«حزب الله»: من حركة مقاومة إلى جيش احتلال؟
رأي القدس
انتبه كتّاب عديدون إلى ظاهرة غريبة تتعلق بالحجج والممارسات التي يقوم بها «حزب الله» اللبناني في تماثلاتها الغريبة مع حجج وممارسات العدوّ الإسرائيلي الذي قاتله الحزب على مدى عقدين.
من ذلك حجّة العمل الاستباقي في سوريا «بهدف تأمين سلامة اللبنانيين» والذي يماثل مبدأ «سلامة الأراضي الإسرائيلية» التي اعتمدها جيش الاحتلال في معظم عملياته داخل الأراضي اللبنانية، ومنها حجة الأضرحة والمزارات الدينية التي يستخدمها المستوطنون المتطرفون في مدينة الخليل، أو فلسفة الاحتلال بدعوى «الدفاع عن تاريخ أو عن مقام يتهدده الشر ويكاد يكرر «مأساته الأولى».
هناك تماثلات أخرى عديدة منها عدم تورع الحزب، مثله مثل إسرائيل، عن الدخول في صدام ديني ومذهبي مع المحيط العربي والسنّي، وبناء الأذرع الخارجية «الطويلة»، والتكتل حول بؤرة عسكرية وأمنية صلبة، وصولاً إلى غرور القوة لدى جمهور يستخدم مقولات المظلومية التاريخية وسرديات التهميش والقمع في الماضي لتبرير أفعال الحاضر.
وصلت هذه النمطية التماثلية إلى ذروة لها قبل أيام مع قيام «حزب الله» باستعراض ما يشبه جيشا نظاميّا وأين؟: في بلدة القصير السورية (التي كانت السيطرة عليها عام 2013 أول «انتصارات» الحزب على قوّات المعارضة السورية)، وهي البلدة التي أدّت المعركة المذكورة إلى جعل سكانها مطاردين أو نازحين.
أثار استعراض «حزب الله» العسكري الكثير من ردود الفعل السورية واللبنانية والعالمية لأسباب بينها إظهاره قوّاته بتشكيل جيش نظامي مزوّد بدبابات وناقلات جند وآليات مدرعة ومدفعية ميدان، وكون بعض هذه الدبابات أمريكية الصنع، ومخاوف بعض الساسة اللبنانيين من نقل آلة الحرب هذه إلى لبنان، وإنكار الجيش اللبناني أن تلك الآليات ملكه، وتساؤل الولايات المتحدة الأمريكية عن كيفية وصول أسلحتها الحديثة إليه الخ…
لكنّ أكثر ما أثار الجدل والنقمة على الحزب، بين السوريين خصوصا، كان ذلك التموضع الجديد له في صورة المحتلّ والمنتقم تاريخيّاً والمستقوي على الشعب بنظام وحشيّ كاسر.
لقد خاض الحزب بالنسبة إليهم، حرباً لوأد أحلامهم في التغيير، والخلاص من عهد الدكتاتورية الذي ورّث فيه حافظ الأسد بلداً بأكمله لابنه، وقام باحتلال بلدات وقرى وأحياء هجّر أهلها وغيّر فيها الديمغرافيا السكانية لصالح مشروع طائفيّ، وهذا كلّه أسقط مصداقية هذا الحزب وجعله قوة احتلال طائفية وموضوع كراهية في تبدّل مذهل عن العقود الأخيرة من القرن الماضي التي بلغت فيها جماهيرية الحزب بين السوريين والعرب ذروتها.
أظهر ما فعله الحزب في سوريا (إضافة إلى ممارسات أذرعه وتدخلاته في العراق واليمن ودول أخرى) حالة عري أيديولوجيّ لمنظومة سياسية عربية كاملة وأدى لانكشاف فاضح لا تفيد معه الادعاءات والتبريرات.
لقد أظهرت ممارسات غطرسة القوة والاحتلال والتهجير والتغيير الديمغرافي أن نزاع الحزب مع إسرائيل (الذي كان قد رفع رصيده العربي والإسلامي إلى ذرى كبرى) تمخّض عن اشتباك مدروس للتخديم على تطبيع إيران علاقاتها مع العالم وتزييت عجلات مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى، وصولاً إلى الاتفاق النووي المعروف، والتحالف الموضوعي الأمريكي – الإيراني على جبهة واسعة تمتدّ من أفغانستان مروراً بالعراق وصولاً إلى سوريا ولبنان.
إعلان نعيم قاسم، نائب الأمين العام للحزب، أمس أنه أصبح لديه جيش مدرب ولم يعد يعتمد أسلوب حرب العصابات هو إعلان سياسي وليس عسكرياً. وأحد معانيه أنه طلب اعتماد لدى القوى الكبرى لتوظيفه في حملتها لـ «مكافحة الإرهاب»!
المسافة بين مقاومة إسرائيل والمشاركة في قمع شعب شقيق هي المسافة بين القصير والجنوب اللبناني حيث كان يجب لـ»الجيش المدرّب» أن يستعرض.
رأي القدس
القدس العربي