“الحماية الدولية” للسوريين.. أسبابها.. ومن يتحمل مسؤوليتها؟!
علي الرشيد
استشاط النظام السوري غضبا من تسمية المحتجين في الساحات لجمعتهم الفائتة بجمعة “الحماية الدولية”، واعتبرت أبواقه التي تظهر للدفاع عن سياساته القمعية في الفضائيات أن هذا يندرج في إطار الخيانة الوطنية لأن فيه استعداء للخارج على الدولة.
وسبب الغضب واضح تماما، فالنظام يرغب في استمرار ممارساته للمجازر اليومية ضد شعبه، رغبة منه في حسم ما يسميه بـ “التمرد” والقضاء على “الإرهابيين” تحت غطاء عدم جدية النظام الدولي في التعامل مع جرائمه، أو صمت أطراف عربية وإسلامية بسبب الخوف منه، ومن حلفائه في المنطقة أو بسبب المصالح، أو بسبب الدعم والتأييد الذي يحظى به من بعض حلفائه في المنطقة كإيران، أو العالم كالصين وروسيا، وبالتالي فإن أي تدخل دولي ـ حتى ولو كان لأغراض إنسانية ـ سيحظى منه بالرفض القوي، ولن يستسلم له إلا مرغما، لأنه سيمثل نوعا من التحدي الحقيقي لمواجهة بطشه الدموي في مواجهة شعبه الأعزل، وكشف حجم جرائمه التي ترقى بحسب منظمات حقوقية دولية وأممية أن تكون جرائم ضد الإنسانية.
لقد ثبت أن النظام منذ اليوم الأول لانطلاق الانتفاضة الشعبية المباركة بالمدن السورية لم يقبل بها، أو يعترف بمطالبها الإصلاحية المحقّة، بل تعامل معها بدموية متصاعدة لم تشهدها دول أخرى كمصر وتونس واليمن، واتضح أن حديثه عن الحوار وقوانينه التي أطلقها لم تكن سوى “ديكور شكلي” لتمرير الوقت أمام أنظار العالم، وخدعة للالتفاف على ثورة الجماهير سرعان ما انكشفت، فيما كان تركيزه الرئيس والحقيقي على البطش والقوة المفرطة لسحق الثورة، وما زال يعتقد أنه يستطيع ذلك على ما يبدو، ولذلك فهو لا يريد أي عائق يقف في وجهه ضد إرهاب شعبه، أو سحب “رخصة القتل” التي بيده، باعتبارها الورقة الوحيدة المتبقية لديه، والتي يمكنه أن يشهرها في وجه شعبه، بعد أن هرب من الإصلاح التي لايمكن أن يدفع ثمن استحقاقاته.
ورغم أنني لست بالضرورة مع رفع هذا المطلب، أو بصدد مناقشة صوابيته السياسية من عدمها أو المخاطر التي قد تترتب عليه، فإن على المستنكرين من أزلام النظام أو أبواقه ـ أو غيرهم ـ أن يسألوا أنفسهم: لماذا لجأ الشعب إلى هذا الطلب، ومن المسؤول الحقيقي عن إيصالهم لهذه النقطة؟ خصوصا أن من طالب بذلك تنسيقيات الثورة السورية الميدانية في الداخل، وليست الأحزاب أو معارضة وفعاليات الخارج.
إن النظام هو من يتحمل هذه المسؤولية كاملة عن ذلك، فالجماهير كانت تطالب في بداية انتفاضتها في منتصف مارس الماضي بإصلاحات تحت سقف النظام، ولكنها رفضتها بعد أن سالت دم الأبرياء، ثم طالبت بعد ستة شهور بالحماية لعدة أسباب أهمها:
ـ يشعر الشعب السوري بالخذلان وفقدان الأمل من الدول العربية ومن جارته تركيا، الذين يبدون غير عابئين بالقوافل اليومية لشهدائه ومظاهر بطش النظام ضده، وتأخرهم جدا حتى قام بعضهم بإدانة أفعاله، وعجزهم عن الأخذ على يديه حتى الآن.
لقد استصرخ السوريون النخوة العربية والإسلامية غير مرة، دون مجيب، وشاهدوا كم الفرص المجانية التي منحت لهذا النظام من أجل الإصلاح ـ وآخرها مبادرة الجامعة العربية ـ على حسابهم،فيما لم تكن في الحقيقة سوى مددا إضافية لذبح المزيد منهم والدوس على كرامتهم، لذا فقدوا الأمل بالعرب والمسلمين من دول الجوار ومن المنظمات التابعة للنظام العربي والإسلامي.
ـ إمعان النظام في الممارسات اللا إنسانية واللا أخلاقية تجاه المحتجين ومنها: إخراج قوات الأمن للمصابين من المستشفيات كما في حمص، ومنع الطواقم الطبية من الوصول إلى الجرحى، واعتقال الأطباء والمسعفين ومعاقبتهم بسبب أداء واجبهم الإنساني عند إسعاف المصابين من المحتجين.
ـ رفض السلطات السورية لأي مراقبين من قبل الأمم المتحدة للتحقق من الانتهاكات المتزايدة لحقوق الإنسان، وهو ما كشفته عنه مؤخرا وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ورفض تغطيات وسائل الإعلام العربية والدولية حتى الآن.
ـ رفض النظام لأي مساع حميدة أو وساطات أو مبادرات لحل الأزمة السورية سواء قامت بها بعض الدول كتركيا أو الجامعة العربية..، وقد لوحظ أن البيان السوري لم يشر إلى أي مبادرة تقدم به الأمين العام للجامعة إثر الزيارة التي قام بها مؤخرا.
إن السوريين حساسون أكثر من غيرهم ـ تاريخيا ـ للتعامل مع الأجنبي وتدخله في شؤونهم، وهو ما كشفت عنه مواقف السواد الأعظم لمعارضتهم، لكن الذي يجبر على “المرّ” هو “الأمر منه”، مع الإشارة مرة أخرى أن الحماية المشار إليها هي للأغراض الإنسانية الخاصة بالمدنيين فقط.
الشرق القطرية