مراجعات كتب

روجر هاردي في «البئر المسممة: الإمبراطورية وإرثها في الشرق الأوسط»: الغرب لم يفهم بعد أسباب نشوء القومية العربية والإسلامية/ سمير ناصيف

 

يؤكد الصحافي والباحث البريطاني روجر هاردي في كتابه الصادر مؤخراً بعنوان «البئر المسممة» أن الأزمات والنزاعات الناشبة حاليا في العالم العربي لها جذورها في الماضي الاستعماري الذي تعرضت له دول المنطقة خصوصاً في مرحلتي الحربين العالميتين الأولى والثانية وبعد انهيار السلطة العثمانية وتطبيق نظام الانتداب. ومن الصعب، في رأيه، فهم الصراع العربي ـ الإسرائيلي أو نشوء الراديكالية الإسلامية أو أسباب غياب الديمقراطية في الشرق الأوسط من دون العودة إلى هذه الحقبة التاريخية.

وبالتالي، فإن الكاتب يعتبر ان مقاربة كتابه تركز على توضيح خلفيات الصراعات لتحقيق الاستقلال في عشر دول تواجهت شعوبها وقادتها مع استعمار أجنبي كان يسعى بشكل رئيسي للسيطرة على الموارد الطبيعية والنفطية التي توافرت في معظم هذه الدول (الدول العربية وإيران وتركيا) عبر توسيع نفوذه ووجوده فيها.

المقاربة الأساسية في الكتاب هي حسب قوله ان الاستعمار الأجنبي ليس المسؤول حصراً عن التطورات السياسية والعسكرية التي حدثت في المنطقة، برغم ان سياسات الدول الاستعمارية لعبت دوراً هاماً وأساسياً في احداث هذه التطورات، وأن الغرب لم يفهم بعد وحتى الساعة أسباب نشوء القومية العربية والإسلامية.

الدول التي تناولها الكتاب هي تركيا وإيران والسعودية وسوريا وفلسطين والأردن ومصر والعراق والجزائر واليمن.

ويشير هاردي في الصفحة (198) إلى ان بريطانيا وفرنسا فرضتا حدوداً مرتجلة خلال انتدابهما على المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، وهذه الحدود فُرضت لكي تستمر هيمنة الدولتين الاستعماريتين على الخيرات الطبيعية لهذه الدول.

ويضيف ان الدول والمجموعات السياسية التي انبثقت عن مرحلة الانتداب البريطاني ـ الفرنسي لم تتعامل بديمقراطية مع الأقليات الدينية والاثنية المقيمة فيها وبعضها نكّل بهذه الأقليات وهجّرها متهماً إياها بالعمالة للاستعمار ومستخدماً نشوء إسرائيل كحجة للممارسة السلطوية الاستبدادية ضد هذه الأقليات.

ويعتبر ان مرحلة القضاء على الاستعمار والهيمنة الأجنبية على المنطقة لم تصل إلى نهايتها بعد وان المشكلة لم تكن فقط في اتفاقية «سايكس بيكو» التي قسّمت المنطقة بشكل عشوائي بل باستمرار الدول الأجنبية في التدخل السياسي والعسكري في شؤون دول المنطقة حتى الساعة وكأن لها الحق في القيام بذلك أو عبر اختلاق الحجج لتبرير تدخلاتها ولدعم قادة دكتاتوريين لا يتمتعون بتأييد شعوبهم ويخدمون مصالح الدول الأجنبية.

ورغم ان بعض قادة المنطقة، مثل محمد مصدق في إيران وجمال عبد الناصر في مصر وقادة المقاومات العربية والإسلامية، بذلوا مجهودا كبيرا لمواجهة استمرار الاستعمار للمنطقة بشكله الجديد، فإن ثوراتهم ومواقفهم الجريئة أخمدت أو يتم السعي لإخماد ما تبقى منها.

واستند المؤلف إلى مراجع أولية ومقابلات ومطالعة مذكرات كبار اللاعبين السياسيين في المنطقة أو الذين ما زالوا على قيد الحياة، وتوصل إلى نتيجة هي أن الغرب لم يدرك حتى الساعة الدوافع التي أدت إلى نشوء القومية العربية والإسلامية والمقاومات والثورات الداعية إلى التحرر من الهيمنة الأجنبية على شؤون المنطقة في الأشكال المختلفة التي تتخذها حالياً أو انه يتجاهل عن قصد محاولة فهم هذه الدوافع.

في الفصل الأول، يتطرق هاردي إلى تركيا، ويؤكد انه بعد وفاة القائد مصطفى كمال اتاتورك عادت القيادات والجماهير التركية التي أيدته وتبعته إلى اعتناق المبادئ الإسلامية السياسية في وقت تزامن مع تصاعد دور المؤسسة العسكرية التركية وحصلت صراعات بين الجانبين أوصلت إلى القيادة التركية الحالية. ويشير إلى ان معظم القيادات العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كانت من نتاج الدور الكبير والطويل الذي لعبته السلطنة العثمانية في المنطقة حتى الحرب العالمية الأولى وخلال بسط سيطرتها السياسية على دولها.

اما أهم ما ورد في الفصل الثاني من الكتاب عن نشوء وتطور المملكة العربية السعودية فهو إشارة الكاتب إلى الوعد الذي قدمه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في نهاية الحرب العالمية الثانية إلى مؤسس الدولة السعودية الملك عبد العزيز آل سعود بان أمريكا ستتعهد بالدعم السياسي والعسكري للسعودية والدفاع عن القضايا العربية، وخصوصا قضية حقوق الشعب الفلسطيني، مقابل السماح لها بالتنقيب عن النفط واستخراجه في منطقة الظهران السعودية الشرقية.

ورأى ان نشاط شركة «أرامكو» في السعودية شكل انطلاقاً لوعي اجتماعي ونقابي واقتصادي في البلد.

ويشير المؤلف انه بعد الحرب العالمية الثانية. تصاعد دور الولايات المتحدة في المنطقة على حساب الإمبراطورية البريطانية، وبالتالي، التي لم تكن مرتاحة لانتشار وتوسع سلطة آل سعود في المنطقة على حساب العوائل العربية المقربة منها.

في الفصل الثالث من الكتاب الذي تناول الوضع في سوريا مطلع القرن الماضي، يشير الكاتب إلى ان الجنرال الفرنسي شارل ديغول كان منزعجاً خلال وبعد الحرب العالمية الثانية بسبب محاولات تقويض دور فرنسا لمصلحة بريطانيا في سوريا ولبنان وأنه اختلف مع وزير الدولة البريطاني لشؤون المنطقة الجنرال ادوارد سبيرز في هذا المجال مما اضطر رئيس الحكومة البريطانية الجديد (آنذاك) انتوني ايدن إلى إقالة سبيرز من منصبه.

وفي الفصل الرابع يتطرق إلى فلسطين، ويشير المؤلف إلى ان قاد الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد مشروع بريطانيا للسماح بهجرة اليهود إلى فلسطين وإقامة وطن لهم في ثلاثينيات القرن الماضي كان عز الدين القسام فيما كان القائد الأقوى والأكثر فعالية ميدانياً في اربعينيات القرن الماضي المقاوم عبد القادر الحسيني. والقائدان استشهدا، فقُتل الأول على ايدي قوات الاستعمار البريطانية في جنين عام 1935 والثاني في معركة قرب القدس مع القوات الصهيونية عام 1948 بعد تنظيمه عمليات مقاومة فاعلة ضد فرض انشاء دولة إسرائيل، علما ان القسام قاد ثورة 1936 ـ 1939 ضد المشاريع الصهيونية المدعومة من بريطانيا في فلسطين.

