صفحات المستقبل

يوميات المواطن السوري بعدسته الفطرية/ عمر الأسعد

«الصورة ثم الصورة». تبدو الصورة اليوم شغلاً شاغلاً للسوريين، خصوصاً أولئك الناشطين منهم الذين يعيشون في مناطق يتواتر اسمها يومياً عبر نشرات الأخبار، وهي تضج بأخبار القتال والمعارك وأصوات القصف وإطلاق النار.

منذ الأيام الأولى للثورة السورية، فرضت على البلاد حالة حصار إعلامية شديدة الوطأة، فرضها النظام لمنع أي وسيلة إعلام من نقل ما يحصل. وهذه السياسة تطورت ليقضي أكثر من 16 صحافياً وناشطاً إعلامياً تحت التعذيب في سجون النظام بحسب الشبكة السورية لحقوق الانسان. عقوبة من ينقل الأخبار تبدو أشد وطأة بكثير من أي ناشط آخر. ويتذكر الجميع ذلك الفيديو الشهير الذي تم تداوله على موقع «يوتيوب» وفيه يظهر أحد الناشطين من مدينة القصير وهو يُدفن حياً على أيدي القوات النظامية، فيما ينهال عليه عناصر الجيش بالسباب والشتائم، فقط لأنهم وجدوا معه كاميرا فيديو وفيها تسجيلات لما وقع من انتهاكات في تلك المنطقة وسط البلاد.

لم يستطع كثير من المحطات الفضائية ووكالات الأنباء، أن يرسل مصوريه المحترفين إلى الداخل السوري. بينما لم يستطع مصورون سوريون أن يكونوا موجودين في مناطق الحدث دائماً. هكذا تركت الظروف لشباب ناشطين أن يتصدوا للمهمة. هؤلاء منهم من استعانت به وكالات الأنباء والمحطات الفضائية في ما بعد، ومنهم من نشر صوره عبر شبكة الانترنت. وربما تأتي تجربة صفحات «عدسة شاب» كواحدة من التجارب المهمة في توثيق الذاكرة البصرية للثورة لدى السوريين.

يجد الباحث عبر صفحات «فايسبوك» مجموعة صفحات لشباب سوريين تعنى بنشر صور عن الأحداث اليومية التي تقع في مناطق مختلفة من سورية. فيقع على صفحات بعنوان أساسي هو: «عدسة شاب» يتبعها اسم المنطقة، فتكون «عدسة شاب دمشقي نسبة إلى العاصمة دمشق، أو «حموي» نسبة إلى مدينة حماة أو «حلبي» نسبة لمدينة حلب… وهكذا غدا لكل منطقة عدسة شاب تعبر عنها، وتنقل يومياتها بتفاصيلها الدقيقة.

لا يقوم على هذه الصفحات التي باتت مصدراً للصور لكثير من وسائل الإعلام، مصورون محترفون إنما مصورون هواة لا تنقصهم الموهبة، كما يبدو في كثير من الصور التي تنشر.

الهمّ الأساسي لغالبية الصور ليس همأً جمالياً بقدر ما أنها تحمل رسالة تريد أن توصلها للعالم والمتلقي عن أوضاع الناس في منــــاطق الاشـــتباكات العسكرية، أو ما بات يعرف بـ«المنـاطق الساخنة» في وسائل الإعلام.

في هذا الإطار، نرى أن صور القصف وآثار الدمار الذي تخلفه العمليات العسكرية تشغل الحيز الأكبر من مواضيع الصور المنشورة. لكن تلتفت بعض الصور لتقديم صورة المدينة أو المكان الذي تتكفل في كونها «عدسته»، فتأتي صور لنواعير حماة أو الأشجار المزهرة في بداية ربيع منطقة الغوطة في محيط العاصمة، أو أسواق دمشق التي لم تتوقف حركتها حتى الآن رغم مرور ثلاث سنوات على الحرب.

كذلك تنشغل الصور بالحالة الإنسانية للناس في مناطق الحصار والنزوح. فيغدو نقل صورة الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها أطفال وشيوخ وذوو الحاجات الخاصة حاضراً في كثير من الصور. كأن تنقل بعض الصفحات صورة ملتقطة لأطفال يلعبون قبل موتهم بيوم واحد نتيجة القصف بالبراميل أو قذائف الهاون، ويبدو أثر الفقر والجوع على وجوههم، أو نقل صورة لأطفال يلعبون بفوارغ القذائف والرصاص الذي نزل على حيهم قبل أيام.

تأتي معظم الصور في إطار المأساة السورية الممتدة منذ أكثر من ثلاث سنوات. وتكسر هذه القاعدة صفحة بعنوان «عدسة شاب تافه»، تبعها في ما بعد تقسيم مناطقي من قبيل «عدسة شاب دمشقي تافه» و»عدسة شاب حلبي تافه» وهكذا…

ليست التفاهة هي محور هذه الصفحات، ولا حتى الكوميديا بمعناها التهريجي، إنما يمكن تصنيفها في خانة كوميديا سوداء لا ينقصها حس الفكاهة كي توصل فكرتها. هكذا يصادف المتصفح لهذه الصفحات «التافهة؟» صورة في شارع تحيطه أبنية مدمر بالكامل بينما تتوسط الصورة دجاجة ويكون عنوان الصورة «جاجة». بينما في صورة أخرى مجموعة من قذائف الهاون بجانبها رؤوس ثوم، ويأتي عنوان الصورة «هاون» في إشارة إلى الأداة التقليدية التي تستخدمها ربات المنازل لهرس الثوم.

تبدو هذه الصفحات كأرشيف بصري للحياة اليومية السورية. وفي ظل غياب وسائل الإعلام والمصورين الاحترافيين عن ساحة الحدث السوري، وعدم القدرة على الإلمام بتفاصيله، يظهر «المواطن المصور» كرديف «للمواطن الصحافي» في نقل يوميات الحدث السوري.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى