صفحات الناس

رغم اللجوء والفقر… لماذا يُصرُّ السوريون في تركيا على إنجاب الكثير من الأطفال؟

 

 

 

نسرين أنابلي

غازي عنتاب ـ «القدس العربي»: كثيرة هي الأزمات التي يعيشها اللاجئون السوريون في تركيا، فهي تبدأ بتأمين لقمة العيش والمسكن المتواضع، مروراً بأزمات البحث عن فرص عمل والراتب المنخفض، وصولاً للأوضاع القانونية المعقدة كعدم وجود جوازات سفر ودفتر العائلة، وصعوبة في استخراج بطاقة الحماية المؤقتة «الكيمليك» وغيرها الكثير.

لكن هذه الأزمات كانت مترافقة مع ارتفاع ملحوظ بنسبة الأطفال المولودين في تركيا خلال السنوات الست الماضية. وغياب الوعي والقدرة لدى الأهل على تحمّل مسؤولياتهم تجاه أطفالهم.

عدوى إنجاب الأطفال

محاكاة ظاهرة ما منتشرة في المجتمع والانخراط فيها مازالت تسيطر على سلوك السوريين في تركيا، وفي مقدمة هذه الظواهر كثرة إنجاب الأطفال. حيث تحول الأمر لمجرد حالة تُمارس بشكل روتيني وبدون أي تخطيط أو استعداد مادي ونفسي، وطبعاً كل هذا يتم تحت عنوان «ما وقّفت عليي… الكل عم يجيب ولاد».

ففي تصريح لنائب رئيس الوزراء التركي لطفي ألوان في تموز/يوليو 2016، بلغ عدد الأطفال المولودين في تركيا حوالي 189 ألف طفل منذ إندلاع الثورة السورية وحتى الآن، في حين كانت نسبة الولادات حتى نهاية عام 2013، (7600) طفل فقط.

رهام لاجئة سورية وأم لثلاثة أطفال، إثنان منهم ولدوا في تركيا، إضافة لطفل فقدته منذ عام بسبب مرض خطير، تستعد لتكرار تجربة الإنجاب رغم الحالة المادية التعيسة التي تعيشها، وتأمل أن تعوّض «الصبي» الذي توفى بآخر، تقول رهام لـ»القدس العربي»: «صحيح أن لدي ثلاث بنات ولكن أنا وزوجي نرغب في إنجاب صبي بدلاً من الذي توفي، أريد ولداً يُعين والده عندما يكبر»، الفقر المدقع الذي تعانيه رهام وأسرتها لم يكن دافعاً لها لكي تفكر ملياً قبل مجيء طفلها للحياة، فهي كغيرها من بعض السوريين المقتنعين بأن «الولد بيجي وبتجي معو رزقتو».

وحسب تقرير صدر منتصف العام الماضي للمديرية العامة لإدارة الهجرة في تركيا، فقد بلغ عدد الأطفال من إجمالي عدد السوريين الموجودين في تركيا حوالي مليون طفل،وبلغت نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم مابين الـ 0 ـ 4 سنوات 27% من إجمالي عدد الأطفال جمـيعاً.

غير أن هذه النسبة غير دقيقة بشكل تام بسبب وجود الولادت في المـنازل وغير الموثقة في المستشفيات أو عند دوائر الأحوال الشخصية التركية، لتصـبح مع الوقـت ولادات مجـهولة.

ارتفاع أسعار مستلزمات الأطفال من حفاضات وثياب وأدوية وغلاء المعيشة عموماً، لم يشكل عائقاً يستحق الوقوف عنده لدى عبير التي أنجبت طفلين منذ قدومها لتركيا عام 2014 ليصبح مجموع ما لديها 6 أطفال.

تقول عبير «كنت أقوم بإعادة خياطة الملابس التي لم تعد صالحة لأولادي الكبار لأجعلهم مناسبين للأصغر منهم سناً وكثيراً ما يقوم بعض الأقارب أو المعارف بإعطائي بعض المستلزمات التي لم يعودوا بحاجة لها كعربة الطفل أو الألعاب وبعض الثياب». واختتمت عبير حديثها قائلة «قمت بتربية 4 أطفال من قبل، ولا أجد مشكلة في تربية طفلين آخرين، فالتعب هو نفسه في كلا الحالتين».

عبير هي واحدة من الكثيرات ممن اختصرن مسؤولية تربية الطفل بتأمين الملابس والطعام فقط تاركاتمسألة الدراسة والتعليم للظروف ومن يعيش في المدن المكتظة بالسوريين كغازي عنتاب وكيليس في الجنوب التركي، سيلاحظ كثرة الأطفال الذين لا يرتادون المدارس بسبب الفقر أو تشغيلهم لمساعدة أسرهم في مصاريف المنزل فحسب المفوضية العامة للاجئين، تجاوز عدد الأطفال الذين لا يرتادون المدرسة 550 ألف طفل، فيما يذهب للمدرسة خلال العام الدراسي 2016/2017 (380) ألف طفل فقط.

الفكر الديني والموروث الشعبي

وتلعب الأفكار الدينية، مثل تحريم الإجهاض، دوراً في زيادة الإنجاب لدى السوريين، بالنسبة إلى هؤلاء الإجهاض في أي عمر كان، هو قتل للنفس إذ إن نسبة كبيرة من النساء والعائلات السورية، تظن أن الإجهاض أمر غير قانوني أو أنه محرّم شرعاً إضافة لسيطرة الأفكار والموروثات الشعبية التي تشجع على تكوين عائلة كبيرة غير أنه يغيب عن أذهان الكثيرين أن تكوين عائلة كبيرة يتطلب حداً أدنى من الشروط والمعايير المادية والاجتماعية فمازال الكثيرون ينظرون لفكرة تكوين أسرة من معيار كمّي فقط ، بغض النظر عن نوعية الحياة التي يمكن تعيشها عائلة لديها 5 أو 6 أطفال غير متعلمين ولا يتلقون الرعاية الطبية والنفسية اللازمة.

أما أحمد فلديه مبررات مختلفة عمّا سبق لاستمراره في إنجاب الأطفال فهو يعتقد أن سوريا خسرت خلال سنوات الثورة الكثير من الشباب والأطفال، لذا يعتبر أنه من الضروري تعويض هؤلاء المتوفّين بغيرهم لكي يعيديوا بناء بلدهم عندما تنتهي الحرب في سوريا، أحمد الذي أنجب 6 أطفال حتى الآن ثلاثة منهم في تركيا يقول لـ»القدس العربي»، «سأستمر بإنجاب الأطفال وسأعلمهم كيف يحبون وطنهم، وأن مسؤولية إعادة البناء تقع على عاتقهم مستقبلاً»، لكن كيف سيُبنى الوطن بأطفال غير متعلمين وغير مؤهلين فكرياً وإجتماعياً؟

غياب التوجيه والتوعية

معظم الجمعيات والمنظمات الموجودة في تركيا والتي تُعنى بشؤون المرأة بشكل خاص، تقتصر خدماتها على تقديم الدعم النفسي من آثار الحرب، إضافة لتعليم النساء بعض المهن والحرف اليدوية، لتمكينهن من إعالة أطفالهن وأسرهنَّ لكن هناك غياباً واضحاً للمبادرات والحملات التوعوية التي تهتم بنشر الوعي لدى النساء والأزواج عموماً بخصوص تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية وأدوات تنظيم الإنجاب والواقع المرير الذي يعيشه الأطفال السوريون في تركيا يحتّم ضرورة وجود جهات تُولي اهتماماً لمسألة تقنين الولادات ورفع مستوى الوعي بضرورة الحد من هذه الظاهرة فتعليم الحرف اليدوية والمهن ليس هو الشيء الوحيد الذي سيساعد السوريين على تحسين مستوى معيشتهم، بل لا بد أن يُنمّى الوعي لدى اللاجئين بضرورة ضبط عملية الإنجاب، وتنمية الإحساس بالمسؤولية تجاه فكرة إنجاب وتربية الأطفال لكي لا تبقى عشوائية كما هو الحال عليه الآن إضافة لبيان المخاطر التي تترتب على هذه المشكلة كحرمان أولادهم من التعليم والعمالة والزواج المبكر بالنسبة للفتيات لتخفيف الأعباء المادية عن الأهل.

ن نسرين أنابلي

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى