بكر صدقيصفحات سورية

الإرهاب يضرب ألمانيا في اسطنبول/ بكر صدقي

 

 

كشفت السلطات الأمنية التركية، بسرعة لافتة، هوية الانتحاري الذي فجر نفسه في ساحة السلطان أحمد الشهيرة في اسطنبول، استناداً إلى بصمة إبهامه الذي وجد في مكان التفجير. وفقاً لهذه المعلومات التي أكدها الرئيس التركي أردوغان، يدعى الانتحاري نبيل الفضلي، وهو سوري مولود في السعودية، ويبلغ الثامنة والعشرين من العمر، قال رئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو أنه ينتمي إلى تنظيم داعش الإرهابي.

منذ حزيران 2015، هذه رابع عملية إرهابية تقع على الأراضي التركية وتتهم بها داعش من غير صدور بيان منها بتبنيها. وقعت العمليات الثلاث السابقة في ديار بكر (حزيران)، سروج (تموز) وأنقرة (تشرين الأول) راح ضحيتها المئات من المدنيين. كان القاسم المشترك الأبرز بين العمليات الثلاث هو استهدافها لتجمعات مدنية كردية أو مناصرة للكرد، إذا وضعنا جانباً كون الفاعل المفترض هو داعش، لأنه بقي في حكم الافتراض. أما ما أكدته التحقيقات الأمنية بشأن الفاعلين المباشرين كأشخاص فهو انتماؤهم جميعاً إلى شبكة سلفية جهادية محلية مركزها مدينة آضي يمان، جنوب شرق الأناضول، أطلقت عليها الصحف التركية اسم «مجموعة النساجين» نسبة إلى كنية عدد من المنتسبين إليها، كانت تجتمع في أحد مقاهي المدينة حيث يتم تجنيد جهاديين للقتال في سوريا في إطار منظمات جهادية مختلفة. لدى جهاز مكافحة الإرهاب في الشرطة التركية قوائم من المشتبه بهم، تتم متابعة تحركاتهم، على ما قال رئيس الحكومة في أعقاب تفجير ساحة السلطان أحمد، مستدركاً أن السوري نبيل الفضلي لم يكن بينهم.

هذا هو الجديد، إذن، في عملية اسطنبول: الجاني ليس تركياً، بل سوري (ومولود في السعودية). هذه المفاتيح مهمة في تأثيرها على الرأي العام المحلي المنقسم حول التورط التركي في الصراع السوري. عنون المحلل السياسي «سولي أوزل» مقالته في صحيفة خبر ترك، صبيحة تفجير اسطنبول، بـ»اللعنة السورية». فمن البوابة السورية تدخل رياح الموت كما قد يوحي هذا العنوان. أما كون الجاني مولوداً في السعودية، بحكم عمل والده هناك قبل عقود، فهو يمنح خصوم التحالف التركي ـ السعودي الجديد (تمثل في إنشاء مجلس تعاون استراتيجي بين البلدين) في الرأي العام التركي، مادة إضافية لتعزيز وجهة نظرهم المناوئة لسياسة الحكومة التركية في سوريا والإقليم.

الجديد الثاني الذي تختلف به عملية اسطنبول عن سابقاتها، هو استهدافها لسياح ألمان. من المحتمل أن السائح البيروفي الذي قتل مع التسعة الألمان كان موجوداً في المكان الخطأ لحظة التفجير. فالنقطة المستهدفة هي «سبيل الماء الألماني» في الساحة الأثرية الواقعة أمام جامع السلطان أحمد. وتم بناؤه في ألمانيا قبل أن ينصب في مكانه الحالي في العام 1901، هدية من الامبراطور الألماني للسلطان العثماني. ليس من قبيل المبالغة القول إن سياحاً ألمانا كانوا هم الهدف من العملية الإرهابية.

إذا صح هذا التحليل، ما معنى ذلك؟

نتحدث، هنا أيضاً، عن «مفاتيح» مؤثرة على الرأي العام، أكثر مما عن مؤامرة محكمة ذات هدف دقيق. حين نقول «ألمانيا» هذه الأيام، فنحن نتحدث عن بلد اللجوء المفضل لدى عشرات آلاف السوريين الهاربين من جحيم براميل الأسد وسكاكين داعش والصواريخ الروسية، إلى القارة الأوروبية، عبر الممر التركي.

ويعود سبب هذا التفضيل إلى سياسة الترحيب باللاجئين السوريين التي اتخذتها الحكومة الألمانية في الأشهر القليلة السابقة، وباتت معرضة للتغيير حالياً بسبب موجة عداء جديدة للاجئين آخذة في التصاعد منذ بداية العام الحالي، وجدت في أحداث كولن ليلة رأس السنة مادةً للاستثمار من قبل اليمين العنصري الكاره للأجانب.

هذه القراءة لا تمنع أن العملية الإرهابية ضربت تركيا قبل أي اعتبار آخر. ضربتها في قلبها النابض بالحياة اسطنبول، جوهرة التاج العثماني، وفي سياحتها، درة الاقتصاد التركي. فمنذ لحظة انتشار خبر الهجوم الإرهابي بدأت وكالات السفر الألمانية بإلغاء رحلاتها السياحية المبرمجة سابقاً إلى اسطنبول.

لا يمكن إغفال توقيت هذه العملية الذي أعقب انتكاسة معنوية كبيرة للمحور الإيراني، تمثلت في حدث مضايا. فعلى رغم أن هذه البلدة السورية المنكوبة ليست وحدها المحاصرة، نجحت الحملة من أجل فك الحصار عنها في إشهار مأساتها الرهيبة أمام الرأي العام، بوصفها من صنائع حزب الله الإيراني في لبنان الذي يحارب المدنيين بسلاح التجويع حتى الموت. وقد سبقت هذه الانتكاسة المعنوية، واحدة أخرى تمثلت في اعتذار إيران الرسمي، في الأمم المتحدة، عن حادثة الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، وردود الفعل القوية من بعض الدول العربية على الاعتداء المذكور، منها سحب سفراء.

فمن شأن عملية اسطنبول، بمجمل دلالاتها، إعادة تسليط الضوء على «الإرهاب الذي يضرب الجميع، ويتطلب تكاتف الجميع لمحاربته» على ما قالت الخارجية الإيرانية في تعليقها على هجوم اسطنبول. ومن شأنها أيضاً إعادة تحريك الضغوط الأمريكية ـ الأوروبية على أنقرة لإغلاق حدودها تماماً أمام الموت القادم من سوريا. ومن شأنها استعادة الجو المشحون بالعداء ضد اللاجئين السوريين في تركيا الذي كان قد ضمر إلى حد كبير في السنتين الأخيرتين.

وهكذا…

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى