النظام السوري يتقدم نحو تدمر: رسائل عديدة لعملية عسكرية
رأي القدس
حملت الأيام القليلة الماضية أنباء عن تقدّم لقوات النظام السوريّ وحلفائها من ميليشيات عراقية ولبنانية نحو مدينة تدمر الشهيرة المهمة استراتيجياً التي سقطت في أيدي قوات «الدولة الإسلامية» في شهر أيّار/مايو من العام الماضي بطريقة أثارت، وقتها، شكوكاً في أسباب انسحاب قوات النظام منها (باستثناء قرابة 100 جندي قُتلوا جميعهم) وعدم الدفاع عنها.
لتدمر قيمة كبرى في التاريخ البشريّ فقد كانت خلال حقبة حكم الملكة زنوبيا (حوالي 240-274 بعد الميلاد) من القوّة بحيث سيطرت على معظم أنحاء سوريا الحاليّة وأعلنت عصيانا على الإمبراطورية الرومانية، انتهى بهزيمتها وأسر ملكتها (رغم أن معنى اسمها باللغة الآرامية هو «البلد الذي لا يقهر»)، وقد تركت الحقب المختلفة فيها كنزا كبيراً من الآثار جعل المدينة في قائمة مدن التراث الإنساني حسب الأمم المتحدة.
الخسارة التي تكبّدها النظام آنذاك يمكن اعتبارها تضحية تكتيكية («جامبيت» باصطلاح الشطرنج) نتجت عنها فوائد استراتيجية كبيرة، فسقوط المدينة المليئة بآثار ذات قيمة إنسانية جعلتها مركز اهتمام وسائل الإعلام العالمية بحيث تراجع الاهتمام بالجرائم الوحشيّة للنظام ضد المدنيين أمام الحديث عن تفجير تنظيم «الدولة» لمعبدين أثريين (في تجاهل متعمّد لقائمة هائلة من استهداف النظام السوري، ولاحقا الروسي، لآثار كبرى في طول البلاد وعرضها)، ليتحول الموضوع الى مناحة إعلاميّة مبرمجة ساهم في تأجيجها النظام وتنظيم «الدولة» والإعلام العالمي.
لقد نشأت علاقة تخادميّة خطيرة بين النظام والتنظيم، فبفضل هذه الأجندة المركزية للطرفين، يتمّ استهداف كافة أطراف المعارضة السوريّة المسلّحة، ويرتفع، شيئاً فشيئا، منسوب الخوف العالميّ، والعربيّ من إمكان سقوط النظام، فتدمر، على سبيل التذكير،البعيدة عن العاصمة دمشق بحدود 250 كم، قريبة من الأردن (22 كم)، وهي كذلك على خط الحدود بين العراق والسعودية.
للأسباب الآنفة يحمل هجوم قوات النظام السوريّ الحالي على تدمر دلالات جديدة، ولا يمكن قراءته كاجتهاد شخصيّ للنظام الذي بنى كلّ استراتيجيته السابقة على المساهمة، بأشكال عديدة، في انتشار تنظيم «الدولة»، بل بالأحرى، كجزء من الطبخة السياسية الكبرى التي يجري الإعداد لها، في سوريا، كما في العراق، واليمن، وليبيا.
لذلك يجب أن يُقرأ التحرّك العسكريّ للنظام على خلفيّة التعديلات الجديدة التي دفعت روسيا لسحب جزء كبير من قوّاتها، وفي الوقت نفسه، بالتوازي مع الضغط العسكريّ الأمريكي على تنظيم «الدولة» في العراق وسوريا، والذي كانت آخر فصوله ما ورد من تغطية أمريكية للتحرّكات العسكرية العراقية باتجاه الموصل.
ويدخل في ذلك ما يشبه تثبيت المواقع بين طرفي النظام والمعارضة السورية المسلحة، وهو ما يعني، أن الإجراءات العسكرية المسموح بها الآن، لكلّ الأطراف، هي العمليات ضد تنظيم «الدولة»، وحسب.
كما يدخل فيها وجود تأهب عسكري أردني وسعودي على الحدود مع سوريا قابل للتدخل في أي لحظة في حال أدّت العمليات العسكرية الجارية إلى توجّه تنظيم «الدولة» نحو خاصرة الأردن، في درعا أو غيرها.
يلفت النظر، مع ذلك، ما تنشره «القدس العربي» في عدد اليوم من تصريحات لنائب الناطق باسم البيت الأبيض مارك تونر، والذي يقول فيها إن واشنطن لا ترحّب بدخول قوات الأسد إلى تدمر «لأن من المهم التذكير أن أحد أسباب وجود تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا هو نظام الأسد الذي قمع شعبه بوحشية وخلق فراغاً أدّى لنشوء مجموعة مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا»، مشيراً إلى أن قتال النظام للتنظيم لا يبرئه من عمليات القتل الوحشية لشعبه، وإلى أن النظام «تآمر مع تنظيم «الدولة» وخاصة في تجارة النفط، وركّز خلال السنوات الماضية على قتال المعارضة السورية».
كلام بليغ ولكن القصف الأمريكي على تدمر قبل أيّام يقول عكسه، وسكوت وسائل الإعلام العالمية عمّا تتعرض له تدمر من قصف روسيّ وأمريكي أكثر بلاغة.
القدس العربي