كتاباته رصدت مرحلة التحول الديمقراطي في بلاده: الروائي «إدواردو ميندوسا» و نوبل الآداب الاسبانية/ محمّد محمّد الخطّابي
«يتمّيز ميندوسا كروائي محنّك بأسلوبه الأدبي واللغوي السلس، وانتشاره الاستثنائي وشهرته العالمية، ما أفضى به إلى إثراء التراث الأدبي الإسباني المعاصر … إن رواية (الحقيقة حول قضية سافولتا) تفتح عهداً جديداً في الرّواية الإسبانية المعاصرة، وهي تعيد للقارئ روعة الاستمتاع بما يقرأ، كما أنها تحثّه على العناية بالتاريخ الذي يقدّم له في هذه الرّواية الخصلة أو الميزة التي اتّسم بها هذا الكاتب على امتداد حياته وعطاءاته في عالم الرّواية والإبداع» . (من قرار لجنة تحكيم الجائزة).
مؤخرا فاز االروائي الإسباني (إدواردو ميندوسا) بجائزة «سيرفانتس»، التي تعد من أهم الجوائز الأدبية المرموقة في إسبانيا، وتعتبر بمثابة «نوبل» في الآداب المكتوبة في العالم الناطق باللغة الإسبانية ــ أنشئت الجائزة عام 1975، وتُمنح بالتناوب بين كتّاب شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال) وأمريكا اللاّتينية، عن مجموع الأعمال الإبداعية للكاتب ــ ويصنف معظم النقاد الإسبان أعمال ميندوسا من بين أفضل ما كُتب في حقل الرواية خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي في إسبانيا أواسط السبعينيات من القرن الفائت.
الانتقال الديمقراطي روائياً
بعد سنوات عديدة خلت دون أن يلتفت القائمون والمشرفون من الكتّاب والنقاد على جائزة سيرفانتيس الأدبية الكبرى إلى هذا الكاتب الذي كاد أن يصبح في طيّ النسيان لولا أنْ جاءته هذه الجائزة في دورتها الأخيرة لعام 2016. ويبدو أن لجنة التحكيم أخذت هذه المرّة بعين الاعتبار مراحل تطور الرواية الإسبانية في تلك الحقبة من الزمن، التي كانت إسبانيا تعرف فيها قفزة نوعية مهمّة نحو الانفتاح والديمقراطية، بعد حقبة الحكم الديكتاتوري المطلق للجنرال فرانسيسكو فرانكو، الذي استغرق زهاء أربعين سنة (1936- 1975). وهو ما وفّر حظاً كبيراً لهذا الكاتب بأن تعاد قراءة ما كان قد كتبه في تلك المرحلة الانتقالية الصعبة نحو الديمقراطية من تاريخ إسبانيا المعاصر في حقل الرواية على وجه الخصوص. ومن خلال كل من روايتيه «الحقيقة حول قضية سافولتا» (1975)، و»مدينة الأعاجيب» (1986) يقدم ميندوسا الوقائع وكأنها تتشابك وتتلاحق وتتداخل في ما بينها لتكوّن مشهداً تاريخياً حافلاً بالأحداث المتتابعة والمتواترة في هذا المجتمع الجديد الذي أصبحت إسبانيا تعيش في كنفه بعد رحيل فرانكو عنها. ويشير النقاد إلى أنّ هاتين الرّوايتين كأنهما كانتا تتحدثان عن مَنهَاتنْ بشكل مغاير، إنهما تغوصان في الذاكرة الجماعيّة للسكّان، وفي السّاحات العمومية، والحدائق الكبرى، والمآثر والمعالم والدّور والقصور والقلاع والحصون، التي جعلت من مدينة برشلونة على وجه التحديد حاضرة ذات طابع خاص ومميّز، الرّوايتان كانتا تخاطبان جميع الشرائح الاجتماعية في إسبانيا، ومن ثم كان سرّ نجاحهما.
أدب ميندوسا
يرى بعض النقّاد أنّ روايات الكاتب إدواردو ميندوسا تعمل على إصلاح الأعطاب التي كانت تعاني منها الرّواية في إسبانيا منذ الستينيّات من القرن الفائت. ذلك الزمن الذي يُنعت بـ «زمن الصّمت»، حيث كانت برشلونة ــ وهي المدينة التي وُلد فيها الكاتب ــ كأنّها تتأهّب لاستقبال موجة التحـــرّر التي ستطولها عام 1975 مع رحيل الجنرال فرانكو. وفجأة أصبح الإســـــبان ينعمون ويعيشون في كنف مجتمع جديد أكثر انفتاحاً، حيث طفقت العُقد والأفكار المُسبقة والأحكام الخاطئة الجاهزة والتخوّفات تتلاشى وتزول رويداً رويداً، وصارت تمّحي معها كذلك تدريجياً مُخـــلّفات العهد الفرنكاوي السّابق، وكأنّ الناس، ومعهم إسبانيا كانوا ينتظرون مؤلّفاً مثل الذي وضعه إدواردو ميندوسا، وهو لم يزل بعدُ في ريعان الشباب، فكانت رواية «الحقيقة حول قضية سافولتا».
وصف بعض النقاد الإسبان الكاتب إدواردو ميندوسا وكأنه كان عريساً لإسبانيا الجديدة في مرحلتها الانتقالية، كان وسيماً أنيقاً، متعلّماً ومثقّفاً، ذا أخلاق عالية ونزعة عالمية، كان الكاتب يعمل على إعادة القيم القديمة واسترجاع العناصر المضيئة للرّواية الإسبانية، كان يملأ صفحاتها بالرّوح الخفيفة المرحة، ويجعلها تنأى عن التعقيد، حتىّ تلقن الناسَ حبّ الحياة، والتعلق بها، كان يجعلها تعلّمنا كيف نعيش الحياة حتى الثمالة، وكيف يعامل الكتّابُ القارئَ بلطف، كان وكأنّه يشجّع على القراءة، ويعود بالرّواية إلى ينابيعها الأولى، إلى عوالم المرح، والسّخرية والبساطة، وإلى دهاليز ومنعطفات ومتاهات المُخبرين السرييّن المثيرة، الذين يشحذون خيالنا، وكأنّه كان يرجع بنا إلى الرّاويات التاريخية التي تغذي أرواحنا وتوقظ حواسّنا وتدغدغ عواطفنا، كلّ هذه الخيارات قادت الكاتب ميندوسا إلى كتابة روايته الأخرى الناجحة التي تحمل عنوان «شِجَار القطط» التي اعتبرها البعض الوجه الآخر، أو النسخة الأخرى لروايته «الحقيقة حول قضية سافولتا»، ولكن هذه المرّة عن مدينة مدريد،وليس عن برشلونة. بمثل هذه الأعمال الرّوائية حصل إدواردو ميندوسا على جائزة سيرفانتيس في دورتها الأخيرة، كما سبق له أن حصل من قبل على إحدى أكبر الجوائز الأدبية الإسبانية الأخرى وهي جائزة «بلانيتا» عام 2010. وعلى جائزة «فرانز كافكا» 2015، وعلى جوائز أدبية أخرى، ولابدّ أن العديد من زملائه الكتّاب، والنقّاد، ومعهم القرّاء يحتفون اليوم بهذا الفوز الأدبي المهم الذي حققه بحصوله على هذا التكريم الأدبي الكبيرالأخير الذي يُعتبر من أرقى الجوائز في الآداب المكتوبة باللغة الإسبانية.
عالم الرواية وقيمة الحيا
ويتمثل أدب ميندوسا في إعادة القيم القديمة واسترجاع العناصر المضيئة للرّواية الإسبانية، كان يملأ صفحاتها بالرّوح الخفيفة المرحة، ويجعلها تنأى عن التعقيد، حتىّ تلقن الناسَ حبّ الحياة، والتعلق بها، كان يجعلها تعلّمنا كيف نعيش الحياة حتى الثمالة، فيعود بالرّواية إلى ينابيعها الأولى، إلى عوالم المرح والسّخرية والبساطة، وإلى دهاليز ومنعطفات ومتاهات المُخبرين السرييّن المثيرة، الذين يشحذون خيالنا، وكأنّه كان يرجــــع بنا إلى الرّاويات التاريخية التي تغذي أرواحنا وتوقظ حواسّنا وتدغدغ عواطفنا، كلّ هذه الخيارات قادت ميندوسا إلى كتابة روايته الأخرى الناجحة التي تحمل عنوان «شِجَار القطط» التي اعتبرها البعض الوجه الآخر، أو النسخة الأخرى لروايته «الحقيقة حول قضية سافولتا»، ولكن هذه المرّة عن مدينة مدريد، وليس برشلونة.
بيبلوغرافيا
وُلد الكاتب إدواردو ميندوسا في مدينة برشلونة عام 1943، وحصل على الليسانس في الحقوق من الجامعة المستقلة في المدينة نفسها، ثم انتقل للعيش في مدينة نيويورك، حيث كان يعمل مترجماً في الأمم المتحدة.
نقلت بعض أعماله الرّوائية إلى السينما الإسبانية التي حققت نجاحات وحصلت على جوائز. من أعماله الرّوائية .. «متاهــــات الزيتون»، «عساكر من رصاص»، «مدينة الأعاجيب»، «عام الطوفان»، وآخر أعماله الرّوائية تحمل عنوان «فتاة المُوضة المفقودة»، وهو مترجم «حلم ليلة صيف» لوليم شكسبير إلى اللغة الإسبانية، كما اعتبر كتابه «ملهاة خفيفة» أحسن كتاب أجنبي في فرنسا.
حصل إدواردو ميندوسا على جائزة سيرفانتــيس في دورتها الأخيرة 2016، والتي تبلغ قيمتها 125000 يورو. كما سبق له الفوز بعدة جوائز كبرى، مثل جائزة «بلانيتا» عام 2010، وجائزة «فرانز كافكا» عام 2015.
القدس العربي