يوم سقوط الإنسانية في سوريّة/ هادي البحرة
لقد اختار الجميع أن يكتبوا عما يحدث في سورية في هذه الفترة من زاوية مسرحية الانتخابات الرئاسية التي لا تستحق أن ينظر إليها إلا كاستمرار لنظام حكم اغتصب السلطة في شكل غير شرعي وغير قانوني منذ نصف قرن، وبالتالي فكل ما ينجم عنه لا قانوني ولا شرعي. ففضلاً عن اغتصابه الحقوق الإنسانية والشرعية للشعب السوري طوال هذه الفترة التي امتزج تاريخه خلالها بدماء الأبرياء وعذاب المعتقلين ودموع ذوي المغيّبين المجهولي المصير، يقوم النظام المزعوم نفسه اليوم بتدمير الوطن وتهجير الشعب وتصفية الثائرين على الحكم الديكتاتوري الفاسد. يقوم بذلك بينما كان لديه منذ بدايات الثورة خيار الإعلان عن تنحّيه وقيادة مرحلة انتقالية لسورية نحو نظام حر ديموقراطي يجنّبها الدمار ويحفظ كيانها كما حدث في تونس.
إن ما جرى ويجري في سورية من الناحية الشرعية والقانونية هو استمرار لجريمة نكراء بحق شعب بكامله. وقد اختار المجتمع الدولي وبكل برود وجفاء أن يترك مرتكبي هذه الجريمة طلقاء يرتكبون المزيد من جرائمهم لتتراكم نتائجها ويتفاقم عدد ضحاياها من دون اكتراث، طالما أن نتائج هذه الكارثة محدودة بالداخل السوري. ولكون المجتمع الغربي يتأثر بالرأي العام داخل دوله، ولضرورة إرضاء الضمير الإنساني مقابل العجز عن الفعل السياسي، كان لزاماً عليهم معالجة ما يفيض من نتائج لهذه الجرائم إلى دول الجوار لئلا تؤثر في الواقع السياسي فيها، مما ألزمهم بتأسيس برامج إغاثية وإنسانية لمساعدة نازحي الداخل واللاجئين من السوريين إلى دول الجوار.
في ظل هذا الواقع وكونها أكبر مأساة إنسانية حجماً، فالمجتمع الدولي عبر منظماته، التي تعد الممثلة لإرادته، هي فعلياً المسؤولة عن تحمل كل ما ينجم عن عجزه في تطبيق مبادئ الشرعية الدولية وقوانين حقوق الإنسان في سورية عبر منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولا أحد غيره. من هنا يحق لنا السؤال عن مدى تنفيذ هذه الدول التزاماتها وتعهداتها للشعب السوري حيث بلغ عدد اللاجئين السوريين في دول الجوار 2834827 مواطناً حتى أواخر الشهر الماضي. ولتأمين احتياجاتهم لهذا العام، تقدمت المنظمة الدولية بنداء الى المجتمع الدولي بتقديم معونات تفوق الأربعة مليارات وربع المليار دولار أميركي؛ فهل وفى هذا المجتمع بالتزاماته؟
من المؤسف أن نقول إن حجم المسدد من هذه الالتزامات للأمم المتحدة بلغ حتى تاريخه نسبة 27 في المئة من المبلغ، وأمام هذا الواقع نرى حجم المأساة الإنسانية التي ستقع على لاجئينا ومدى عدم تفاعل المجتمع الدولي وعجزه في التعاطي مع ما نتج من صمته.
هكذا أجرى نظام الأسد مسرحيته الانتخابية ليعرب عن عدم اهتمامه أو رغبته بأي حل سياسي ويتابع تحت أنظار الجميع حرب الإبادة الجماعية على السوريين، بينما أصدقاء الشعب السوري في الغرب ما زالوا يتحدثون عن حتمية الحل السياسي من دون أي فعل جاد يؤدي إليه، ويتعاطفون مع الشعب السوري ببيانات ومشاريع قرارات فاشلة ولا يقدمون المعونة اللازمة كماً ونوعاً لإزالة قناعة النظام بإمكانية الحسم العسكري وإجباره على المضي في حل سياسي يؤدي إلى تطبيق بيان جنيف.
لقد بات المجتمع الدولي عاجزاً فيما منظمة الأمم المتحدة والتي أعربت عبر بيانات منظماتها وتصريحات مسؤوليها عن اضطلاع قيادات ومسؤولين من النظام الحاكم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية هي نفسها المنظمة الأممية التي ما زالت تستقبل مسؤولي هذا النظام لتبحث معهم تمويل مشاريع حكومية ودعمها. فهل باتت هذه المنظمة تدعم المجرمين الذين يصدرون الأوامر بقصف الأحياء السكنية بالبراميل المتفجرة؟ سؤال برسم الضمير العالمي والسيد الأمين العام للأمم المتحدة.
* رئيس وفد «الائتلاف» إلى مفاوضات جنيف
الحياة