كتالوغ توزع السوريين في تركيا…لاجئون يستنسخون مدنهم في تركيا/ نسرين أنابلي
غازي عنتاب ـ «القدس العربي»: منذ ست سنوات وحتى الآن، وصل السوريون إلى تركيا بأعداد كبيرة حتى بلغ عددهم حالياً حوالي 3 ملايين لاجئ تتمركز غالبيتهم وحسب مؤسسة الإحصاء التركية في مدينة اسطنبول التي حققت أعلى نسبة تواجد، تليها مدينة غازي عينتاب ومن ثم أنقرة وأخيراً هاتاي. ويضاف إلى المدن السابقة الذكر مرسين وكيليس وديار بكر وإزمير وأضنة وقونيا.
وكان التفكير المبدئي لدى السوريين بأن هذه الإقامة ستكون مؤقتة، ولكن رحلة الهروب المؤقت من الحرب والموت تحولت إلى حياة دائمة في بلد لا يشعر معظمهم أنهم مختلفون عن بلدهم على اختلاف أسباب كل شخص، ففي المدن التركية المكتظة بالسوريين، قد يمر أسبوع كامل لدى البعض من دون أن يضطر للإحتكاك بالمواطنين الأتراك، ومع طول مدة الإقامة اختار البعض من أهالي كل مدينة سورية الإستقرار في ولاية معينة في تركيا وسنستعرض في هذا التقرير أماكن تمركز السوريين في تركيا بشكل تقريبي، ولا يُراد أن يُفهم من هذا التقريرأنه يقدم دراسة احصائية عن توزع اللاجئين لكنه يقدّم نماذج وأمثلة مبنية على مشاهدات وآراء.
غازي عنتاب توأمة حلب
حالة (التوأمة) التي جمعت حلب بغازي عنتاب ليست بجديدة رغم أنها قد تبلورت أكثر بعد إنطلاق الثورة فمنذ عام 2008 يُقام في مدينة حلب كل عام (مهرجان غازي عنتاب الثقافي) ضمن إتفاقية التوأمة الموقعة بين المدينتين للتعريف بالمخزون الثقافي والحضاري الذي تتمتعان به لذلك لم يكن غريباً أن يستقر معظم الحلبيين في غازي عنتاب، تلك المدينة التي ترشدك معظم طرقاتها إلى حلب، ويتشارك سكان المدينتين بعض العادات والتقاليد بل وحتى المأكولات كـ (اللحم بعجين العنتبلي) كما يحلو للحلبيين تسميته . يضاف إلى ذلك الإرتباط التاريخي الذي تتداخل معه العائلات وبعض الحِرَف والصناعات والتشابه العمراني بين قلعتي المدينتين والأسواق التجارية والشوارع، حتى أن الكثير من الحلبيين أطلقوا أسماء أسواق وشوارع في حلب على مثيلاتها في غازي عنتاب، كنوع من التأكيد على الإرتباط الوثيق بين التوأمتين.
وبسبب القصف الدائم التي تعرضت له حلب من قبل النظام وحلفائه، هربت رؤوس الأموال من المدينة، واستقرت نسبة كبيرة من هذه الأموال في مدينة غازي عنتاب التركية. واستطاع الحلبيون خلال فترة وجيزة إطلاق العديد من المشاريع الاستثمارية، مثل تصنيع الزيوت والصابون والنسيج، ويعمل فيها العديد من السوريين والأتراك.
جهاد، اللاجئ الحلبي يعتبر أن وجوده في عنتاب يُشعره بقربه من وطنه ومدينته، يقول لـ»القدس العربي»: «رغم أن البعض يقول إن العيش في المدن التركية الكبرى أفضل لتوافر فرص عمل أكثر، لكنني أفضل العيش في غازي عنتاب، فأنا أستنشق هواء حلب فيها وسيكون من السهل أن أعود لوطني عندما تتحسن الأحوال بسبب قرب المسافة».
دمشق اسطنبول الصغرى
لطالما ردد السوريون الذين استقروا في اسطنبول، أن دمشق هي اسطنبول الصغرى ورغم أن هذا الكلام غير دقيق بالمعنى الحرفي، لكن ما يبرره هو حالة الإرتباط والألفة التي شعر بها «الشوام» في اسطنبول لاسيما القادمون من الأحياء الشامية القديمة والأثرية هؤلاء وجدوا في منطقة (الفاتح) تحديداً والتي تقع في القسم الأوروبي من المدينة وتجمع بين قارتين، ملاذاً أمناً يخفف عنهم غصة الابتعاد عن الوطن والحنين له.
عبد الحي لاجئ سوري كان يسكن في حي الميدان الدمشقي، اختار اسطنبول ومنطقة الفاتح تحديداً ليسكن فيها، لقربها من طبيعة وأجواء دمشق القديمة والملامح المتشابهة مثل الأسواق والشوارع ذات الأرضية الحجرية.
