توماس فريدمان
في شباط الماضي، وفي قاعة إحدى محاكم القاهرة حيث احتجز المدافعون عن الديموقراطية في قفص مماثل لقفص الاتهام الذي وقف فيه المتهمون باغتيال (الرئيس المصري الراحل) أنور السادات، وقفت نانسي عقيل، المتهمة رقم 34. الأمر لا يتعلق بجمالها فقط. كانت المرأة المصرية التي تدير مكتب مركز الحريات الأميركي في القاهرة، في قفص الاتهام تقرأ كتاب (الروائي والصحافي الإنكليزي) جورج أورويل “تحية إلى كاتالونيا”. لقد كانت هذه طريقتها في معارضة الحكم العسكري في مصر الذي قدمها للمحاكمة مع رفاقها المنادين بالديموقراطية الذين تجرأوا على مشاركة المصريين في الترويج لديموقراطية في دولة من المفترض أنها شهدت لتوها “ثورة ديموقراطية”. من الواضح أن عقيل لم يكن لديها نسخة من كتاب أورويل “1984” أو كتابه الآخر “مزرعة الحيوان” وهما كتابان كلاسيكيان عن حكم الطغاة لأن هذه المحاكمة المزوّرة كانت لتشكّل بكل سهولة فصلاً في أحد هذين الكتابين.
وفي حين أن سبعة مواطنين أميركيين يعملون في الترويج للديموقراطية، كان من المقرر أن يحاكموا إلى جانب عقيل، سمح لهم بمغادرة مصر، إلا أن عقيل إلى جانب عشرات من زملائها المصريين لا يزالون يواجهون المحاكمة التي تم تأجيلها إلى حزيران المقبل. عقيل الآن قلقة وهي محقة من أن الولايات المتحدة التي بعد أن تمكنت من تحرير مواطنيها بعد دفع كفالة بلغت خمسة ملايين دولار، سوف تنسى عمال الديموقراطية المصريين.
وبعد إطلاق سراح العمال الأميركيين، وافقت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على مشروع قانون بتقديم مبلغ 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية إلى الجيش المصري في محاولة للمحافظة على هدوء العلاقات المشتركة، لكنها لم تنجح. فقد ردت السلطات المصرية بالطلب من الشرطة الدولية “الانتربول” بإصدار “مذكرات توقيف دولية بحق 15 عاملاً في منظمات غير حكومية من بينهم 12 مواطناً أميركياً- بتهمة العمل بشكل غير قانوني على برامج الترويج للديموقراطية وإثارة الاضطرابات” وفقاً لما جاء في تقرير لصحيفة “ناشونال جورنال”. من المؤسف مشاهدة المجلس العسكري الحاكم في مصر الذي قام بعمل جيد في رعاية مسيرة الديموقراطية في البلاد- وهو ينصاع لمناورات بقايا النظام السابق وجره إلى هذا الهجوم الكريه ضد الأجانب الذين جريمتهم الوحيدة هي دعم جهود المصريين في مراقبة الانتخابات وتأسيس الأحزاب السياسية.
وقالت لي عقيل “حين تقرر الولايات المتحدة الإفراج عن المساعدات العسكرية لمصر من دون الأخذ باعتبار النتائج المترتبة علينا، فإنها ترسل إشارة بأن الغرب والولايات المتحدة لا يبالون بالديموقراطية وحقوق الإنسان”.
وتضيف “إنهم يبالون فقط بالاستقرار الإستراتيجي. شعرنا نحن المتهمين، بأنه تمت خيانتنا. المعركة التي نخوضها واقفين في القفص، والاستماع لدعوات بإعدامنا، ليست معركة من أجل حريتنا، بل معركة لتحرير المجتمع المدني في مصر”.
لكن الليبراليين وحدهم من يواجهون أوقاتاً صعبة. فيوم الأحد الماضي، طالب البرلمان المصري الجديد ذو الأغلبية الإسلامية، من أعلى سلطة إسلامية دينية في مصر مفتي الديار المصرية علي جمعة المعيّن من الدولة- تقديم استقالته بسبب الزيارة التي قام بها إلى القدس الشرقية للصلاة في مسجد الأقصى، ثالث أقدس المواقع الدينية لدى المسلمين. وقال جمعة إن الزيارة كانت شخصية بتدبير من الأردن. ومع ذلك، ذكرت وكالة رويترز إن اللجنة البرلمانية للشؤون الدينية طالبت جمعة بالاستقالة، وأصدرت بياناً قالت فيه إن “العدو الوحشي إسرائيل- يسيطر على جميع “مداخل ومخارج القدس، ومساجدها وكنائسها. وزيارتها تعزز الاحتلال وتضفي عليه شرعية. كما تمثل الزيارة نوعاً من التطبيع مع الكيان الصهيوني المرفوض شعبياً”.
ما الذي تقوله دولة شهدت مؤخراً ثورة ديموقراطية، من خلال سجن عمال يروجون للديموقراطية، ودولة لديها معاهدة سلام مع إسرائيل تريد طرد مفتيها لمجرد أنه أدى الصلاة في مسجد في القدس؟
ما تقوله هو أن الصحوة العربية في مصر لم تنزع القيود. لقد عززتها. القيود أزلام السابق وأجهزة الاستخبارات- لا تزال موجودة. لكن مع ذلك، تمكنت الصحوة من خلق المساحة أمام الشبان الذين هم فعلياً من أطلق شرارة الثورة من خلال النزول إلى الشارع، وأمام الأخوان المسلمين والسلفيين وحتى بعض الليبراليين من الوصول إلى البرلمان. لكننا اليوم أمام صراع من ست جبهات على السلطة في مصر: الجيش، الإسلاميين، الشبان، الليبراليين، مناصري النظام السابق ومجتمع رجال الأعمال.
سيستغرق الأمر طويلاً قبل أن تتضح الصورة. وظيفة أميركا هي السماح لأي جهة تفوز بأن تعرف أن علاقتها معنا تتوقف على الالتزام بالانتخابات الحرة، القضاء المستقل، الصحافة الحرة، التجارة الحرة، التعدد الديني وحكم القانون.
كما تقول لنا إن كل من يفكر بأن الربيع العربي يثبت أن العرب لم يعودوا يبالون بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، يخدع نفسه. حل هذا الصراع اليوم أكثر أهمية لأن الشارع العربي أصبح يملك صوتاً مرجحاً في السياسة أكثر من أي وقت مضى ولا يزال صدى هذه القضية يتردد. سيصبح لأميركا مصداقية كبيرة لدى العرب عندما تروج للديموقراطية، لكن أيضاً عندما يشاهدونها وهي تعمل للترويج لسلام إسرائيلي- فلسطيني.
وتقول لنا أخيراً على الرغم من أن موقف فريق (الرئيس الأميركي باراك) أوباما يمكن فهمه عندما ينتهج موقفاً ليناً في الدفاع عن عمال الديموقراطية في مصر- أن عقيل محقة: هناك شيء يسمّى موقف ليّن جداً. إذا لم نقف بصرامة لندافع عن قيمنا، فما الذي سيحدث عندما سيفعل هؤلاء المصريون ذلك؟ علينا أن نحترم سيادة مصر وكرامتها، لكن ليس لدينا أي عذر لاحترام هذه الملاحقة المفتعلة ضد العالمين الديموقراطيين الذين يحاولون محاسبة حكومتهم. لقد سكتنا مع حسني مبارك، وماذا كانت النتيجة؟ من دون جمعيات مدنية صاخبة، لن يكون هناك أبداً انتقال مستدام إلى الديموقراطية في مصر.
ترجمة: صلاح تقي الدين
السفير
