صفحات الرأيعلي العبدالله

ولاية الفقيه:دين ام سياسة؟/ علي العبد الله

أثارت احاديث السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني، السياسية والتوجيهية بمناسبة ذكرى عاشوراء وإشارته الى التزامه بنظام الولي الفقيه اسئلة حول نظرية ولاية الفقيه وهل هي جزء من العقيدة الدينية للشيعة، كما قال في احاديث ومناسبات سابقة، ام انها وجهة نظر داخل المذهب الشيعي (الاثني عشري)، وأسئلة حول انعكاس التزام حزب الله بهذا النظرية على الوضع في لبنان وعلاقته بالدولة والمجتمع اللبناني وبمستقبل الدولة اللبنانية؟.

نظرية ولاية الفقيه نظرية في الحكم اقتًرحت من قبل بعض فقهاء الشيعة كتطوير لنظرية الإمامة لدى الشيعة الإمامية على خلفية حاجة الشيعة لمن يسوسهم خلال الغيبة الكبرى وانقطاع الصلة بالإمام المهدي، بعد ان كان ثمة صلة عبر وسطاء خلال مرحلة الغيبة الصغرى، بوضع الفقيه في السلطة السياسية، بعد أن كان إلى حين ظهور هذا الاجتهاد في السلطة الاجتماعية، وتحويل الفقيه من مرشد ديني إلى مرشد سياسي، الى رجل دولة.

غير أن نظرية ولاية الفقيه لم تصبح جزءا من العقيدة السياسية للشيعة حيث بقي رأي الأغلبية  مع بقاء دور الفقيه في المجتمع باعتباره الأصل والأصح، ناهيك عن جزء من العقيدة الدينية كما ذهب نصرالله وإلا ما كان رفضها كبار آيات الله وتحفظوا على تطبيقها في إيران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، من أمثال الطالقاني، شريعة مداري، منتظري، أبو القاسم الخوئي، السيستاني، محمد حسين فضل الله…الخ ناهيك عن شيوخ كبار كمحمد جواد مغنية، محمد مهدي شمس الدين، وآلاف المثقفين الشيعة.

ونظرية ولاية الفقيه، كنظرية ونظام حكم، لا تدين بظهورها المعاصر للعقيدة الدينية بل للسياسة. إنها بنت السياسة بامتياز. فقد خرجت من رحم الصراع السياسي على السلطة في إيران حيث أتاح النصر الذي حققته الثورة الإسلامية على نظام الشاه والتي قادها آية الله الخميني، أحد دعاة ولاية الفقيه، أتاح فرضها على الشعب الإيراني الذي التحم بالثورة على نظام الشاه كي يتخلص من نظام استبدادي قمعي فاسد لكنه أخذ على حين غرة وفرض عليه، وهو في نشوة خلاصه من نظام الشاه، نظام استبدادي قمعي باسم ولاية الفقيه، والذي كشف مع الوقت عما ينطوي عليه من سلبيات كبيرة وخطيرة تمس حياة المواطنين وحرياتهم العامة والخاصة وتقيد مستقبلهم السياسي والاجتماعي. وقد اتسعت، مع مرور الوقت، دائرة رفضه من قبل المواطنين الإيرانيين وخاصة الشباب والنساء، وهم أغلبية المجتمع الإيراني، والطبقة الوسطى المدينية، والتي عبر عنها التصويت المكثف للمرشح الإصلاحي محمد خاتمي خلال دورتي انتخابات متتالية(1997 و 2001) حيث حصل على 70% من الأصوات، وتظاهرات الموجة الخضراء التي رافقت الانتخابات الرئاسية عام 2009، ناهيك عن احتجاجات الطلاب وتظاهراتهم المتكررة وتشهيرهم بالدكتاتورية، ما عكس رغبة المواطنين العميقة بالتخلص من نظام ولاية الفقيه، وتصحيح الوضع بإعادة الفقيه إلى دوره التقليدي: موجه في المجتمع.

كما أن ربط السيد نصر الله بين نظرية ولاية الفقيه وعقيدة الشيعة الدينية سياسي هو الآخر. فهو لا يقدم مبررات دينية لتبرير النظرية ولكنه يضع حجمه السياسي في نصرتها. إنه يسعى عبر إخراج النظرية من دائرة المراجعة والنقد في الساحة اللبنانية إلى خدمة القوة التي ترعاه وحزبه في طهران من جهة، وإلى إبقاء النظرية على الطاولة وفرضها، عندما يسنح الظرف، على المجتمع اللبناني من جهة أخرى.

لم تنجح نظرية ولاية الفقيه في كسب تأييد ورضا غالبية أئمة الشيعة ومثقفيهم فقد بقيت رأيا لبعض الشيعة، بعض قليل من الشيعة، وهي فوق ذلك تتعارض جوهريا مع قاعدة الشورى الإسلامية( يعكس موقف وسلوك الامام علي كرم الله وجهه وسلوك أولاده الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وأحفاده وزين العابدين وولديه محمد الباقر وزيد وحفيده جعفر الصادق تمسكهم بمبدأ الشورى وببيعة الامام من عامة المسلمين – راجع كتاب التشيع السياسي والتشيع الديني للأستاذ احمد الكاتب) بتأسيسها نظام حكم الرجل الواحد: المرشد الأعلى، وإسباغ القداسة على قرارات السلطة السياسية بعامة والمرشد الأعلى بخاصة (سلطات المرشد الأعلى في الدستور الإيراني سلطات حاكم مطلق، وهي أكبر من سلطات خلفاء الجور الذين عرفهم التاريخ الإسلامي) بإعطائها بعدا شرعيا ما يجعل نقدها والخروج عليها محرما في ضوء معصومية الإمام لدى الشيعة الإمامية. قال عنها آية الله منتظري قبيل وفاته:” إنها إشراك بالله”، كما انها تؤسس لقيام دولة دينية لم يدع الإسلام لقيامها أو يقبل بها.

إن رأي السيد نصر الله لا يمكن أن يلغي النقاش حول هذه النظرية أو يخرجها، بتسويرها بهالة دينية، من دائرة النقد والمراجعة لإقرارها وتحويلها إلى نظرية الشيعة في الحكم، أو لرفضها تمهيدا لإقامة الحياة السياسية في المجال الشيعي على قواعد مدنية خاضعة للمراجعة والتطوير وفق مستدعيات الحياة الوطنية والتطور الإنساني، وما حصل في إيران عام 2009(التظاهرات) والرفض الفكري والسياسي لطبيعة النظام لدليل قاطع على عدم صحة موقف السيد نصرالله، حيث حاولت الحركة الإصلاحية الإيرانية بقيادة مير حسين موسوي إصلاح النظام السياسي الإيراني بتخليصه من عناصر مكونة مرتبطة بنظرية ولاية الفقيه وإقامة نظام سياسي بديل على أسس ديمقراطية حقيقية.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى