عندما تفشل الخطط الأمريكية/ بلال داود
■ كانت الخطة الأمريكية من البداية تقضي في محصلتها مغادرة الأسد ومجموعة من حوله وبقاء النظام، على غرار ما حصل في مصر.
فقد أوعزوا لمبارك هناك أن يتنحى ويبقى النظام مستمرا من خلال المجلس العسكري، ولكن الخطة تعثرت عندما فشل مرشح العسكر الفريق محمد شفيق في اجتياز الانتخابات، مقابل عدد من المرشحين يمثلون الشرائح المختلفة للشعب، وكان المفروض أن ينجح أمام هذا الكم المتشرذم من المرشحين. ثم جاء تأكيد الفشل بخسارة دور الإعادة أمام مرشح الإخوان المسلمين – الذين وقعوا في الفخ هم أيضا. بعد الفشل الثاني لشفيق كان الرهان الامريكي على فشل محمد مرسي وسقوطه شعبيا، ولكن ذلك بدا بعيدا، بعد أن استطاع خلال عام (مدة حكمه) تحسين أداء الاقتصاء المصري، وقدم بعض الحلول للمشكلات الاجتماعية، فحركت مجموعة الإنقاذ ومجموعة تمرد شعبيا، ثم مجموعة العسكر لتبدو العملية استجابة لمطالب الشعب، في حين أنها كانت تنفيذا مباشرا لخطة انقلابية عسكرية، وتمت إعادة انتاج النظام بكل تفاصيله، بل أسوأ. فالرئيس الحالي لا يملك اي برنامج أو خبرة أو دراية في إدارة شؤون الدولة، وتبين لجبهة الإنقاذ وغيرها أنها كانت مجرد كومبارس على المسرح الكبير ، ولذلك اختفت شخصياتها عن المشهد السياسي بعد إعادة إنتاج النظام.
في سوريا تمت محاولة تلافي الأخطاء التي وقعت في الشقيقة الكبرى، بأن تم العمل على الإتيان بمجموعة لقيادة البلد وكأنها جاءت باسم الثوار، ومن داخلهم، وهذه بالضبط كانت خطة السفير فورد بالتعاون مع رياض سيف، بغض النظر إن كان سيف يعلم مسبقا أنها خطة إعادة انتاج النظام، أم غرر به تحت ذريعة سيطرة الإخوان المسلمين على المجلس الوطني.
عمل سيف على إقناع عدد من المعارضين في الداخل للخروج من سوريا، لغرض تشكيل كيان سياسي جديد على أنقاض المجلس الوطني، تتم السيطرة عليه لإبعاد الإخوان المسلمين، ولم يكن الرجل بحاجة لإقناعهم أو إقناع غيرهم بضرورة إبعاد الإخوان المسلمين عن السيطرة، فمصر كانت ما تزال تحت حكم محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين في مصر، وسيطرة حركة النهضة في تونس، ووجود واضح للشخصيات الإسلامية في ليبيا ومعظمها محسوب على جماعة الإخوان المسلمين.
مضت الخطة فعلا بإقناع عدد من الشخصيات المعارضة بمغادرة دمشق إلى باريس اولا ثم إلى الدوحة وبعدها إلى استانبول، حيث المقر الرئيسي للثورة السورية بحكم الجوار أولا، وبحكم الحرية المتاحة هناك ثانيا، وحرية الانتقال من وإلى تركيا بالنسبة للسوريين فهي لا تحتاج إلى فيزا للدخول. لإقناع الإخوان المسلمين بعدم الممانعة لهذا التغيير جيء بمجموعة محسوبة على الإخوان المسلمين بطريقة ما لتقوم بصياغة النظام الداخلي لهذا الكيان السياسي الجديد، ودفع إلى الواجهة بشخصية لا يستطيع الإخوان رفضها، فهو متزوج من ابنة إحدى شخصياتهم العريقة، بالإضافة إلى أن عائلة أمه بكاملها عانت السجن والاعدام والنفي، بسبب انتمائها لجماعة الإخوان المسلمين. تم اقناع رئيس الوزراء السوري بالانشقاق عن النظام، على شرط إعادته رئيسا لوزراء الثورة في المرحلة الانتقالية، ولعل ذلك يفسر بعض ما تناقلته وسائل الإعلام الأردنية من أن الحكومة الأردنية لم تسمح بدخوله أراضيها ومعه عائلته المكونة من 27 شخصا، إلا بعد الحصول على موافقة القصر الجمهوري.
وكان من بنود الائتلاف عند التأسيس أن يقوم بتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة من خارج أعضائه، ولذلك حضر رئيس الوزراء المنشق اجتماع تشكيل الائتلاف الوطني، ولكنه لم يعين عضوا في الائتلاف ليكون ذلك مقدمة لتعيينه رئيسا للحكومة المؤقتة للثورة من خارج أعضاء الائتلاف. تمت أكثر من محاولة لإعادة تعيين رئيس الوزراء المنشق رئيسا لحكومة انتقالية، أو رئيسا للائتلاف، ولكنها فشلت، مما يشير إلى ضعف السيطرة على كامل أصوات الأعضاء، فتم إهمال الائتلاف، إذ لا يمكن الاعتماد عليه لإعادة إنتاج النظام. عقدت مؤتمرات عديدة في جنيف وغيرها، وكان ذلك بمشاركة الائتلاف الوطني في البداية، ثم انتهى ذكره حتى في نشرات الأخبار في مؤتمر فيينا الأخير الذي حضرته روسيا وإيران، وكان خلاصة الحوار فيه يتناول احتمال رحيل الأسد وبقاء النظام تحت ذرائع مختلفة… ولم يعد ذلك خافيا على أحد من السوريين أو المتتبعين للشأن السوري.
قبل أن يلفظ الائتلاف الوطني أنفاسه الأخيرة تم تكرار مشهد الولادة الناجحة للائتلاف من خاصرة المجلس الوطني، فتمت دعوة قسم من أعضائه، وتمت اضافة أعضاء من هيئة التنسيق وبعض الشخصيات المستقلة وولدت الهيئة العليا التي ستقود مرحلة التفاوض مع نظام الأسد.
اليوم تمكن الدكتور رياض حجاب من تسلم الدفة في المركب الجديد لقيادة الثورة السورية، بعد محاولات متكررة دامت أكثر من ثلاث سنوات، والله وحده يعلم إن كان ذلك يعتبر فتحا مبينا للمعارضة، أم هو اختراق فظيع لإعادة الخطة الأمريكية التي بدأها السفير فورد قبل خمس سنوات إلى السكة الصحيحة.
في الختام لابد من الإشارة إلى أن معرفة النوايا أمر يختص به الله سبحانه وتعالى فقط، ولكن يسمح للانسان أن يتساءل عن خلط الأوكسجين بالهيدروجين هل ينتج غير الماء وقديما قال آباؤنا (خض المي بتبقى مي) ومن لم يتعلم سوى اللغة السنسكريتية كيف له أن يكتب قصيدة عصماء باللغة العربية؟ ولأن الشعب السوري مؤمن بطبيعته بالله سبحانه وتعالى فإن الآمال تبقى معقودة بعده على إرادة الثوار في الداخل.
٭ كاتب سوري
القدس العربي