يوميات هارب من العدالة السورية (2): ضباط من كل الطوائف يشاركون في التعذيب وجمرة أرجيلة في الجرح النازف للعلاج
عمان- القدس العربي: عندما أوقف الشبيحة عبد الرحمن في مدينة بصرى الشام تبين أنه من مواليد درعا وبعد تسليمه لفرع المخابرات الجوية وخضوعه للتحقيق الأول فوجىء بأن المحقق صديق سابق لعائلته وأبلغه بوجود قرار بتصفية أي حوراني يتم الامساك به ضمن قوات او نشطاء الثورة وابعاد اي حوراني عن درعا بأكملها حتى لا يعرف أهله اين هو.
المحقق تعاطف مع عبد الرحمن ووضعه بصندوق السيارة لتهريبه وأنزله في شارع بعيد عن مركز التحقيق وقال له الوصية التالية: احلق ذقنك وارتدي ملابس شتوية وغير في مظهرك قدر الامكان.
التزم عبد الرحمن بالنصيحة وزار بلدته لاحقا بهيئته الجديدة فبادرته زوجته بسؤال استنكاري (عفطوك ؟) فرد عليها : (ايه والله عفطوني) .. لحظتها فقط بدل عبد الرحمن قناعاته وقرر الانضمام لصفوف الثورة وتوقف عن مطالبة أهل بلدته بعدم الخروج على الرئيس بشار.
يعمل عبد الرحمن موظفا في قطاع المخابز وشاهد في عينه عشرات المرات عسكريين ايرانين ولبنانين في بصرى الشام مشيرا لان نحو 15 % من سكان بلدته من الشيعة في الأصل وقد كان ذلك مبررا لدخول الإيرانيين الى البلدة تحت عنوان توفير الحماية مما حول الكثير من البيوت الى ثكنات عسكرية.
ويستذكر عبد الرحمن الخطوة الأولى في رحلة الإعتقال عندما وضع في الحافلة مع بقية المعتقلين معصوبي الأعين والأرجل مع ضرب متواصل بأعقاب البنادق وصرخات تطالبهم بـ(تأليه) الرئيس بشار.
وشدد عبد الرحمن على أن 60 معتقلا من الموجوجين في الزنزانة بالليلة الأولى فقدوا وعيهم من التزاحم فيما أصيب البعض بالهستيريا من كثرة التعذيب ونقص الأوكسجين.
ويبتسم الراوي وهو يستذكر بعض مؤشرات الهستيريا المشار إليها فأحد السجناء كان وهو تاجر خضروات كان يبيع البندورة بصوت مرتفع بعد وصلة التعذيب وآخر كان يتصور زوجته أمامه ويناقشها في القضايا البسيطة.
الكلمة الأكثر ترديدا على لسان المحققين هي (أيها الخنازير) وتطلق بصفة جماعية على أهالي درعا تحديدا.
وبين الموقوفين عدة أطفال وهم خمسة أطفال أصغرهم بعمر 11 سنة إعتقل هو ووالده وعمه ولهذا الطفل تحديدا قصة مباشرة مع عبد الرحمن.
دخل السجان وطلب من الطفل إستخدام السوط لجلد والده المعتقل معه بنفس الغرفة والذي كسرت للتو رجله فرفض الطفل الأمر باكيا فما كان من السجان إلا أن حمل الطفل وقذفه بقوة إلى الحائط ثم إندفع يدوسه بقدميه وسالت دماء الطفل بغزارة, الأمر الذي أثار والده فحظي هو الأخر بنصيب من الضرب.
لاحقا عاد السجان نفسه وطلب من الطفل جلد نحو عشرين سجينا فرض الطفل مجددا وبكى وتقدم عبد الرحمن نفسه وأقنع الطفل السجين بتنفيذ الأوامر وهو ما حصل.
قصة أخرى لا تخلو من غرابة التعذيب خلال التحقيق فأحد السجناء أحضرت زوجته حسب يوميات عبد الرحمن وأزيل الغشاء عن عينيه وهو معلق بالسقف وقيل له بالحرف أن عليه الإعتراف مقابل خيارين هما سجن زوجته أو إغتصابها تأمل السجين قليلا وتوجه بالكلام لزوجته قائلا: أنت طالق.
لاحقا حصل الرجل على فتوى شرعية تعتبر زواجه قائما لإنه تم تحت الإكراه لكنه إنتهى بإنقاذ الموقف.
ويهتم السجانون بالتجمع في باحات مركز التحقيق فترة العصر لشرب الأرجيلة وتبادل النكت والضحك بصوت مرتفع لإستفزاز المساجين.
وفي فترات المساء يعتمد السوط الرباعي لجولات التعذيب المسائية وخراطيم المياه وإسطوانات الغاز والأسلاك الحديدية المجدولة لكن الأكثر إيلاما هو الجنزير العريض المشبوك بكلاب حديدي ينتش اللحم خلال الضرب وفي حالة حصول الجروح كان بعض السجانين وأقساهم يعالجونها بطريقة مبتكرة صحيح مؤلمة لكنها مفيدة وذلك عبر وضع جمرة الأرجيلة لمعالجة الجرح النازف وهو خيار كان يوقف النزيف فعلا ويمنع حتى الإلتهابات.
ويسجل عبد الرحمن أن الصعود إلى الطابق الأول خلال التحقيق مسألة معتادة لكن الصعود للطابق الثاني كان ينطوي على كارثة حيث يوجد محققون إيرانيون يتميزون بعنفهم الشديد ..هؤلاء- يشرح عبد الرحمن- كنا نعرفهم من لهجتهم ودائما وأبدا من يصعد لهم ينزل على الأدراج (كرفتة) بمعنى يرمى رميا.
وشاهد عبد الرحمن معتقلا يموت أمامه وفي أحضانه وهو شخص عمره 60 عاما مات من فرط التعذيب ولم يستطع الوقوف على رجليه وهو من قرية (معربة) فيما فقد سجين آخر بصره فورا بعد ضربه على رأسه من قبل محقق برتبة مقدم إسمه حسن الحلبي وهو (سني وليس علويا) في الواقع والرجل الذي أصيب بالعمى من قرية (غرية).
القدس العربي