وقفة مع فوّاز حداد
تقف هذه الزاوية، مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه.
ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
– ما يشغلني لا يقتصر على هذه الأيام، ولا عليّ وحدي، بل السوريين جميعاً وإلى حد ما العرب، مع أنه لديهم ما يشغلهم. المأساة السورية التي على حالها منذ خمس سنوات، وهاجس العودة إلى “سورية حرّة”، التي باتت حلماً يرافقه كابوس الدمار والقصف والنزوح والتفجير والقتل.
ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
– آخر عمل كان رواية “السوريون الأعداء”. عملي القادم في السياق العام نفسه، فالثورة السورية اضطرتنا نحن الكتّاب إلى إعادة النظر في حياتنا من منظور ما كشف عنه “الربيع” الذي حوّله النظام إلى جحيم، وما انتشر من أمراض سياسية ودينية واجتماعية. الجهد الأكبر يتركز في مواجهتها. أحاول تشريح الدولة الأمنية ومشهد الضحايا كأفراد ومجموعات.
هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
– يصعب القول إنني غير راض عن إنتاجي، أحيانا يأخذ الكتاب ثلاث سنوات وأكثر، أي أنني أعايشه زمناً طويلاً، ما يخلق علاقة لا انفكاك عنها إلا بدفعه إلى المطبعة. وهو انفصال وهمي إذ ما يزال يسكنني. من جانب آخر، يستحيل أن يرضيني، ثمة شيء أو أشياء تنقصه، لو لم أكن أجهلها لاستدركتها. يُعزّيني أن الكتب في نقصانها، وأي اكتمال لها ادعاء وتزييف. هناك من سيحاول بعدنا.
لو قيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
– خياراتي معدومة، فلقد عملت في أكثر من مهنة وكانت مجزية، تنازلت عنها، لاعتقادي أن الرواية قدري، مع قناعتي أنها لن تقدّم لي أي مردود مادي. ما زال هذا اعتقادي ولا أتصوّر نفسي أنه قد يخطر لي خيار غيره. ومع هذا أحياناً أندم، وعلى الأصح أُصدم، عندما يخيّل لي أن الكتابة مجرّد مهنة. لذلك أحاول إقناع نفسي أنها أكثر من مهنة، لكي أستطيع الاستمرار.
ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
– أن يكون لدى العالم الإحساس بأننا جميعاً بشر، ينبغي أن نتساعد على العيش لا أن يحكمنا التزاحم على المكاسب. لا تُخلّف المنافسة وراءها سوى أشلاء أمم، نستطيع أن نتقدّم لكن ليس فوق الجثث والدماء والنهب. على العالم أن يغيّر طريقة تفكيره، الصراعات لم تُجدِ، ولن تجدي. ماذا كان عائدها؟ الجريمة والثراء المقزز والتخمة وابتذال البشر. هل هذا عالم يستحق أن يصنعه الانسان؟
شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
– الشخص التي وددت لقاءه، هو أبي، فقد توفي وعمري سنة، أنا لم أعرفه. لا أجهل نموذج الأب فهو متوافر، لكنني لا أحسّه، وربما فقدانه أعطاني حرية أكبر في التفكير وتعدّد الخيارات. لكنه أشعرني منذ كنت صغيراً بعدم الأمان، شعور لم يغادرني.
صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
– في هذه السنوات التي اضطررت فيها للعيش في عزلة ممضّة، أكثر من صديق وصديقة يخطرون لي، كأنني لم أفارقهم، حتى هؤلاء الذين غادروا عالمنا. أما الكتب، فأنا أعود إلى أكثر من كتاب في علم النفس والفلسفة والتاريخ… تستهويني العودة إلى عصر النهضة الأوربية، والنهضة العربية المجهضة.
ماذا تقرأ الآن؟
– اعتدت أن أقرأ ستة أو سبعة كتب وربما عشرة بالتناوب، لاحظت أن قراءة ساعة من الزمن تتعبني، لكن بمجرد تناول كتاب آخر يتجدّد نشاطي. حالياً أقرأ “أزمة الوعي الأوروبي” لبول هازار، “حارس البوابة” لتيري إيغلتون، “تطور الرواية الحديثة” لجيسي ماتز، “مثالب الولادة” لسيوران، “أبطال الرواية الحقيقية” لباتريك بيدو. إعادة قراءة الأعمال الأولى لدوستيوفسكي بدأتها بـ”المقامر” و”الليالي البيضاء”.
ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
– أسمع “أم كلثوم” باستمرار، لازمة لا أحيد عنها، دخلت إلى عوالمها في روايتي “مرسال الغرام”. طبعاً أسمع للكثيرين. حالياً أسمع فايزة أحمد، تمنيت مراراً أن أكتب رواية عنها. وأسمع محمد عبد المطلب خصوصاً أغنيته التي تعرفت إليها مؤخراً “يصعب على روحي”.
بطاقة: مواليد دمشق/ سورية 1947. صدرت له روايات عديدة: “موزاييك دمشق 39” (1991)، “تياترو 1949” (1994)، “صورة الروائي” (1998)، “الولد الجاهل” (2000)، و”الضغينة والهوى” (2001)، و”مرسال الغرام” (2004)، و”مشهد عابر” (2007)، والمترجم الخائن (2008)، و”عزف منفرد على البيانو” (2009)، و”جنود الله” (2010)، و”خطوط النار” (2011)، و”السوريون الأعداء” (2014).
العربي الجديد