مراجعات كتب

المحافظون الجدد والأجهزة الأمنية وتشجيع الحروب في العالم العربي/ سمير ناصيف

أهم ما في كتاب مايكل موريل، نائب المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الـ (CIA) حتى عام 2013، بعنوان «الحرب الكبرى في عصرنا: معركة الـ CIA مع الإرهاب، من القاعدة إلى تنظيم الدولة الإسلامية» انه يشير إلى الضغوط التي مارستها، وما تزال تمارسها، مجموعة المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية على وكالة الاستخبارات الاهمّ في البلاد لعرقلة تأثير هذه الوكالة على قرارات رؤساء الجمهورية الأمريكيين ومنع تحذيرهم من خطورة شنّ الحروب ضد دول العالم الثالث، ومن الانعكاسات السلبية لهذه الحروب. فقد كانت مجموعة ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وأعوانهم، في عهد الرئيس جورج بوش الابن، ومجموعة جون ماكين وليندسي غراهام ورفاقهم في عهد الرئيس باراك اوباما، تسعى إلى الدفع بالاتجاه المعاكس، أي نحو الحروب والانقلابات والثورات تحت حجج مختلفة ولتحقيق مكاسب سياسية ومادية.

ولعل موريل من أفضل من يمكنهم توضيح هذه الأمور لكونه عمل في مناصب رئيسية في الاستخبارات الأمريكية المركزية لأكثر من ثلاثين عاما وكان يحظى بثقة الرؤساء الستة الذين عمل في عهدهم. وفي طليعة من وثقوا به وبتحليلاته كان الرئيسان باراك اوباما وجورج بوش الابن.

يشير الكتاب انه في أولى المواجهات مع المحافظين الجدد، حاول وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد إلقاء اللوم على مايكل موريل بانه لم يكن يقدّم للرئيس بوش المعلومات الكافية حول إمكان حصول هجومي البرجين العملاقين في نيويورك ووزارة الدفاع في واشنطن في 15 ايلول/سبتمبر2001. ففي لقاء تمّ في كانون الاول/ديسمبر 2001 وحضره جميع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية آنذاك عرض موريل ما قدمه من تقارير يومية للرئيس بوش حول إمكان حدوث مثل هذا الهجوم ضد أمريكا على الأرض الأمريكية أو في الشرق الأوسط، ولكنه أشار إلى ان المصادر التي اعتمدها وقدّمها لم تكن موثوقة مئة في المئة. فقفز رامسفيلد من مقعده وواجه موريل ومدير الاستخبارات آنذاك جورج تينيت بقوله: «إذا لم تكن لديكما معلومات موثوقة فلم يكن من الضروري اطلاع الرئيس بوش عليها». أي انه كان ينتقدهما لعدم امتلاكهما معلومات موثوقة. ويعتبر موريل ان فريق المحافظين الجدد المحيطين ببوش (تشيني، رامسفيلد، كوندوليزا رايس ورفاقهم) رافقوا بوش منذ تسلمه منصبه وأشبعوه بفكرة مواجهة العراق عسكريا المتواجدة في أجندتهم. وكان رأي موريل مخالفا لهذا الموقف حيث قال مباشرة بعد ورود موقف بوش: «لا شك ان حرب العراق دعمت توجهات القاعدة وساهمت في انتشار عقيدتها».

إذن، فمنطق شن الحروب الاستعمارية ضد دول العالم الثالث أو تشجيع الفوضى فيها يفيد أعداء العالم الحرّ وقادة وداعمي المجموعات الإرهابية في العالم. ولعل هذا كان الجانب الايجابي في كتابه الصادر عن دار تويلف «12» في نيويورك.

وبما ان المحافظين الجدد في أمريكا ساهموا مساهمة فعالة في حدوث الهجوم الأمريكي على العراق، فانهم في نظر الكاتب، مسؤولون عن الفوضى القائمة حاليا في الشرق الأوسط والعالم، ويسعون إلى تشجيع حروب جديدة فاشلة بقيادة ممثليهم الجدد (ماكين وتشيني ورامسفيلد) وعلى رأسهم جون ماكين وليندسي غراهام وأمثالهما. فكما نجح تشيني ومعاونوه في تبديل مقاطع في خطاب كولن باول ألقاه في الأمم المتحدة، برغم موافقة وكالة الاستخبارات عليه قبل تغييره، فان جون ماكين وليندسي غراهام شنا حملة على موريل (مؤلف الكتاب) متهمينه بالاهمال وعدم الاحتياط الكافي في ليبيا عندما قتل متظاهرون ليبيون في ايلول/سبتمبر عام 2012 السفير الأمريكي في ليبيا كريس ستيفنز.

ويذكر موريل ان كولن باول أتى في كانون الثاني/يناير 2003 خصيصا لمركز «وكالة الاستخبارات المركزية» طالبا من مسؤوليه ومديره جورج تينيت المساهمة في كتابة خطابه الذي كان سيلقيه في الأمم المتحدة. وقد امتثلت الوكالة لرغبته، وعمل كبار مسؤوليها لتلبية طلبه، ولكن بعد مرور الخطاب على مكتب نائب الرئيس تشيني تمَّ تبديل مقاطع فيه، واضيفت وقائع وأفكار مغلوطة لم توردها الوكالة بل أضافها مساعدو تشيني ورامسفيلد وعلى رأسهم جون هانا ودوغلاس فايث وسكوتر ليبي، ومنها ان صدام حسين لعب دورا في هجمات 11 ايلول/سبتمر 2001، وان صدام كان يملك أسلحة الدمار الشامل. ومع أن باول ألغى الكثير مما أُضيف إلى خطابه، فأن بعضها بقي وأضعف موقفه، وكل ذلك فُرض فرضًا على الخطاب بواسطة المحافظين الجدد، حسب الكتاب.

ولكن حتى بعد ثلاثين سنة من الخدمة في الوكالة، ثم تقاعده منها في عام 2013، دُعي موريل إلى جلسة استجواب في الكونغرس حول مقتل السفير الأمريكي في ليبيا، وذلك في نيسان/ابريل 2014. وحاول صقور الحزب الجمهوري (رفاق ماكين وغراهام) إدانة موريل بالإهمال من أجل الطعن في قدرة الرئيس اوباما على ضبط الأمور وضعف أجهزته الأمنية علما ان موريل كان مقربا من اوباما، وان الانتخابات الرئاسية الأمريكية كانت على الأبواب.

واتُّهم َموريل بانه بدَلَ التقرير الرسمي لوكالة الاستخبارات الأمريكية عن حادث مقتل السفير كريس ستيفنز وأدخل إضافات إليه وحذف مقاطع منه، كما اتهم بالاهمال لعدم وجود حراسة كافية من الوكالة آنذاك للسفير ستيفنز، علمًا بأن جهاز أمن وزارة الخارجية وليس الـ (CIA) كان مسؤولاً عن تأمين هذه الحماية. وسُئل لماذا سُمح للسفير ستيفنز بالسفر إلى بنغازي في مناسبة (9/11) وقضاء ليلته هناك في خضمّ الأجواء المتوترة آنذاك في مصر وليبيا. وبالإضافة إلى ذلك، اتُهمَ موريل بانه لم يقل الحقيقة كاملةً إلى لجنة الكونغرس التي استجوبته. وقد دافع عن نفسه بالنسبة لهذه التفاصيل وبيّض صفحته.

ولم يكن موريل فقط متحفظًا حول غزو أمريكا للعراق في عام 2003، ولكنه أيضا تحفّظَ حول غزو ليبيا بعد ذلك بعشر سنوات فيما أيد المحافظون الجدد في الكونغرس هذا الخيار الثاني أيضا. كما تحفظ الكاتب إزاء دوافع بعض الانتفاضات التي حدثت في دول العالم العربي وأدّت إلى تعزيز دور وانتشار منظمة «القاعدة» والمنظمات المتفرعة منها في هذه البلدان.

وامتلك موريل علاقات مع قياديين أمنيين في ليبيا القذافي وقد حاولوا إقناعه، قبل سقوط القذافي، بأن كثيرين من خصوم النظام الليبي آنذاك كانوا من المتطرفين الإرهابيين ولديهم ولاء لايديولوجية «القاعدة». وحاول هو بدوره إبعادهم عن القذافي ودفعهم للقيام بحركة تصحيحيّة في البلاد للتخلص من ديكتاتورية القذافي. ولكن الجهتين فشلتا، ونجح منطق الحرب، وقرّر حلف الناتو ضرب ليبيا عسكريا. واللافت هنا ان قرار قتل القذافي، حسب موريل، لم يُتخذ من جانب رسمي أمريكي.

وفي الفصل الـ13 الذي يسميه «الحرب الطويلة التي تنتظرنا» يؤكد ان الحرب ضد الإرهاب ما زالت في بدايتها وقد تستمر لدى الأجيال المقبلة. ثم يقدم تفاصيل عن المجموعات الإرهابية الناشطة في ساحة الشرق الأوسط والتي استوحت استراتيجيتها وايديولوجيتها من ايديولوجية اسامة بن لادن. ويعتبر ان بعض الانتصارات تحققت ضد هذه المنظمات وخصوصا في مجال القضاء على بعض قياداتها وبينهم بن لادن وبعض كبار أعوانهما، ولكن ايديولوجية «القاعدة» انتشرت في رقعة جغرافية أوسع مما كانت عليه.

ثم يستنتج قائلا ما يلي: «إن أكثر ما ساهم في انتشار ايديولوجية القاعدة ورفعها إلى المنزلة التي تحتلها الآن كان ما يُسمى «الربيع العربي» الذي خلق لها مناطق آمنة تستطيع الامتداد فيها، حيث ما كانت تستطيع فعل ذلك سابقا، وحيث بامكانها القيام بعملياتها الإرهابية واستقطاب المقاتلين والأموال والأسلحة.» (ص 304).

هذا ما يقوله الآن مسؤول كبير في الـ (CIA)، عمل في قسم مكافحة الإرهاب ثلاثين عاما وصادق الرؤساء، وأصبح نائبًا لمدير الاستخبارات المركزية الأمريكية!

ويبقى سؤال مرتبط بهذا الموضوع: إذا كان الربيع العربي كذلك، فلماذا روّجت له الإدارة الأمريكية ووزارة الخارجية وعددٌ كبير من نواب وشيوخ الكونغرس؟

وخلاصة كتابه انه إذا سُمح للقاعدة و»بناتها» بالاستمرار في مناطقهم الآمنة لوقت طويل فانهم سيحصلون على أسلحة الدمار الشامل يوما ما. وهذا الواقع أشارت إليه الوثائق التي عُثِر عليها بحوزة كبار قادتهم بعد القضاء عليهم، حسب قوله.

ويدعو إلى معالجة الأوضاع السياسية والاجتماعية التي تؤدي إلى انطلاق الإرهاب في بعض دول العالم الثالث، وإلى التعامل العسكري الفاعل ضدّ المجموعات الإرهابية وألاّ تقف أمريكا وأوروبا موقف المتفرج أمام هذه التطورات الخطيرة خوفا من الرأي العام المعارض في بلدانها.

ولكنّه لا يركز بما فيه الكفاية على ضرورة حلّ القضايا السياسية الأساسية العالقة في الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وعلى ضبط التجاوزات التي تقوم بها إسرائيل وحلفاؤها في المنطقة والعالم والتي تساهم في نشوء وانتشار الإرهاب.

وهنا نقطة الضعف في معظم الكتب والدراسات والمصادر الأمريكية والغربية حول الإرهاب في الشرق الأوسط وطريقة معالجته، حتى في المراجع الموضوعية منها نسبيا، ككتاب موريل.

Michael Morell: The Great War of Our Time: The CIA’s Fight Against Terrorism–From al Qa’ida to ISIS

Grand Central Publishing, New York 2015

384 pages

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى