يحبون فلسطين ويكرهون شعوبهم
زياد خداش
ساعدوني على نسيان مشهد النوّاب السوريين وهم يصفقون بهذه الطريقة المقززة لبشار الأسد، ساعدوني على الإجابة عن هذا السؤال: كيف يمكن لنظام تنتمي إليه هذه الخراف، أن يحب فلسطين؟ أنا مريض بهذا المشهد، مريض حقيقةً لا مجازاً، الأعراض هي: صداع وغثيان وتقيؤ، ذهبت إلى الطبيب للعلاج، جلست حاضنا “اللابتوب” في غرفة الانتظار بجانبي عدد من المرضى، عرفت من بينهم زميل دراستي الجامعية وليد الذي يعاني من مرض اسمه “القذافي” عرضه الرئيس دوخة مستمرة، أما جارنا سهيل، المحاسب في البنك، فيعاني من مغص معدة تسببه جملة “فاتكم القطار” لعلي عبد الله صالح، وصديقتي “الفيسبوكية” مريم التي تعاني من تبول لا إرادي سببه صوت زين العابدين “لا رئاسة بعد اليوم لا رئاسة بعد اليوم” لتصادف عيناي مقالاً للدكتور عادل سمارة، يدافع فيه عن النظام السوري، ويهاجم بشكل قاس، يقترب من التشهير الشخصي أو التهديد بالتشهير، موقّعي بيان المثقفين الفلسطينيين في التضامن مع شعب سورية، ويبرر قتل فلسطينيين في مخيم اليرموك على أيدي تنظيمات فلسطينية، ويؤكد حق سورية النظام في استخدام قضية فلسطين في زحف حدودي شعبي مؤقت، ولا يراها متاجرةً بقضية شعبنا، ويتحدث عن متسللين عرب يهود وأكراد وتنظيمات مسلحة إلى مخيم اليرموك.
قرأت مقال عادل بتأن حزين، فقدت فجأة وعيي، قيل لي فيما بعد أنني أغمي علي، نقلت إلى مجمع فلسطين الطبي برام الله، حيث أفاد طبيبي بأنني أصبت بجلطة في العقل. كيف يعقل أن يدافع فلسطيني مثقف ومناضل يعرف تماماً المعنى الشريف والمقدس لكلمة (الحرية) عن نظام متخلف كشف بشكل سافر عن وجهه الهمجي أمام أطفال شعبه؟.
أحترم الدكتور عادل سمارة، فهو مناضل معروف، ولا أحد يجادل في ذلك، وما زالت مواقفه ثابتةً من سنين طويلة، لم يغير ولم يبع، وهو مدافع شرس عمّا يظنه صواباً، له حق هذا الظن، ولنا، أيضاً، حقنا في ظن آخر، سأختار من المقال القاسي جملةً واحدةً فقط تعبّر تماماً عن المضمون العام للمقال، يقول دكتور الاقتصاد الشهير في مقاله (عن اليرموك ومثقفين مخترقين) المنشور في (كنعان أون لاين) وفي بعض مواقع (الفيسبوك): “لافتةً، ولكن ليست مفاجئة، تلك الهجمة التي بادر إليها كثيرون ضد المقاومة بعد أحداث اليرموك. الأحداث التي ربما شارك فيها بعض أسر الشهداء معتقدين أن أبناءهم غُرِّر بهم. وهذا ضمن مخطط مُحكم له أدواته لتدمير سورية كي تلحق بالعراق وفي النهاية الهدف تصفية فلسطين).
أضحكتني جملة (غرر بهم،) ذكرتني بخطاب الإعلام الرسمي السوري والإسرائيلي حين يضطران إلى تبرير قتل الأطفال في مدن وقرى فلسطين وسورية: “هؤلاء الأطفال غرر بهم من قبل تنظيمات مسلحة” هكذا فعلوا مع محمد الدرة وحمزة الخطيب، أظن يا صديقي عادل أن النظام السوري هو الذي يغرر بك وبمثقفين فلسطينيين آخرين، المغرِّر الأكبر والأشهر (بكسر الراء) في تاريخ كلمة التغرير في العالم هذا هو نظام سورية، تاجر قضيتنا الكبير، قاتل أطفال شعبك ونسائه في تل الزعتر، هل تتذكر تل الزعتر صديقي عادل؟ أتثق بنظام عربي يرتكب مذابح ضد أطفال شعبك؟ كيف؟ أريدك أن تتخيل لو لم يكن هناك قضية اسمها قضية فلسطين في العالم،؟ كيف سيبرر النظام السوري وجوده الاستبدادي؟ كيف سيقنعك ويقنع غيرك من المغرر بهم من مثقفينا، بأن وجوده ضروري للتصدي لمخططات إسرائيل؟ كان يجب أن تكون هناك قضية شعب فلسطين المضطهد ليلعب بها هذا النظام أسوأ لعب. كان يجب أن تكون قضية فلسطين ليكون هذا النظام المجرم، على فلسطين أن تكون بريئة من هذا التاجر الكبير، فهي ليست للبيع والمساومة والمزايدات الفارغة، كيف تتهم شعباً كاملاً بتصفية قضية فلسطين يا عادل؟ هل هذا كلام علمي؟ وماذا ستقول غداً حين يذهب النظام إلى نهايته القريبة؟ ماذا ستقول للشعب السوري المنتصر؟ كيف ستبرر وقفتك مع جزاريه؟ ثم لماذا الافتراض يا صديقي أن المقاومة في سورية مرتبطة بالنظام؟ لم الخوف من موقف الشعب السوري العظيم من قضيتنا، شعب سورية موقفه ثابت من قضية شعبنا الفلسطيني، لا أظن أن هناك شعباً عربياً يخشى منه (بضم الخاء) على قضيتنا، بالعكس تماماً، تسليم قضيتنا للشعوب هو ضمانة انتصارنا يا صديقي المثقف، عادل: لا تساعد النظام السوري على استخدام دمنا في مزايداته، وأنت تعرف كمثقف واقتصادي كبير الطبيعة القمعية والاقتصادية الاحتكارية لبنية هذا النظام وتاريخه، هذا النظام يعرف أنه بالإمكان جداً الموازاة بين حرية شعب سورية وحقه في الكرامة والتفكير والإبداع وبين ممانعة سورية وصمودها أمام مخططات إسرائيل، هو يعرف ذلك لكنه لا يريد ذلك؛ لأن ذلك يعني القضاء على الثروات والمصالح الاقتصادية واحتكار السلطة التي يجنيها رموزه من حالة الفصل بين حرية الشعب والصمود أمام العدو. نظام يكره شعبه ويعتقله في سجن كبير ويراقبه ويخنق أنفاسه كيف يمكن أن يحب فلسطين ويدعم حريتها واستقلالها؟ أجبني عادل أرجوك.
حلمت مرةً بطفل فلسطيني قتله النظام السوري في مخيم تل الزعتر، يلتقي هذا الطفل مع طفل آخر من مخيم صبرا في عالم الغياب المجهول، يسأل طفل تل الزعتر الطفل الآخر: من قتلك؟
ــ جنود إسرائيل.
يجيب الطفل الآخر: وأنت من قتلك؟
يجيب الأول ــ جنودالنظام السوري . هذا الحلم مهدى إلى ليلك المثقف صديقي عادل سمارة