صفحات العالم

القاهرة وتطور العلاقات مع دمشق وهل يستعيد أردوغان «أراضي عثمانية»؟/ خالد الشامي

 

 

أجد نفسي مضطرا كلما أكتب عن سوريا أن أذكر القراء المحترمين بأنني معارض للرئيس بشار الأسد قبل أكثر من عشر سنوات، بسبب موضوع حقوق الإنسان.

بينما بعض معارضيه حاليا، كانوا يبالغون في مديحه قبل الثورة. وقد ذكرت هنا قبل أسابيع قليلة كيف أنه ارتكب خطأ إعلاميا فادحا في عدد الضحايا الهائل في سوريا، مهما كان من قتلهم. ونتحدث اليوم عن خطوة قد تكون جديدة في العلاقات المصرية السورية أعقبت التوتر مع السعودية. فقد فوجئ رئيس الأجهزة الأمنية في دمشق بدعوة معلنة إعلاميا من رئيس مؤسسة المخابرات المصرية للتوجه إلى القاهرة مساء الاثنين الماضي «لبحث التبادل الأمني وتكريس سبل مكافحة الإرهاب في البلدين». كان حدثا لافتا رغم أن تبادل الزيارات الاستخباراتية حول العالم يكاد يكون امرا تقليديا، ولا تمنعه غالبا الخلافات السياسية. وربما تبادلت القاهرة ودمشق بدورهما زيارات أمنية في الماضي، بل إن المسؤول الامني السوري نفسه كان توجه الى جدة قبل عام ولم تقم أي الدولتين بنفي حصول تلك الزيارة النادرة.

أما الرسالة السياسية التي تبعثها القاهرة هنا بوضوح فهي أنها لا تنوي تعديل التباين الواضح مع السعودية في الشأن السوري، وأنها لا تتجاهل التعاون المشترك مع المخابرات السورية، خاصة أن العديد من المقاتلين المصريين شاركوا في تنظيمات إرهابية تعمل في سوريا وبلاد أخرى، وربما يحاولون العودة إلى مصر لارتكاب جرائم ارهابية. وثمة أسباب تشير إلى أن السعودية عادت لاحتواء خلافها السياسي مع مصر تجاه سوريا، ويظهر هذا واضحا في التصريحات التي أدلى بها لصحيفة «اليوم السابع» المصرية مدير الدراسات الاستراتيجية القريب من الاستخبارات السعودية اللواء أنور عشقي، إذ شدد على العلاقة القوية بين القاهرة والرياض. ولعل هذا التصريح السعودي محاولة لمطالبة القاهرة بعدم استمرار التوتر الذي سيصب في مصلحة طهران، خاصة أن كثيرين في مصر بدأوا يطالبون بالتفاهم والتعاون مع إيران ردا على الانحياز السعودي لتركيا ورئيسها المتهم بالإساءة الى مصر ورئيسها. ولعل مشاركة وزير الداخلية المصري في الاجتماع الدولي الذي شهدته «لوزان» السبت الماضي بدعوة أمريكية، تأكيد على أن مصر تقول إنها قادرة على ان تقوم بدر فاعل في الازمة السورية. ويبدو أن النظام السوري الذي مازال يواجه مقاطعة سياسية مع القاهرة، إلا أنه يتفهم أن الدور المصري يمكن ان يكون مؤثرا. وكان زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله قد قال ردا على سؤال قناة «الميادين» إن كانت سوريا مستعدة لقبول مشروع اتفاقية من حكومة مصر، فأجاب مؤكدا بما معناه «إنه يشعر بأن اتفاقا من جهة مصر لانهاء الحرب سيلقى قبولا سوريا».

أما النهج الرئيسي الذي يحرك القاهرة فانها ليست مؤيدة بالضرورة شخص الرئيس السوري وتحمله مسؤولية جزء كبير من الوضع الكارثي في بلاده، وتؤيد بقاء الدولة وليس شخص الرئيس في سوريا، وتريد في الوقت نفسه القضاء الكامل على جماعات الارهاب هناك. وسبق أن استضافت مئات المعارضين السوريين الذين طالبوا بالقضاء على الإرهاب ثم تغيير الرئاسة حسب ارادة الشعب السوري.

أما اليمن فله خصوصية لدى مصر وهي التي ضحت بأربعين ألفا من جنودها من أجل حرية شعبه في الستينيات، لهذا فإن السكوت عن هذا الوضع الكارثي فيه لم يعد ممكنا مع انتشار الجرائم التي ارتكبها بعض اعضاء «التحالف العربي» ضد المدنيين. ومصر تشعر بالحزن لمقتل أي مدني، سواء في اليمن أو سوريا او فلسطين او أي بلد عربي اخر، وتحاول وقف كل الحروب المشتعلة باسم الدين والطائفة.

 

أردوغان و»الأراضي العثمانية»؟

في تصريح مهم يوم الاربعاء الماضي لم يحصل على اهتمام إعلامي كاف، دعا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى إعادة النظر في المعاهدة التاريخية المعروفة بـ(لوزان 1923) وهي التي أسست للدولة العلمانية التركية بعد انهيار الامبراطورية العثمانية أو الخلافة الاسلامية. وحسبما تعنيه تلك المعاهدة فقد وجدت هذا النص «أبطلت المعاهدة العمل بـ»معاهدة سيفر» وبنودها المجحفة بحق الدولة العثمانية، وأسست لما عُرف لاحقا بـ»الجمهورية التركية» العلمانية بعد إلغاء نظام الخلافة الإسلامية، ورسّمت حدود اليونان وبلغاريا مع الدولة التركية التي حافظت على ضم إسطنبول وتراقيا الغربية، وتضمنت بنودا تتعلق بتقسيط ديون الدولة العثمانية وقضت بتخلي تركيا عن السيادة على  قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام، باستثناء مدن كانت تقع في سوريا مثل أورفا وأضنة وغازي عنتاب وكلس ومرعش». ويرى البعض ان الرئيس التركي يشير بوضوح إلى إعادة رسم الحدود التركية مع دول عربية مثل العراق وسوريا بشكل خاص، لكنه ربما لا يستبعد مصر التي أشار مرة إلى أنها «كانت جزءا من المملكة العثمانية زمن جده». وهكذا يمكن تفسير طلبه المشاركة في الحرب لتحرير الموصل، رغم رفض الحكومة العراقية، خاصة أنه صرح الاسبوع الماضي في رده على رئيس حكومة بغداد بـ(سنفعل ما نشاء). وهل يمثل شمال سوريا، خاصة حلب جزءا من «الحلم الاردوغاني» حسب تلك التصريحات؟ فهل يكون هذا تفسيرا للتغير التركي بعد الاتفاق الاخير مع الرئيس الروسي؟ وهل يفسر هذا المكافآت التركية لروسيا التي تتعرض لانتقادات غربية شديدة وتهديدات بعقوبات جديدة ردا على جرائم قتل المدنيين في حلب بشكل خاص؟

كاتب مصري من أسرة «القدس العربي»

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى