الحدود السورية شبكة معقدة من المصالح
منذ اندلاع الاضطرابات في سوريا قبل اربع سنوات تحولت الحدود مع اسرائيل إلى منطقة اكثر تفجرا، التي بامكانها جر عدة جهات إلى داخل مرجل عنيف. إن دخول الدولة الإسلامية إلى المعركة ونشاطات جبهة النصرة في البداية برعاية داعش والآن هي في نزاع معها، غيرت تماما، سواء الانتشار الاسرائيلي على الحدود أو حاجة النظام السوري وحلفائه لاعطاء رد على التهديد الإسلامي المتزايد. في هذه النقطة دخل الإيرانيون وحزب الله إلى الصورة.
في السنة الاولى من المواجهة الداخلية السورية امتنعت إيران وحزب الله عن التدخل، ولكن منذ تموز 2012 عندما تلقى النظام احدى الهزائم القاسية له ضد المتمردين في العملية القاتلة في قيادة الامن القومي في دمشق، بدأ النظام في طهران وحزب الله في اظهار تدخل أكثر. بالنسبة اليهم فان بقاء بشار الاسد هو مصلحة عليا، لأن سوريا هي مدماك استراتيجي مهم في «معسكر المقاومة»، وتعطي لإيران موطيء قدم وتأثير في الشرق الاوسط، لهذا سرعان ما عبر الحدود اللبنانية باتجاه سوريا آلاف المقاتلين بمن فيهم رجال الحرس الثوري من اجل الدفاع عن نظام الاسد. بمعنى معين فان حزب الله بدأ في اشغال الفراغ العسكري الذي تركه النظام السوري.
سقوط مدينة القنيظرة في أيدي تحالف قوات المتمردين وعلى رأسهم جبهة النصرة وجيش سوريا الحر، قاد إلى عمليتين مهمتين من جانب النظام السوري وحلفائه. الاولى تركيز جهود مشتركة سورية إيرانية وحزب الله لاحتلال المدينة من جديد. وحتى الآن بنجاح جزئي فقط. الثانية استغلال التهديد الذي وضعته جبهة النصرة كالذراع الطويلة للقاعدة على أبناء الأقليات الذين يعيشون في المنطقة بشكل خاص وفي جنوب سوريا بشكل عام من اجل تجنيدهم لصالح النظام. وهكذا وجدوا أنفسهم، مسيحيون ودروز، يتدربون على أيدي رجال حزب الله وإيران ويحاربون إلى جانب جنود الجيش السوري ضد المتمردين، حيث مصلحة البقاء والخوف من تهديد الإسلام السني المتطرف هي أمور مشتركة للجميع.
التأثير الاساسي لهذه الخطوات على اسرائيل هو أنه للمرة الاولى في المواجهة بين اسرائيل وحزب الله يوجد حضور للمنظمة الإرهابية الشيعية في جبهة اخرى، الجبهة السورية، اضافة إلى جبهة العمل المعتادة في جنوب لبنان.
اذا نجح حقا في التمركز في المنطقة، وحتى تحقيق هدفه واحتلال معبر القنيطرة من المتمردين، فان مستوى التهديد على اسرائيل سيزداد بثلاث طرق: حزب الله سيوسع قدراته في جمع المعلومات عن الجيش الاسرائيلي والمستوطنات الاسرائيلية في المنطقة الاستراتيجية لهضبة الجولان، وسيحاول توسيع تهديده الصاروخي إلى هذه الجبهة، وبهذا يُحسن قدرته على المس بمواطني اسرائيل، سيحاول تجنيد مقاتلين من بين الأقليات التي تعيش في اسرائيل ـ الدروز وفلسطينيون وعرب اسرائيل ـ كذراع اخرى لتنفيذ عمليات ضد اهداف داخل اسرائيل. البينة الحقيقية لطريقة العمل هذه هي أن اثنين من الاربعة مخربين الذين قتلوا على يد سلاح الجو يوم الاحد هم أبناء عائلة كبيرة تعيش في بلدة درزية (مجدل شمس)، المعروفة بولائها لسوريا وبدعمها لنظام الاسد.
ولكن، كما قلنا، ليس فقط حزب الله يهدد اسرائيل بل ايضا الواقع المتفجر لتواجد المتمردين في هضبة الجولان، حيث أنه في نهاية الامر يدور الحديث عن تحالف قوات المتمردين ايضا مع منظمات إرهابية، التي تشكل اسرائيل أحد اهدافها المستقبلية. أكثر من مرة وقف مقاتلو أبو محمد الجولاني، قائد جبهة النصرة، أمام المشهد الاسرائيلي، وعن طريق اطلاق النار في الهواء عبروا عن توجهاتهم. بيد أنه في التفكير بصورة معاكسة فان السيناريو التالي يمكن أن يتحقق: في وضع ضائقة ومواجهة متواصلة مع الجيش السوري وحزب الله يمكن للمتمردين أن يحاولوا القيام بعملية على حدود اسرائيل بهدف جر الجيش الاسرائيلي إلى مواجهة مع الجانب السوري، أي الاسد وحليفه حزب الله.
إن ادراك أنه فقط بمقدور الجيش الاسرائيلي وقف حزب الله، حسب رأي اوساط عديدة ايضا، ضرب نظام الاسد بصورة قاسية وتسريع اسقاطه، تلعب دورا مركزيا في سلسلة الاعتبارات التي تأخذها منظمات المتمردين الإسلامية والعلمانية في الحسبان.
يهودا بلنغه
اسرائيل اليوم 28/4/2015
القدس العربي