صفحات سورية

«يخرب بيتك ما أعدلك»


دلع المفتي

                      لطالما نبهَنا أباؤنا وأمهاتنا إلى مساوئ الشتيمة، ومنعونا من تبادلها، وحرموها على ألسنتنا، ولطالما عوقبنا عندما كان يزلّ لساننا، فنشتم أخاً أو صديقاً. لكن يبدو أن علينا السماح بما كان ممنوعاً من قبل، بعد أن تبين مقدار فائدة الشتائم للصحة العامة، وأنها -اي الشتائم- وسيلة جيدة لمعالجة مشاكلنا، وما أكثرها..!

في دراسة أجراها علماء بريطانيون من جامعة كيلي البريطانية، تبين أن الشتيمة مفيدة، فعند التعرض لأي نوع من الأذى، سواء كان نفسياً أو جسدياً، ينطلق لسان الشخص بالسباب، كرد فعل تلقائي فوري، وهذا من شأنه تخفيف الأذى وتسكين الألم. وقد أثبت الخبراء نظريتهم عبر تجارب طلبوا فيها من طلاب وضع أيديهم في دلو مملوء بالمياه المثلجة، وإطلاق الشتائم مراراً وتكراراً، ثم طلبوا منهم إعادة التجربة من دون النطق بأي كلمة نابية واستبدالها بعبارة غير مؤذية. وكانت النتيجة ان المتطوعين (الشاتمين) تمكنوا من إبقاء أيديهم فترة أطول في الدلو، مما ساعدهم على إيجاد رابط بين الشتيمة والقدرة على تحمل الآلام، أي أن التلفظ بكلمة نابية يخفف الألم، مثل ابرة «البنج» المؤقت مثلا!

من خلال هذه الدراسة يمكننا فهم سيكولوجية الثورات العربية، ففي بداية التظاهرات كانت الهتافات واللافتات تخرج «ناعمة» بسيطة مهذبة تنادي بالحقوق والحريات. لكن شيئاً فشيئاً، ومع ازدياد حدة الأذى عبر القمع العنيف والكبح الممنهج للمتظاهرين، بدأت الهتافات تتخذ منحى «شتائمياً» يتناسب مع شدة الألم الذي يتعرض له المتظاهرون. وفي كثير من الأحيان صارت الهتافات ساخرة جارحة تعبر عن نبض الشارع وألم المواطن. ولم تتوقف ظاهرة الشتائم عند الشارع، بل انتقلت إلى قاعات الجامعة العربية وممثليها، وأصبحت المسبات تنزل على الأعضاء الأكارم كزخات المطر.

على الجانب الآخر، هناك من يستعمل الشتيمة للتعبير عن مدى اعجابه بموضوع ما، سواء كان الموضوع قصيدة، سيارة، او حتى امرأة. فعادة ما نسمع «يخرب بيتها ما أحلاها،، أو مصيبة.. شطولها، أو (…) أبوه ما أروعه»، وغيرها مما لا يمكن ذكره هنا، منعا لخدش حياء القراء (مع انهم كلهم يعرفونها وربما يستخدمونها). فعند أقصى حالات الاعجاب، يتعذر الكلام ويصعب التعبير، وتستخدم الشتيمة التي تعتبر في بعض الدول العربية مدحاً مقبولاً بل منطقياً، ومرحباً به أيضاً.

وبهذا يمكننا الاستنتاج ان الشتائم ليست على هذه الدرجة من السوء، وبإمكاننا استخدامها في بعض الحالات للتخفيف من الألم، أو للتعبير عن الإعجاب. وإلى ان نصل إلى اختيار رئيس دولة عربي نعجز عن مدحه، فنضطر إلى شتمه، قائلين «يخرب بيتك ما أعدلك»، التزموا أعزائي القراء باستعمال الشتائم في وقتها الصحيح فقط، وليس «على الطالع والنازل».. يخرب بيتكم شو بحبكم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى