتونة” دير الزور. فهل تكون مهزلة الإنتخابات فسحة للتجدد والإنطلاق من جديد؟
http://www.youtube.com/watch?v=0TTNFlKXpQ8
المدن