يفتح باب النهر ويدخل..
المثنى الشيخ عطية
إلى المعلّم الشهيد أحمد الشيخ عطية، وجميع شهداء سورية
يغلق أحمد باب الصفّ ويقف قليلاً،
ينظر للطلاب المذهولين طويلاً،
يبتسم لهم/ حان الوقت..
نزيف الماء من الجسد الدامي لن يتوقف،
والمشفى محتلّ من جزارين سينهون مهمتهم
في كل الأحوال بذبح الجرحى..
فدعوا جرحي يتدفق نهراً حتى يصل النهر..
الأستاذ يغادر أيضاً،
ومِنَ العدلِ بأن يتجاوز قنصُ الأطفال الأطفالَ المختلفينَ
إلى من علّمهم رفضَ تشابههم…
**** **** ****
يغلق أحمد باب الصف بحسرتهِ،
يفتح باب النهر، يقاوم صرخة طفلتهِ أن لا يدخل،
أن يبقى معها يوماً آخر،
أن يخدعَ باب النهر ويفتحَ باب البيت،
يقاوم أن لا يسمعها تعجز وهي تقول له/
ادخل قلبي…
تنزل دمعته.. يا ليت له أن يفعل،
كي يرضي الأطفال “الجهّال” بهذا الأمر،
ويا ليت لطفلته أن لا تجهل
قدر “الديريّ” إذا ناداه النهر،
ويا ليت له أن لا يخذلها إن قال لها:
ألقاك على الضفة ياحبّي…
**** **** ****
يغلق أحمد باب الصف بحكمته،
يفتح باب النهر..
تلامس قدماه العاريتان الطّمي الدافئ،
تتغلغل قدماه بحضن الماء الدافئ،
تتحول قدماه إلى ماءٍ وتسيل فراتاً/
هل هي ذي أحضان عروس الجنة؟!،
ينسحب الألم إلى قدميه ويخرج ماءً..
يضحك أحمد..
هاهو ذا يشهد فيض مظاهرة الدير النهرية/
يالأهالي دير الزور وإبداعاتهمٌ في استبدال الطقس بطقس آخر،
هاهو ذا يشهد صورته طفلاً يهتف معهم،
يشهد صورته محمولاً فوق محفته
بثياب بيضاء على الأكتاف ويهتف معهم،
يهتز، يدور على الأكتاف ويضحك،
يسمع صوت هدير مظاهرة الطلاب ويضحك،
يسمع صوت هلاهيل صبايا الدير ويضحك،
يسمع صوت الأم الكبرى قادمة بخطى الريح ويصمت/
يكفي هذا يا أصحاب،
لقد أعجبني العرس ولكن، حان الوقت،
أطيعوا صوت الخالة أسماء،
دعوها تكمل قبلتها فوق جبيني/
حان الوقت لهذا الفارس أن يترجّل،
يكفيني شبرٌ في بستان أبي تحت شجرةٍ فيها ظل،
إن عزّت مقبرة الشهداء بظلّ القنص..
دعوني يا أصحاب وعودوا،
لا أحتاج إلى أيٍّ منكم في هذي الرحلة،
يكفيني أن أرثي حالي،
فرصاص القناص على الباب، ولا من ظِل…
**** **** ****
يغلق أحمد باب الصف بقبضته،
يفتح باب النهر على سهل التاريخ ويدخل نهراً
يتغلغل في الأرض ويحفر درباً/
ها هو ذا دربي..
جسداً يتمدّد حقل شقائق نعمان ليصل الشام ببغداد،
يمدّ سنابل قمح جناحيه شمالاً،
كي يوصل ما بين النهرين،
فينبضَ ساعده بدماء شعوب التاريخ
العرب، الآشوريين، الترك، السيريان، الأكراد،
ويقف على بوابات النهر
بوجه عصابات مسوخ التاريخ الغرباء كسدّ/
هاهو ذا النهر أنا،
وأنا النهر هنا كنتُ وكان أبي،
ونظل هنا في هذي الأرض من المهد إلى ما بعد اللحد،
هنا وضعتني أمي في سلة سرغون الأكادي،
هنا علّقتُ شريعة جدّي حمورابي،
هنا دخلتْ خيلي بوابة أمي عشتار على صوت الرعد،
هنا مرّت خيلي صاهلةً في ألوية المجد،
هنا كنت صليب خلاص العالم،
وهنا أنهيت صلافة قيصر،
أسلمت عمائم كسرى لنسور الموت بمحراثي الأجرد،
وهنا أقف الآن على بوابة دلتا النهر/ الكسر،
هنا في بستان أبي، مفتوح اليد،
لطلابي لا أحملُ إلا دفتر،
لا أحمل إلا صفحاتي البيضاء/
هنا أقف هنا، لا أطلب من أيّ من طلابي،
إلا أن يمتاز بسطر.
**** **** ****
يغلق أحمد باب الصفّ ويفتح باب النهر، ويدخل.