يوميات كاتبة سورية وسط النيران
استحقت عنها جائزة «هارولد بنتر» الدولية للشجاعة
لندن: شيماء بوعلي
نالت أخيرا الكاتبة السورية سمر يزبك جائزة «هارولد بنتر» الدولية للشجاعة لعام 2012 عن كتابها «امرأة وسط نيران متقاطعة»، الذي نشر بداية العام الحالي. والكتاب هو عبارة عن سرد مؤلم لأحداث عاشتها الكاتبة في المائة يوم الأولى للثورة السورية التي اندلعت في مارس (آذار) عام 2011. ويستطيع القارئ من خلالها تتبع التفاصيل العملية والمشاهد المربكة للمشهد السياسي الغامض في سوريا، إذ يدخل هذا الكتاب منطقة شخصية تتداخل وتتشابك مع تعقيدات سياسية طائفية. وتنتمي الكاتبة إلى الطائفة العلوية مثل بشار الأسد، لكن القضية الحقيقية هي أبعد من ذلك. إنها قضية الحرية، كما تقول في ندوة في لندن، نظمت على هامش كتابها «لا أرى أن هذا أمر جلل، فالأمر يتعلق بفكرة الحرية والعدالة على نحو موضوعي».
وتضيف قائلة «إنها مسألة ضمير وأخلاق. لقد قلت ما رأيت فحسب، وأردت أن أكون شاهدة على أن الثورة بدأت سلمية. لقد كنا نؤمن بالحرية والكرامة. وليس من العدل تشويه المتظاهرين، فقد نعتوا بالإرهابيين المسلحين، ولا يمكنني أن أقف على الحياد في ظل هذا الوضع». وتصطحب سمر القارئ من خلال كتابها في رحلة حول نقاط التفتيش والمخاطر التي واجهتها مع الجنود من أجل الوصول إلى المظاهرات والمشاركة فيها. ويذهب القراء معها لمقابلة النشطاء والصحافيين الذين يخبرونها بالأحداث التي لا تروى علنا وتحدث في البلدات الصغيرة في ريف دمشق. ونحن نسمع من خلالها التعليقات الصامتة خلال مقابلتها للناس ونرى خوفهم الصامت من خلال عينيها.
وفي الوقت الذي تغرق فيه البلاد في حمام من الدم والقتال، تكتب عما شاهدته من عناصر سريالية ومشاهد هي في منطقة وسطى بين الحياة والموت. إنها تصف الشهداء الممدة جثامينهم في الشوارع ولا يستطيع أحد دفنهم، وكرب أسرهم، والمصابين إصابات بالغة، والماكثين في المنزل خوفا من أن تلقي السلطات القبض عليهم، والفراغ الشاسع الذي تملؤه الجثامين المشوهة «هل هذا الصدر العاري لذلك الشاب الذي يقف وحيدا أمامهم من دون أن ينبس ببنت شفة يثير في نفوسهم الخوف؟ ماذا ستفعل البنادق الآلية التي قتلته وقتلت صديقه بعد أدائها لهذه المهمة؟». على الجانب الآخر، تزداد سيطرة الجيش على إعلام الدولة أكثر فأكثر، مما شجعها على المساعدة في وصول هذه الأصوات إلى الأسماع لكشف حقيقة ما يحدث.
على امتداد صفحات الكتاب، تعيد يزبك ما سمعته من قصص أناس قابلتهم؛ قصص عن أمهات يتنقلن من منزل إلى آخر بشكل يومي لإخفاء أبنائهن الصغار عن عيون السلطات، ورجال يعرفون كيف يحترمون النساء في وسط هذه الاحتجاجات التي تسودها الفوضى، وأطفال درعا، المكان الذي بدأت فيه الملحمة، الذين تم اقتلاع أظافرهم. تتساءل بلوعة «الحياة الحقيقية في القصص الصغيرة.. كيف يمكن لها ألا تكون كذلك في ظل هذه الظروف؟».
مقابل هذه الظروف الرهيبة، تدعو يزبك إلى مساعدة دولية، إذ إن صمت المجتمع الدولي يجعله «متواطئا أخلاقيا». صحيح، كما تقول «إن المناضلين من أجل الحرية يحققون الكثير، لكن للأسف من خلال موتهم»، ومع تحريرهم للبلدات والمدن فإن قوات النظام سرعان ما تقصف الجميع، بلا تمييز بين مقاتل ومدني.