ولا يزال الأسد يحفر!
طارق الحميد
تنشر صحيفة «جمهورييت» التركية هذه الأيام حوارا من ثلاثة أجزاء مع طاغية دمشق بشار الأسد، وهو الحوار الثاني له في بحر أسبوع، حيث كان الأول مع التلفزيون الرسمي الإيراني، والآن يأتي الحوار الثاني المطول والمليء بالمغالطات مع الصحيفة التركية، وفي الحوار الأخير هذا عدة نقاط تستحق التوقف عندها والرد عليها.
أولى تلك النقاط أن حوار الأسد مع الصحيفة التركية يأتي بعد انتقاده على حواره مع التلفزيون الإيراني الرسمي؛ مما يعني أن الأسد يريد موازنة تلك الخطوة من ناحية، كما يريد في الوقت نفسه أن يلعب على أوتار المعارضة الداخلية التركية، ويريد تعزيز تباين موقفها تجاه الموقف من الثورة السورية.
والنقطة الثانية أن الحوار الأسدي مع الصحيفة التركية يشير بلا جدال إلى أن بشار الأسد هو نفسه من يدير الأزمة في سوريا؛ فالمنطق والمغالطات واللغة الإعلامية هي نفسها التي نراها منذ اندلاع الثورة السورية سواء على مستوى أداء النظام السياسي، أو الدبلوماسي، أو الإعلامي، وحتى الجرائم الأمنية، فكل ما قاله الأسد هو عبارة عن مغالطات في مغالطات.
فالأسد يقول إنه يأسف لإسقاط المقاتلة التركية ويقول إنها عبرت المجال الجوي الذي تعبر منه طائرات إسرائيلية، وهو يتذاكى بذلك ليقول إن الأتراك متحالفون مع الإسرائيليين، والحقيقة أن الطائرات الإسرائيلية سبق لها أن حلقت على ارتفاع منخفض فوق قصر الأسد في عام 2006، وعلى أثرها قامت موسكو ببيع مضادات طائرات للأسد لكن النظام الأسدي لم يتصد لذلك الاختراق، أو تلك الطائرات الإسرائيلية، وقيل وقتها، وسمعتها بنفسي من أحد المسؤولين الروس في موسكو حينها، إن صوت الطائرة كان يسمع فوق غرفة نوم الأسد! كما قام الإسرائيليون بعدها بضرب ما اعتبر نواة لمفاعل نووي في دير الزور، ولم يرد النظام الأسدي، وقام الأميركيون بعملية إنزال واختطاف لإرهابيين مطلوبين، من داخل الأراضي السورية على مناطق الحدود السورية العراقية، ولم يقم نظام الأسد بالرد على ذلك أيضا! ولذا فمع وزير الخارجية التركي كل الحق حين يقول إن ما يقوله الأسد عن عملية إسقاط المقاتلة التركية هو أكاذيب!
والمغالطات لا تقف هنا فقط، فعندما يقول الأسد: أين تركيا من القتل في الخليج، فعن أي خليج يتحدث؟ هل يقصد البحرين؟ فلم يحدث في البحرين ما يمكن مقارنته بحجم الجرائم في سوريا. فعدد القتلى كان محدودا، ومن الطرفين؛ الشرطة والمتظاهرين، كما أن ما حدث في البحرين كان تدخلا إيرانيا، بينما ما يحدث في سوريا – ومنذ عام ونصف العام – هو جريمة أسدية تشارك فيها إيران وموسكو. والأهم من كل ذلك أيضا أن نظام الأسد نفسه اعتبر ما يحدث في البحرين وقتها شأنا داخليا حين اندلعت المواجهات هناك. فهل نسي الأسد ذلك، أم أن موقف نظامه من البحرين وقتها كان محاولة شراء صمت دول الخليج على جرائمه في سوريا؟
ولذا، فإن مقابلة الأسد الأخيرة مع الصحيفة التركية تقول لنا إنه في حفرة، ولا يزال يحفر، خصوصا أن النار تقترب من أطراف ثوبه مما يعزز احتمالية الانهيار المفاجئ في سوريا، كما حذر وزير خارجية بريطانيا بالأمس!
الشرق الأوسط