يقول عبد الحي: «يرغب معظم السوريين وتحديداً الشوام السكن بمنطقة الفاتح التي تشبه إلى حد كبير في طبيعتها وأهمية موقعها منطقة الجسر الأبيض في دمشق حيث أن الوصول إلى مناطق كتقسيم وأكسراي وتوب كابي وغيرها لا يحتاج لركوب المواصلات».
وساهم انتشار العديد من المطاعم في أحياء الفاتح وأكسراي ويوسف باشا، والتي كان يعرفها الدمشقيون في مدينتهم سابقاً، بتعميق حالة الإرتباط والألفة بينهم وبين مدينتهم الجديدة كمطعم ليالي شامية وباب الحارة والطربوش وشاورما أنس وغيرها الكثير، والتي تقدم المأكولات الشامية التقليدية في أجواء وديكورات تُشعر الزائر وكأنه في دمشق.
ولمسجد الفاتح الذي بُني عام 1463 بأمر من السلطان محمد الفاتح، أهمية كبيرة لأهالي دمشق نظراً لأهميته التاريخية فهو لا يُعد فقط مكاناً دينياً بل هو مركز إجتماعي أيضاً حيث يضم، مدارس، ومكتبة، ومستشفى، ومكاناً لمبيت المسافرين، ومن يتجوّل في ساحة المسجد سيجد الكثير من العائلات الدمشقية المجتمعة هناك في محاولة لإعاد إنتاج أجواء المسجد الأموي. يجلسون هناك ويتبادلون الأحاديث عن وطنهم وهم يتمتمون بدعوات تعجّل بعودتهم لمدينة الياسمين.
عاصي أنطاكيا وعاصي جسر الشغور
يعدّ إقليم هاتاي جنوب تركيا الوجهة الأساسية للسوريين الذين أتوا من محافظة ادلب، ويعود ذلك لعدّة أسباب، منها هو أن سكان هذا الإقليم من الأتراك يتحدثون اللغة العربية بطلاقة لأن معظمهم يتحدر من أصول عربية، وذلك حسب الشاب محمد شحادة أحد أبناء مدينة جسر الشغور في إدلب.
أما السبب الثاني فهو بسبب قرب إقليم هاتاي من الحدود السورية، الأمر الذي يشكّل بارقة أمل للسوريين الذين عادة ما يقولون «لمّا تستقر الأمور بسوريا، بساعة أو ساعتين منوصل لبيوتنا».
يقول محمد أن لأهالي جسر الشغور حكاية مع مدينة أنطاكيا « عاصمة إقليم هاتاي»، حيث يعتبر أغلب هؤلاء أنطاكيا بمثابة تؤأم مدينتهم التركي، فبالإضافة إلى المسافة التي لا تتجاوز المئتي كم بين المدينتين والتشابه الكبير بالمناخ والطبيعة الجغرافية، تتشاطر المدينتان قاسماً مشتركاً أكبر وهو نهر العاصي. ويضيف محمد: «كثيراً ما يرى المتجوّل في شوارع أنطاكيا، رجالاً ونساءً من أهالي جسر الشغور يلتقطون صوراً لأنفسهم بالقرب من عاصي أنطاكيا يقارنون فيها صورهم القديمة على عاصي الجسر، ودائماً تكون الغلبة في الجمال والنقاوة لعاصي الجسر من وجهة نظرهم».
حارة (اللوادْءَة) في مرسين
يعرف أغلب السوريين المتواجدين في مدينة مرسين الساحلية حارة (اللوادءة) نسبة لمدينة اللاذقية على الساحل السوري وهو شارع كبير وسط سوق المدينة، سكان هذا الحي ليسوا جميعاً لاجئين فالكثير منهم مستقر في مرسين منذ سنوات طويلة، حتى أن الجيل الجديد منهم بالكاد يتحدث اللغة العربية.
تعتبر مدينة مرسين عموماً وجهة لكل سوري قادم من مدن الساحل لتشابه المناخ والجو العام وانتشر العديد من المطاعم ومحلات الحلويات التي تقدم حلوى (الجَزَريّة) التي تشتهر بها مدينة اللاذقية تحديداً.
الطابع السياحي لمرسين جعلها نقطة جذب لأصحاب رؤوس الأموال من تجار حلب ودمشق إضافة لأهالي المدن السياحية ويعمد هؤلاء لافتتاح مشاريع صغيرة تتعلق بالسياحة والنقل والعقارات والمطاعم.
ويحاول كل سوري أن يخلق بيئة شبيهة لتلك التي تربى وعاش بها في سوريا، ولكن في قلب كل سوري حنين (لأول منزلِ).
القدس العربي»