وفي الفصل الخامس، يتناول دور الملك الأردني عبد الله الأول في المشاريع البريطانية في المنطقة التي طرحها وروج لها وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرتشل والذي وعد الملك عبد الله بانه سيوسع مملكته في الأردن مقابل تعاونه مع بريطانيا في فلسطين. كما يوضح المؤلف دور الجنرال البريطاني جون غلوب الذي جمع القبائل الأردنية في بوتقة الجيش الأردني ودعم العرش الأردني، علماً ان الملك الأردني آنذاك (حسب الكتاب) وعد بان مملكته ستتوسع لتشمل الضفة الغربية العربية لتنسيقه مع بريطانيا، لكن المشاعر القومية العربية والفلسطينية المعارضة لذلك كانت قد تطورت في المنطقة ما أدى إلى اغتياله عام 1951.

وفي الفصل السادس المخصص لإيران، يركز هاردي على أسباب فشل محمد مصدق، رئيس الوزراء في مطلع الخمسينيات، في الاستمرار في مشروعه لتأميم النفط الإيراني رغم تعاونه مع الرئيس الأمريكي هاري ترومان، خلال مواجهته لبريطانيا، إذ ان صعود دوايت ايزنهاور إلى الرئاسة الأمريكية بدل الأمور.

لدى قراءة صفحات الكتاب المعنية بهذا الموضوع، يتبين ان الصراع لم يكن فقط بين الشعب الإيراني والاستعمار البريطاني بل كان أيضا بين بريطانيا وأمريكا للسيطرة على النفط الإيراني علماً ان بريطانيا كانت قد أنشأت ما سمي «بريطانيا الصغيرة» في عبادان (منطقة تواجد النفط الإيراني) التي تعرضت للتأميم عام 1951 عندما حول مصدق شركة النفط البريطانية (AIOC) إلى شركة وطنية.

وفي الفصول التالية يتطرق المؤلف إلى دور الاستعمار في التطورات في العراق والجزائر واليمن في منتصف القرن الماضي وأهمية تسلم الرئيس جمال عبد الناصر السلطة في مصر آنذاك ودعوة عبد الناصر إلى الوحدة العربية لمواجهة الاستعمار وإسرائيل مما أدى إلى وقوع انقلابات عسكرية في المنطقة.

وكان الرئيس المصري تواجه مع الدول الغربية بخصوص ملكية قناة السويس وعدم مساهمة هذه الدول في تمويل سد أسوان فقرر رئيس الحكومة البريطاني انتوني ايدن، بالتعاون مع فرنسا وإسرائيل عام 1956 شن هجوم على مصر وتم إفشاله وإيقافه بفضل تدخل الرئيس الأمريكي ايزنهاور وفرضه هدنة على ايدن وأعوانه أدت إلى استقالته من منصبه. ويركز هاردي في الفصل المخصص لمصر على خطورة التدخل العسكري الميداني للدول الأجنبية في شؤون المنطقة التي تطورت في العقود اللاحقة إلى ان أدت إلى الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 الذي كان، في رأيه، كارثياً وما زالت تفاعلاته السلبية مستمرة.

وفي الفصل عن الجزائر، يشير المؤلف إلى ان الرئيس عبد الناصر دعم الثورة الجزائرية ضد فرنسا بتزويد الثوار هناك بالأسلحة والدعم المالي ما ساهم في نجاح هذه الثورة في انتزاع الاستقلال من فرنسا. وبالنسبة إلى اليمن، يؤكد انه لولا نجاح الثورة في مصر بقيادة عبد الناصر لما تصاعدت موجة القومية العربية فيه حيث كان الاستعمار قد أسس محمية نفطية في عدن تحولت إلى ما يشبه الولاية في الإمبراطورية البريطانية.

المؤلف:

Roger Hardy : The Poisoned Well, Empire and Its Legacy in the Middle east

Hurst and co. London, 2016

pages 272

 

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى