وماذا عن اليوم الأول؟
عبدالله اسكندر
وزيرة الخارجية الأميركية في أنقرة للبحث في «اليوم التالي» لسقوط الرئيس بشار الأسد. الأمم المتحدة تبحث عن موفد من اجل الإعداد لهذا اليوم. اجتماعات ومؤتمرات في إسطنبول وباريس وجنيف ونيويورك والدوحة كلها تبحث في هذا اليوم التالي. وبالتأكيد تتعدد التصورات وتتضارب في ما بينها وبين الواقع على الأرض في سورية حيث يبدو أن الوضع الراهن، السابق على اليوم التالي، سيطول كثيراً مع ما يحمله من قتل ودمار على المستويات المادية والبشرية والمجتمعية.
ففي انتظار هذا اليوم التالي الموعود، يكاد يفوق كل وصف حجم العنف الذي يصاحب المواجهات بين النظام والمعارضة. وهو عنف لا يدمر الحجر ويقتل البشر فحسب، وإنما يفتت ما تبقى من صلة بين السوريين انفسهم، على نحو قد لا يشهد معه اليوم التالي دولة سورية موحدة، وشعباً موحداً. وقد يكون هذا العنف مقصوداً، بالضبط، من اجل استبعاد عودة سورية الدولة إلى وحدتها السابقة.
ويبدو أن النظام في دمشق، رغم اتساع المواجهات المسلحة ورغم التقدم الذي تحرزه المعارضة على الأرض بفعل حصولها على أسلحة جديدة، ما زال يملك من القوة العسكرية بما يتيح له أن يطيل إلى أمد غير منظور الوضع الراهن، وبالتالي تأخير اليوم التالي.
ويستفيد النظام من الدعم السياسي غير المحدود من روسيا، ومعها الصين، لتعطيل أي إجراء دولي يرغمه على تغيير سلوكه على الأرض بما يتيح تقصير مدة انتظار اليوم التالي. ويستفيد أيضاً من الدعم العسكري والتسليحي من حلفائه، خصوصاً إيران، على نحو يتيح له أن يجدد آلة القتل. ويستفيد كذلك من خبرات تدريبية وقتالية وربما بشرية لتعويض الخسائر في صفوف قواته جراء المواجهات.
وإلى كل ذلك، لديه ميزة القصف والغارات الجوية، بما يمكنه من تحقيق أهداف على الأرض لا يمكنه تحقيقها باستخدام القوات البرية. وهذا ما حصل في حمص وبعدها في دمشق واليوم في حلب وإدلب.
هذا على الصعيد المادي، أما على الصعيد السياسي فإن النظام الذي يعاني نزفاً، عبر الانشقاقات، لا يزال قادراً على استغلال التشرذم في المعارضة وعدم وضوح رؤيتها في ما يتعلق بالوضع الراهن وباليوم التالي.
وكما شكلت هذه العوامل عنصراً سلبياً في البعثتين السابقتين للجامعة العربية والأمم المتحدة، استغله النظام من اجل التملص من التنفيذ والاستمرار في نهجه، لا شيء يؤكد اليوم أن المعارضة انتقلت، مجتمعة، إلى مرحلة تجاوزت فيها هذه السلبيات وباتت قادرة على الفعل السياسي الحقيقي، حالياً وفي اليوم التالي.
كل ذلك للقول إن الوضع الراهن قد يستمر طويلاً، مشكلاً عنصر استنزاف ليس للنظام وحده وإنما للمعارضة أيضاً. وهذا بذاته يدخل البلاد في حلقة مفرغة، تدور داخلها عمليات القتل والتدمير والفرز السكاني وتزداد الأحقاد وأعمال الثأر وتتسع مجالات الأفكار المتطرفة لدى الجانبين.
والأكثر خطورة في الحلقة المفرغة أنها لن تقتصر على سورية وحدها. إذ بدأت تظهر مؤشرات إلى انتقالها إلى الإقليم، خصوصاً في العراق ولبنان. وبغض النظر عن صحة الاتهامات الأميركية لـ «حزب الله» وإيران، فإن وقعها يعمق الانقسام المذهبي ويجعله عابراً للدول، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من تعميم للحرب.
كل هذه المخاطر تفرض الاهتمام بالوضع الحالي أولاً، أي في اليوم السابق على اليوم التالي. ربما أمكن تقليص حجم العنف والخسائر والتفتت السياسي والمجتمعي. أي أن الإعداد ليوم تال تبقى فيه سورية موحدة، دولة وشعباً، وتأمل بنظام ديموقراطي وتعددي، يمر حكماً بمعالجة الوضع الراهن بما يجبر النظام على التخلي عن الحل الأمني، وإنقاذ ما تبقى من لحمة بين السوريين وعمران في المدن السورية.
الحياة