يورو ينطح يورو والحسّابة تحسب/ أحمد عمر
جاءني صديقي الشاب نوري شاكياً باكياً: وروى لي كيف خسر خمسين يورو، بسبب غلطٍ في شحن الهاتف الجوّال، يشتري الرقم ثم يلقمه الجهاز، فيعود بخفّي حنين وبوطي الأسد. وغبت دقيقةً، وعدت ومعي مصنف كبير.
فقال: ما هذا خال: رواية تكتبها؟ خال أرجوك اذكرني فيها.
قلت له: هذه غرامات ومخالفات سنتين فقط، وقعت في خدعة الهاتف سبع مرات، عليك أن تتنظر رسالةً من شركة الهاتف، وبعدها تستخدم الرصيد، يا فهيم.
ورويت له قصة شراء هاتف، نسيت أن أدفع الرسم الشهري مرتين، فغرّمت بغرامة قدرها 300 يورو، وكيف أني غرمت غرامةً قدرها ستين يورو، لأني كنت أقود دراجةً من غير ضوء في الليل، يا أخي، لما الضوء والشوارع منارة ولا حفر فيها؟ سقطت مرّة في حفرة في القامشلي، فصارت الدرّاجة “كانتونين”، ثم غرِّمت مرة ثانية، لأنَّ الضوء الخلفي ليس أحمر اللون، الأمامي يجب أن يكون أبيض. وهذه غرامة إشعال نار، فلا يجوز شيّ اللحم سوى مرتين في الشهر، وهذه غرامة إشعال نارٍ كثيفة الدخان، وكنت بدأت بإشعال النار ببعض ورق الشجر الجافّ، وهو يصدر دخاناً كثيفاً، رآه رجال الإطفاء فجاؤوا مذعورين، والغرامة 600 يورو، والمواطنون كلهم مخبرون، إذا رآك مواطنٌ متجاوزاً السرعة اتصل بالبوليس، نحن في بلادنا، الصالحون يرفعون وشايات سياسية كيدية! عليَّ ديون أكثر من ديون مصر والسودان.
رويت له كيف زارني الشاب الفلسطيني فارس، وحذف برنامج التورنت على جهاز الكومبيوتر، خوفا عليّ، وقد توّرط أحد الأصدقاء، وشاهد بعض الأفلام، فغرّم بخمسة آلاف يورو، فرفع قضيةً ورضيت المحكمة بتخفيضها له إلى ألفين، وكل المساعدة الشهرية 300 يورو، يعني سيدفع غرامات إلى يوم الدين.
قال: يعني ما تدفعه لنا عمتي ميركل باليمنى ترده باليد اليسرى.
قلت: ولكن لا يوجد ذلّ، ولا اعتقال، والموظفات ألمانياتٌ وضّاحات، وثغورهنَّ باسمة.
تأوّه: وجميلات خال.
فجأة هتف: خال هذه الغرامة معها صورة؟
قلت: هذه صورة لي صوّرتها الأقمار الصناعية، والجريمة هي العمل في حديقة الدار في يوم الأحد.
فتح فمه من الدهشة وسأل: وهذه الغرامة ملوّنة؟
قال: صعدت القطار قبل موعد بدء سريان عمل البطاقة بنصف ساعة. فارتكبت خطأ فادحاً، ووضعت يديّ في زنّار المفتش متضرّعاً، فتضاعفت الغرامة، وكدت أقاد إلى القضاء والقدر بتهمة الإرهاب والاعتداء على زنّار موظفٍ في أثناء عمله.
رويت له كيف أني غرّمت غرامة دراجة مرة ثانية، والضوء شغال حتى في النار، مررت بجانب سيارة البوليس، وصرت أرنّ لهم بالجرس، فنادوني، غريب، الأمور كلها على أتمّها، قالوا: أنت تمشي على رصيفٍ مخصص للتلاميذ، وفي ساعة ذروة، أخرجت لهم فوراً مقدار الغرامة، الألماني يُماطل ويدافع، أو يمتقع، أو ينقمع، شعاري: أهن فلوسك ولا تهن ناموسك، اندهشوا من سرعة الدفع، وكادوا أن يسامحوني لكرمي الشديد، لكني فلّست يوم القطار بدارة جلجل، عندما وضعت يدي في زنار مفتش القطار.
قال: بالشرف الناموس.. خوفتني خال.
قلت: أنا حالياً لا أخرج في البيت، إقامة جبرية، أراقب مواعيد الأهلّة من النافذة، ثمّة ألماني ينظر إلى شزراً كلما رآني في النافذة، وكلما جاء لينزِّه كلبه، رآني فيها، فخشيت أن يكون النظر من نافذة الدار محرّماً فنزحت إلى منفى “فيسبوك”.
والأنكى أن مارك يهتم برعاية مواطنيه، وهو يذكّرني كل فترة بغرامة ألمانية، يقول: نحن نهتم بذكرياتك، مارك مثل الشعراء الجاهليين يحبُّ الوقوف على الأطلال، وأطلالي كلها غرامات.
قال: خال، بناموسي حالتك يرثى لها، لك أفضال عليَّ كثيرة، وسأتضامن معك. وأخرج من جيبه قطعةً نقديةً كبيرة، ودسّها في يدي، لم يكن في البيت سنتٌ واحد. التهمت الغرامات ثروتي كلها، ووطني أيضا، كانت القطعة النقدية الكبيرة خمسمائة ليرة سورية.
هي لا تنفع في ألمانيا، ولا في سورية. لكن، لا بأس، فيها صورة عمتنا زنوبيا…
للذكرى.
العربي الجديد