صفحات العالم

تركيا لأوروبا: إما الانضمام أو الوداع/ محمد زاهد غول

 

 

انقضى تاريخ استفتاء التعديلات الدستورية في تركيا، ولم تنته خلافاتها مع بعض الدول الأوروبية، التي اتخذت موقفا عدائيا غير مبرر من موضوع الاستفتاء، فهو في النهاية شأن تركي داخلي، ويمكن أن يجري في أي دولة في العالم دون استياء من دولة أخرى، إلا إذا كانت رؤية هذه الدول الأوروبية الانتقاص من سيادة الدولة التركية، أو تنتقص من حق الشعب التركي أن يختار نظامه الرئاسي.

وفي كل الأحوال كان يكفي بعض المسؤولين الأوروبيين السكوت على أخطائهم ضد تركيا وشعبها، بعد نجاح الاستفتاء «بنعم»، إلا أنها استراتيجية أوروبية تعارض فيها امتلاك تركيا قرارها السياسي المستقل، وتعارض نهوضها الاقتصادي إلا بموافقتها.

الأدلة على هذه المواقف العدائية ضد تركيا وشعبها كثيرة ومتنوعة، ومنها تأخير انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لأكثر من نصف قرن، وليس بسبب وجود حزب العدالة والتنمية وأردوغان في الحكم، ومنها إيواء بعض الدول الأوروبية لقادة الأحزاب الإرهابية المحاربة لتركيا وشعبها، سواء عناصر تنظيم فتح الله غولن الذي قاد انقلابا عسكريا قاتلا لأبناء الشعب التركي في يوليو 2016، أو إيواء قادة وعناصر من حزب العمال الكردستاني، الذي يعلن حربه على تركيا منذ أربعة عقود، بعلم ودعم من بعض الدول الأوروبية، إيواء جمعيات تدعي تمثيل الأقلية الأرمنية في تركيا، وتنشر أكاذيبها حول مزاعم الابادة الأرمنية بين برلمانات الشعوب الأوروبية، فضلا عن العلاقات المشبوهة لبعض الدول الأوروبية مع المعارضة التركية السياسية لعرقلة الاستقرار والمشاريع الاقتصادية الكبرى. تصريح الرئيس التركي بعد نجاح الاستفتاء، خلال حفل أقيم بمناسبة عودته إلى عضوية الحزب: «بأن أمام أوروبا بعد الآن خيارين اثنين، إما فتح الفصول التفاوضية حول العضوية التي أحجمت عن فتحها حتى اليوم، وإما نقول لهم وداعًا»، فالانتظار لا يمكن أن يكون إلى الأبد، وتركيا تعلم أن الاتحاد الأوروبي لن يجرؤ على رفض انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بقرار سياسي، وإنما سوف يبقى يماطل ويضع الشروط الابتزازية، ولذلك فإن على أوروبا أن تتوقع سماع: وداعاً من الشعب التركي في يوم من الأيام، عندما يجعل الشعب التركي هذا القرار شرطا على انتخاب الرئيس التركي القادم.

التسهيلات السياسية والمالية التي تقدمها بعض الدول الأوروبية للإرهابيين المحاربين لتركيا ليس دعما عبثياً، ولا بد ان تقدم هذه الدول الأوروبية أجوبة صحيحة ومقنعة للشارع التركي عن أسباب هذا الدعم، ولن ينفع هذه الدول التذرع بالقيم الغربية الديمقراطية وحقوق الإنسان والانسانية وحرية التعبير والاعلام وغيرها، لأن هذه الدول نقضت هذه القيم الأوروبية عندما منعت وزراء رسميين اتراكاً من مخاطبة الجاليات التركية في دولها، فإما ان تعترف هذه الدول بازدواجية المعايير، وأن القيم الأوروبية لا تنطبق على كل الشعوب، وهذه عنصرية صريحة، وبالأخص نحو الشعب التركي ووزرائه ومسؤوليه، فالشعب التركي يرى أن القيم الأوروبية سقطت على أيدي العنصريين الأوروبيين، والأحزاب اليمينية المتطرفة.

تركيا أمام خيارات سياسية كثيرة عالمياً، ولا يملك الاتحاد الأوروبي او غيره تغيير موقع تركيا الجغرافي ولا الجيوسياسي ولا علاقاتها مع العالم، فتركيا دولة حرة ومستقلة، تستطيع رسم علاقاتها الدولية بمعزل عن القيود الأوروبية أو الأمريكية أو الروسية أو غيرها، فقد استجابت لدعوة الصين للمشاركة في قمة «مبادرة الحزام والطريق»، الذي تسعى الصين من خلالها للتوغل بالشؤون الدولية، ورصدت له 2 ترليون دولار أمريكي، وتشارك فيه 28 دولة في العالم، ومشاركة أردوغان بهذه القمة، بعد زيارته لروسيا بأسابيع، وقبل زيارته لأمريكا ولقائه الرئيس الأمريكي ترامب بيومين، دليل على ان أبواب العلاقات الدولية الكبيرة مفتوحة على مصراعيها أمام الرئاسة والحكومة التركية. وعلى الدول الأوروبية ان تدرك ان العلاقات الدولية آخذة بالتغير، ليس في أوروبا فقط، وبدايات تفكك الاتحاد الأوروبي على أيدي مؤسسيه، وإنما في العالم اجمع، وقد شهد العالم تراجعاً في تأثير أمريكا على القضايا الدولية في السنوات الأخيرة، وبالتالي فإن الأهمية العالمية لأوروبا في تراجع كبير، وأحادية القطب الواحد بزعامة العالم أصبحت من الماضي، فقد فقدت امريكا القدرة على القيام بهذه المهمة، بسبب ارتكاب إداراتها السابقة أخطاء مدمرة، مثل حربها في أفغانستان وفي احتلال العراق، والإدارة الجديدة لترامب لن تستطيع إصلاح ما أفسده الآخرون، ومن غرائب السياسة الأمريكية الجديدة تصريح نائب وزير الخارجية الأمريكي:» إن دعم أمريكا لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، دعم مرحلي وتكتيكي»، أي أن الساسة الأمريكيين لا يتوانون عن الاعتراف بالفشل وابتزاز واستغلال الآخرين لتحقيق اهدافهم، وهذا ما سبق وحذرنا منه الأخوة الأكراد، بألا يكونوا أدوات بأيدي الدول الاستعمارية التي تسعى لتقسيم المنطقة والهيمنة عليها.

لقد اعلن الرئيس أردوغان بعد عودته من امريكا ولقائه ترامب بيوم واحد: «إن بلاده لن تشارك مع وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي في أي عملية، وستقوم بضربهما في حال شكلا أي تهديد لتركيا وفق قواعد الاشتباك، ودون أي إذن أو تفاوض»، وأضاف:» إنه أخبر الجانب الأمريكي بأن القوات التركية لن تشارك معهم في معركة الرقة، إلى جانب تنظيم وحدات حماية الشعب الإرهابية»، وفي هذه الكلمات رسالة إلى دول الاتحاد الأوروبي أيضاً، بان تركيا خرجت من مرحلة التسول على أبواب اوروبا، وأن لدى تركيا القدرات السياسية والاقتصادية التي تجعل الاتحاد الأوروبي يعيد حساباته نحو تركيا وشعبها.

كاتب تركي

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى