وفد المتكبرين العرب في حمص
أمل عبد العزيز الهزاني
زيارة وفد المراقبين العرب إلى سوريا مثل الصدقة التي يتبعها أذى، بل إنها أسوأ، لأن الأذى سبقها وتبعها.
مشهد سير المراقبين في حمص يعكس، والمفترض أن يعكس، موقف الجامعة العربية من نداءات الاستغاثة التي نسمعها كل يوم على الفضائيات: الكثير من اللامبالاة، والاستنكاف عن الإنصات لصيحات الاستغاثة وطلب المعونة.
ليس المهم ما قيل حول ماضي رئيس وفد المراقبين العرب، وأن لديه سجلا ضد حقوق الإنسان، ذلك لأنه لا يمثل نفسه في هذه الرحلة ذات الزخم الإعلامي، بل يقوم بمهمة كاميرا الرصد، يراقب ويسجل، ولكنه ظهر على شاشات التلفزة وكأنه مأمور سجن، وليس مراقبا لانتهاكات إنسانية مريعة لم يشهد العالم مثيلها منذ الحرب العالمية الثانية.
مر بمخيلتي وأنا أراقب المراقبين مشهد قديم للممثلة الأميركية أنجلينا جولي عندما زارت مخيمات للاجئين في دارفور. رغم الاختلاف في الظروف، فإن المقارنة تجلي البصر، وعسى أن تجلي البصيرة. جولي أبدت تعاطفا كبيرا مع حقائق مأساوية موجعة في أحوال أبرياء ذهبوا ضحية صراعات الساسة، حيث احتضنت ضحايا الحرب والجوع بكثير من التفاعل العاطفي، وحري بها أن تفعل، فما رأته يدمي القلب، هي لم تسجل موقفا رسميا يخص مضمون الصراع السياسي، كانت مهمتها محددة بإبراز مشكلة هؤلاء أمام الرأي العام العالمي. أنجلينا جولي لم ترتد شالا من الحرير البنفسجي وتضع أقراطا من اللؤلؤ أو الماس رغم أنها فاحشة الثراء، بل ذهبت برداء أسود، وبلا مساحيق، وأضفت نحافتها الشديدة بالصدفة مزيدا من المصداقية على المشهد، الأميركية تفهمت مآسي الناس وآلامهم وتجاوبت معها، فلم يشعروا بأنها غريبة جاءت من النصف الآخر من كوكب الأرض، لأنها تلقفتهم بكثير من الحس الإنساني واستمعت لهم بقلبها قبل أذنيها.
عمليا لا تختلف مهمتها عن مهمة المراقبين الذين توجهوا لحمص للوقوف على أثر الجرائم التي يعرفون ونعرف ويعرف العالم أنها تحصل كل ساعة من كل يوم منذ تسعة أشهر، وليتابعوا تطبيق النظام السوري للمبادرة العربية من حيث إطلاق المعتقلين ووقف العنف ومظاهر التسلح. المراقبون العرب استكبروا على الاستماع للمستهدفين من الزيارة، فظهروا كالإنسان الآلي بلا مشاعر وكأنما يسيرون بالريموت كنترول، حاول المستغيثون حملهم على الإصغاء ولكن بلا جدوى. المراقب يقف بسيجارته يمتنع عن تهدئة الناس الجياع الذين يفتقرون للطعام والماء والوقود والكهرباء.
ربما آثر الوفد عدم الإدلاء بأي تصريح حتى يقدموا تقريرهم الأخير للجامعة العربية، وهذا من حقهم، لكن من حق متظاهري الشارع أن يشعروا بقليل من التقدير والاحتواء والتفهم من وفد عربي منتظر منذ أكثر من شهر، من حقهم أن يشعروا أن 30 قتيلا يوميا منذ شهر خسروا حياتهم في انتظار أن يطل عليهم الوفد العربي لم تهدر دماؤهم هباء.
ماذا لو خرج وزير الخارجية السوري وليد المعلم غدا ليعلن في أحد مؤتمراته الصحافية أن إطلاق الرصاص الذي سمعه المراقبون أثناء جولتهم الخجولة هي تأكيد على وجود مسلحين يتربصون بالناس من سقوف الأبنية، وأن هذا بالضبط ما كان يردده النظام السوري طوال هذه الشهور الماضية، ولم يكن العرب يصدقون؟ كيف سيثبت المراقبون خلال دقائق من جولات متواضعة هوية مطلقي النيران؟ لو كان البروتوكول اشترط على الأقل دخول المراقبين مع وفود إعلامية لربما كان لهذه الجولة قيمة، لأن المراسل الصحافي سيكون أكثر شجاعة في الحصول على المعلومة من مراقب يمشي الخيلاء.
الأمين العام للجامعة العربية يعرف تماما أن من يستهدف المتظاهرين هي قوات النظام السوري، وكل من هم حول طاولة الجامعة العربية يعرفون ذلك، الحقيقة لا تحتاج بضعة أشخاص لإثباتها أو نفيها، وهذه الخطوة من الجامعة العربية التي أصرت عليها آملة وقف العنف وإطلاق المعتقلين هي باهظة الثمن حتى لو كانت تمهيدا لأن تنفض يدها من القضية السورية استعدادا لتدويل الملف.
الشرق الأوسط