وماذا لو بقي النظام السوري حيا؟
د. نور الله السيّد
مع أن احتمال بقاء النظام السوري حيُ هو احتمال يزداد ضعفاً مع مرور الوقت بالرغم من كل الدعم الذي تلقاه ويتلقاه من إيران والعراق بأشكاله المختلفة، المباشرة وغير المباشرة، ومن روسيا دعماً سياسياً على الأقل، وهو دعم تغير هدفه من الحفاظ على النظام إلى المد في عمره، وهذا يعني أن داعميه يزدادون قناعة بحتمية سقوطه. وبالرغم من أن النظام يضعف لتآكله الداخلي الذي ينكشف لكل ناظر، ويضعف بسبب تدخل خارجي متزايد، وسيتزايد على الأغلب، يعمل على إسقاطه. ومع هذا، لنفترض، وهو افتراض عبثي، أن النظام السوري سيكون قادراً على البقاء، برجالاته الحاليين وعلى رأسهم الأسد، فما هي تداعيات مثل هذا البقاء على الداخل السوري والمحيط الإقليمي؟
سيكون المشهد السوري عندها دولة منهكة عسكرياً وأمنياً واقتصادياً، وسيكون السوريون، سوريو الشتات وسوريو الداخل، في حالة بؤس وخراب وهزيمة، المناصرون للنظام والآخرون، مدن مهدمة وبنية تحتية تحتاج إلى إعادة بناء، واقتصاد هزيل محطم.
أما ما سيعانيه السوريون في حال ‘انتصار’ النظام وإلى حينه، وبعده، تتلخص بعض جوانبه في:
ـ مزيد من القتل والتدمير، فلن يستتب الأمر للنظام اليوم، والمسألة ستطول، والدليل على ذلك أن النظام أعلن مراراً بأنها ‘خلصت’ على مدى أكثر من ثمانية عشر شهراً، ولكن القتل يزداد مع كل وعد بانتصار قريب دون أن يحدث هذا الانتصار. لنتذكر في هذا الخصوص ما أعلنه وليد المعلم في طهران في شهر تموز عن ‘اندحار’ المسلحين في معركة دمشق، التي لم تنته حتى اليوم وكان تفجير الأركان في 26 أيلول دليلاً آخر على فشل الحل الأمني في دمشق بالرغم من ضعف المعارضة المسلحة فيها مقارنة بالشمال السوري! أي أن ‘انتصار’ النظام سيحتاج إلى أشهر طوال.
ـ وفي حال استتب الأمر للنظام سيزداد بطشه عبر تركه، راغباً أو كارهاً، للأجهزة التي قاتلت من أجل بقاءه لتفعل ما تشاء، فسلطة المخابرات ستزداد شراسة على شراستها ضد المواطنين وهو الأمر الذي سيترجم بالمزيد من القتل إعداماً أو تحت التعذيب أو اختفاء مؤبداً وبالمزيد من السجن المديد والإذلال لكل معارض ولكل من لا يعترف بالأسد قائداً إلى الأبد، زد على ذلك ابتزاز المخابرات للناس ابتزازاً عانوه على مدى عقود، وسيضاف إلى أجهزة المخابرات البغيضة جماعات الشبيحة التي ستتحكم بالكثير من تفاصيل الحياة اليومية للناس، وهي قد بدأت ذلك بالفعل غير آبهة بشيء حتى بالجيش التي تضربه عندما يحاول كبح جماحها. لقد عرف السوريون بعضاً من تفاصيل تصرفات الشبيحة في المذابح التي انتشرت في كل أرجاء سورية، وهم سيتعرفون عليهم عن كثب أكبر في حال بقاء النظام، فهم سيتطاولون على الأموال والأعراض والعباد بلا وازع أو رادع، وسيكون النظام عاجزاً عن ردعهم حتى لو أراد.
ـ أما الحياة اليومية فلن تكون آمنة أبداً، إذ إن جزء من المعارضة المسلحة، التي يُفترض أنها خسرت معركتها مع النظام، سيتحول إلى العمل السري ويقوم بأعمال انتحارية مدفوعاً بمرارة الفشل واليأس، وهو أمر قد تمتد ممارسته لسنوات عديدة نتيجة لضعف الهيمنة الأمنية التي سيعاني منها النظام السوري على مدى سنوات لاحقاً. وهذا الضعف هو ما سيسمح لجماعات إرهابية فعلاً من دخول الساحة السورية للتأثير على نظامها خدمة لأجندات مرسلي هذه الجماعات ومحركيها.
ـ استمرار حالة الاحتقان الداخلي ناراً تحت الرماد بكل ما يحيل الاستقرار الظاهري إلى قنابل موقوتة ستنفجر عند إشعال أي فتيل، إذ لا يُعقل أن ينسى السوريون آلاف قتلاهم وبيوتهم التي تهدمت (عدد المنازل المهدمة حتى اليوم تقدر بـ 500 ألف بيت) وأرزاقهم التي دمرت هكذا وكأن شيئاً لم يحدث. وقد تتفاعل القضية الطائفية لتأخذ مفاعيل لم يعرفها السوريون في تاريخهم، فهناك اليوم طوائف متهمة بمساندة النظام بصمتها أو بفعلها.
ـ وستعاني سورية من الفقر المديد بسبب هروب رؤوس الأموال، الذي بدأ منذ أكثر من سنة ونصف ولا يزال مستمراً، وهجرة العديد من رأس مالها الفكري (يقدر عدد الأطباء الذين غادروا سورية في الفترة الماضية بحوالي عشين ألف طبيب) وعزوف أي رأس مال عن الاستثمار في سورية التي لن يمكن لأي كان الوثوق باستقرارها وهو شرط أي استثمار، سواء أكان مصدره من الداخل أو من الخارج، مع كل ما لذلك من تبعات على شكل هجرة مستمرة للشباب بحثاً عن العمل في الخارج وضعفاً للاقتصاد في الداخل والذي سيترجم بضعف شديد في التنمية وببطء في إعادة إعمار البلد. ولن تعود السياحة إلى سابق عهدها إلا بعد سنين وسنين، ولن يباع البترول السوري الذي لا يزال يبحث عمن يشتريه .
ـ وستعاني سورية من توغل إيراني وروسي في مفاصل البلد والنظام، إذا إن بقاء النظام لن يكون إلا نتيجة للدعم الإيراني-الروسي، وسيكون لهما كل الحق في تقاضي أتعابهم وفي تأمين النظام من التعرض لأي ‘مؤامرة’ مستقبلاً. فستزداد محاولات إيران شيعنة سورية بأقوى وأكثر مما كانت تفعله سابقاً وخاصة على مستوى الجيش السوري، وستكون شيعنة لأسباب سياسية أولاً. وسيكون للسفارتين، الروسية والإيرانية، كلمتهما في تسيير أمور سورية حتى الداخلية منها وقد يصل الأمر بهما إلى حد التدخل في حكوماتها ووزاراتها مثلاً.
ـ وفوق هذا وكله، فقد يورث بشار الأسد الحكم إلى ابنه ومن شابه أباه فما ظلم.
أما على المستوى الإقليمي فستعاني سورية من:
استمرار حالة العداء مع تركيا على الأقل إلى حين استلام المعارضة التركية للحكم، وهو أمر قد يحتاج إلى وقت طويل، ولهذا تبعاته لاقتصادية والسياسية.
سوء العلاقات مع دول الجوار نتيجة الرواسب العالقة والتدخلات التي قام بها النظام في هذه الدول مثل لبنان والأردن، وهي تدخلات لن تنساها هذه الدول وحكاية ميشال سماحة أذابت الثلج عن نقاط كثيرة كانت غامضة ومسكوت عليها، وسوء العلاقات هذا سيترجم على الأقل إلى حالة حذر وترقب ستمدد إلى سنوات، وستتحول سورية من حالة الفاعل في الساحة الإقليمية إلى حالة الغائب على الأقل عن هذه الساحة بكل ما لذلك من تبعات سياسية واقتصادية وستكون إسرائيل الرابح الأكبر، وهي الرابح الأكبر بقي النظام أو لا.
3- وسيكون الشيء نفسه مع معظم الدول العربية بكل ما لذلك من ترجمات سياسية واقتصادية. أما على المستوى العالمي، فستشهد العلاقات السورية جموداً قد يطول لعشرات السنوات بكل ما يستتبع ذلك من عقوبات اقتصادية وسياسية وهذا سيحكم مستقبل سورية وأجيالها.
هذه بعض من جوانب الصورة السورية إن بقي النظام السوري، وهي جوانب سلبية، فهل من إيجابيات لبقائه؟ كان النظام السوري والسوريون يتغنون بالأمن السائد في بلدهم، وها هي سورية اليوم دولة فاشلة والسوريون بلا أمن ولا أمان، لا اليوم ولا غداً إن بقي النظام. أما حصانته الطائفية فقد زبلت وسقطت وبقاؤه سيؤججها حقداً دفيناً. وكان الرئيس السوري قد تحدث في مقابلته مع مجلة وول-ستريت بأن نظامه يحقق تطلعات الشعب السوري متمثلة في ممانعته للمشاريع الخارجية، لكن بقاؤه سيكون بفعل التدخل الإيراني الروسي، الخارجي، وستكون سورية قشة تتقاذفها الرياح الخارجية. فهل بقي شيء إيجابي في بقائه؟ الجواب: لا، لذا فعليه أن يرحل، وعلى الشعب، من معارضين ومناصرين، أن يرغمه على الرحيل، وهو فاعل ذلك طال الزمان أم قصر. ويبقى الشعب السوري الذي أراد الحياة، وهذه هي سنة الحياة، الأنظمة تمضي وتبقى الشعوب، والعبرة لمن يعتبر.
‘ أستاذ جامعي سوري
القدس العربي