يد النظام تداعب “المعارضة الشريفة”
يا سادة, لم يضع نظامنا يده في شيء إلا و لوّثه حتّى قنوات الصرف الصحّي, لوّثها. لم يوفّر مصلحاً في منصب إلا و عزله حتّى من ساعد في تهدئة النفوس و تخفيف حدّة التوتر في أحد المحافظات كافأه بنقله من منصبه! التكنوقراط اختفى من سوريّا, اذا لم تكن بعثيّا فلا منصب لك. و اذا كانت القيادة الحكيمة تريدك في منصب, فسيتم تنسيبك لحزب البعث قبل أن تسلّم المنصب.
أنه التدجين أيها السادة, ففي الايدلوجيا أنت مرغماً بعثي أو عضو في أحد أحزاب الجبهة الوطنيّة على أن تكون توجهاتك قومية عروبيّة. و في الدين, اذا أردت اتباع دين فعليك بالكتب التي مرّت بأفرع الحزب و مكتب الشيخ الجليل البوطي أو مكتب المطران هزيم. وفي التجارة, فيجب عليك أن تشارك أحد عناصر العصابة التي ترضى عنها القيادة الحكيمة لتكون تحت المراقبة و بين الأيادي و لتؤمن لك الحماية المأجورة. أمّا في القوميّة, أنت عربي حتّى ولو أصولك كرديّة!
أما اليوم يا سادة, نظامنا قرر أن يضع يده في مكان آخر, مكان جديد (ليس المكان الذي أفكر أنا و أنت به الآن).. اليوم يريد النظام أن يضع يده في المعارضة و على الأخص “المعارضة الشريفة” التي تتكلّم تحت سقف القائد الحكيم و ذلك بعد أن حاول أن يصنع معارضته بنفسه كأمثال محمد حبش و لكن هذا المنتج كان رديئاً كمنتجات المؤسسة الاستهلاكيّة و لم يحظ باعجاب أحد.
النظام اليوم و بالرغم من سطوته و قوّته أصبح بحاجة لمنتجات القطّاع الخاص من المعارضة على أن يتم تحويلها لقطّاع مشترك يخضع لادارة فرع المخابرات السياسيّة.
اليوم يا سادة نسمع في الاعلام السوري و بين أوساط الموالاة و لأول مرّة كلمة: “المعارضة الشريفة”. اليوم صرنا نجرؤ على ذكر أسماء مثل عارف دليلة و فايز سارة و ميشيل كيلو و رياض سيف بعدما كنّا نتهامس هذه الأسماء و نخاف من ذكرها في العلن.
اليوم يعترف النظام بوجود معارضة له بعد أن كان معظم هؤلاء يدخلون السجون بتهم شكليّة أبسط ما يقال فيها أنها ظالمة. أتذكرون هذا التاريخ الغير ببعيد حين كانت المفارقات المضحكة المبكية سيّدة الحياة السياسيّة في سوريا؟ لنتذكّر قليلاً بعض المفارقات كي لا ننسى..
1 – كيف يكون الفعل الذي يؤدّي الى “النيل من هيبة الدولة”؟ هل انتقاد طريقة تحويل اقتصاد سوريا إلى اقتصاد عائلي أم السماح لطائرات بلد معادي بالتحليق فوق القصر الرئاسي دون اعتراض مع الاحتفاظ بحق الرّد هو نيل من هيبة الدولة؟
2 – ما هو طبيعة العمل الذي يؤدي الى “تعكير صفو علاقات سورية مع دولة صديقة”؟ هل هي الدعوة للتظاهر و الاعتراض على استباحة الدم السوري أم هي الخروج أمام مجلس الشعب و اتهام رؤساء دول “شقيقة” بأنهم أنصاف رجال؟ (رغم أن أحد ملوك هذه الدول على ذمّته 18 زوجة, بعض الغلمان و بعض عابرات الأسرّة من حين إلى آخر! بالإضافة إلى العشرات من الأبناء و البنات) أليس هذا التصريح أقوى و أعتى من دعوة للتظاهر؟ ألم يسبب هذا التصريح عزلة اقليمية من الأقطار الشقيقة؟ أم يعكر صفو علاقات سوريا؟
3 – ما هو التصرف أو التصريح الذي يمكن وصفه بنشر أنباء كاذبة من شأنها وهن نفسية الأمة و نشر اثارة النعرات الطائفية و العنصريّة؟ هل هو قراءة بيان في اجتماع أو جلسة في احد منتديات ربيع دمشق أم الخروج على شاشة التلفاز و التسويق لتهمة “طائفيّة المظاهرات” في سوريا؟
على كل حال, فهؤلاء الذين ذاقوا الأمرّين من نظام الممانعة مدعوون اليوم من قبل نفس النظام للجلوس على طاولة مستديرة ولكن تحت سقف الأسد. فهل ينجح النظام في أن يضع يده في مكان لم يرى النور يوماً؟ (مجددا, ليس ما تفكر به).. أم أن المعارضة ستبقى شريفة إلى آخر الطريق و ترفض سقف الأسد؟
عن مدونة الجمرة السوريّة