صفحات سورية

.. وليس للسوريين سوى الصبر

فاروق البرازي

على الرغم مما حصل من ويلات ومجازر بحق السوريين، إلا انّهم مازالوا يصرّون على المداومة والمتابعة في العمل على اسقاط النظام. وبدا انّ قدرهم يحتم عليهم أن يصبروا أكثر، وكما قال أحد الثوار الشيوعيين جورجي ديمتروف في القرن الماضي” تسلوا يا رفاق فانّ درب النضال طويل”، فانّ هذا الكلام وما يشبهه من الأحاديث يتحدث به فطاحل السياسة عندنا، هؤلاء الذين يقرأون التوازنات السياسيّة وانعكاساتها على السوريين.

منذ انطلاق الثورة درجت العادة بين السوريين، في المجالس وفي أماكن التعازي، وفي سيارات السرفيس، وفي المقاهي، يتساءلون لكل من يتراءى لهم بانّه يتعاطى الشأن العام:” وآخرتها؟”.. ويكون الجواب غالبا: “واضح انّ قصتنا طويلة”… والحق يقال هي ليست قصة، فما يجري في سوريا أكبر من الروايّة، وأكبر من قصة ألف ليلة وليلة.

لايمتلك الناشط السياسيّ السوريّ ما يطمئن به الجمهور؛ ومن يسأله عن زمن إسقاط النظام لا يملك غير شرح تداخل المصالح الدوليّة والإقليميّة في سوريا، مرة يكرر بأنّ ما جرى مع ثورة مصر أثر في ثورتنا وصار حجة للدول أن لا يتعاملوا بالحماسة المطلوبة مع ثورتنا ومرةً، يشرح للجمهور تداخل المال والأمن في مفاصل الحكم، وكيف نتج عن هذا التداخل الفساد، الأمر الذي يعيق الكثيرين عن إعلان موقفهم من النظام، ومرة يلجأ إلى تذكير الناس بأنّ ثمّة طبخة سورية تطبخ في مطابخ صنع القرار العالمي، أو ربما يكون مؤتمر مجموعة الاتصال هو لحظة انقشاع الجليد عن صدر السوريين، وانّ هذا المؤتمر ربما يساهم في بلورة صيغة جديدة جديّة للخروج من الأزمة. كل هذه المبررات يضطر الناشط السياسي السوريّ إلى قولها لجمهور الثورة، الذي كاد صبره أن يبلغ “صبر أيوب”.

هذا الجمهور هو جمهور الثورة بامتياز. انه المتعمق بالثورة وثقافتها، بل صارت الثورة ذاتها بالنسبة اليه هي النظام، وتشكل اليوم الشغف الوحيد لهذا الجمهور كما لو أنّ الثورة صارت مصلحة للناس، عدا عن انها وسيلة الخلاص من الظلم والخنوع”..

الناس في سوريا لا يرون مصلحتهم في أي شيء غير الثورة. هذه الثورة التي حررت السوريين من ثقافة الإتكاليّة (على سبيل المثال لا الحصر)، فمثلا لم يعد السوريون يرضون أن يفكر أحداً بدلاً عنهم، ولا يقبلون أن يتخذ أحد أي قرار بدلاً منهم، ولم يعودوا يتكلون على أحد مهما كان موقعه ومكانه. ونحن رأينا كيف انّ موقفهم من المجلس الوطني السوري في الأشهر الأخيرة، وكذلك كيف يقيّمون هيئة التنسيق وموقفها من الأحداث، وكيف انّه عندما حاول البعض الركوب على حصان الثورة سرعان ما انطفأ نجمه.

إذا لم نخطئ فنقول انّ غالبيّة الثوار كانوا على يقين تام انّه حتى يرحل هذا النظام فلا بد للصبر الطويل، وإن كانوا مقتنعين انّ سقوط نظام الاستبداد سيكون بشكل مفاجئ، لكن ليس قبل أن يصل السوريون إلى الذروة. ذروة الثورة، والذروة في انضاج الظروف الموضوعيّة والذاتيّة. وهم لذلك يومياً ينزلون إلى الشارع ويهتفون برحيل النظام. لا شيء استطاع ان يخيفهم لا الشبيحة ولا القدرات العسكريّة والأمنيّة. وبدا انّهم مصرّون على الاستمرار، وعلى أن يحملوا على عاتقهم مسؤوليّة حمايّة واستمرار الثورة حتى يرحل النظام.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى