صفحات العالم

لماذا تتقاتل فصائل الجهاديين في سوريا؟/ وائل عصام

 

 

كي نجيب على هذا السؤال يجب أن نسأل أسئلة أخرى كثيرة مثل:

ولماذا سيكون قادة الفصائل الجهادية المتناحرة في سوريا وقبلهم في العراق أكثر ورعا ووعيا من قادة صدر الاسلام وصحابة الرسول (ص) الذين اقتتلوا وجيشوا الجيوش ضد بعضهم البعض؟!

ومتى قامت سلطة للاسلام من الأمويين حتى العثمانيين الا على اشلاء من يعارضها وان كانوا من ابناء عم الرسول (ص) ؟! ولماذا يستغرب البعض ان يشتم ويكفر الجهاديون بعضهم الاخر على منابر اعلامهم، وعلي ابن ابي طالب (كرم الله وجهه) ظل يسب ويلعن لقرون على منابر الخلافة الاموية؟!

هل انتقص ذلك من مكانة الخلافة الاموية عند المسلمين السنة؟ بالطبع لا… رغم انهم كلهم يحبون عليا ويحبون ابناءه الذين قتلهم الأمويون… لكنه الملك!

لم يذع القرآن أمرا الا بالسلطان، واتفاق المسلمين على الشريعة لم يمنع الخلاف بينهم على السلطة والمال وسائر المغانم، احزاب الاسلاميين والجهاديين يرفعون القرآن ويسوغون مبتغاهم بالشريعة التي لم ولن تكون مبعثا حقيقيا لخلاف قد يوقده مشايخ السلطان بفتاويهم التي تخضع بالنهاية لاشتراطات التحزب السياسي وليس ضوابط الشرع.

يقول الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز: (إن هذه الأمة لم تختلف في دينها ولا في نبيها ولا في كتابها… وإنما اختلفت في الدينار والدرهم).

لكن قادة الاسلام كانوا أكثر واقعية في كثير من الأحيان بوصفهم لدوافع خصوماتهم بدلا من اطلاق أوصاف الخوارج والتكفير، فهذا عبد الملك بن مروان بعد ان قتل مصعب بن الزبير، يصله رأس مصعب مقطوعا فيقول عبد الملك: «لقد كان بيني وبين مصعب صحبة قديمة، وكان من أحب الناس إلي، ولكن هذا الملك عقيم»… انه الملك!

ـ انها سنن النزاع وحتميات الحراك المجتمعي تخضع لها كل الأمم… قوانين الارض هي التي تفرض نفسها بالنهاية اما مثاليات السماء فتلك يرددها من يملك الكثير من الوقت للكلام لانه لا يملك القدرة على الفعل.

ـ وهكذا فان ما يحدث من اقتتال بين الفصائل الجهادية في سوريا اليوم، وقبل عقد من الزمان في العراق هو استمرار لهذا التنازع الداخلي الاسلامي السني، الذي كان السبب الأهم لضعف السنة بأكثريتهم امام خصومهم في المشرق العربي وان كانوا أقلية لكنهم على قلب رجل واحد.

ـ وما يدور من تفسيرات بائسة حول ربط كل اقتتال بالتعامل مع العدو والولاء له، وهو نتاج الجهل بالاسباب المباشرة لما يحصل من نزاعات، وهو نتاج العقل الغائب الذي تمت قولبته ليفكر غرائزيا بما يحب ويكره، لا بما يعقل، تماما كما ارادت له الانظمة ذلك ومنها نظام بشار الأسد.

ـ لذلك تجد ان تهمة الارتباط باسرائيل وامريكا والنظام السوري متداولة بين كل الفصائل والاحزاب حتى التي تتفق بينها على عداوة الجهاديين!

ـ قادة الفصائل في المدينة نفسها يخونون بعضهم البعض، وتسمع ذلك صراحة في كل جلساتهم، اعضاء مجالس الاركان، اعضاء الائتلاف والمجلس الوطني نصفهم يتهم الاخر في العمالة!

ـ لذلك فهي ذهنية سائدة بين كل المتخاصمين، وأحد قادة المعارضة المخضرمين يصر على انها هي حالة مرضية نفسية تتعلق بحالتي «التوهم والانكار» و»الانفصام والاسقاط» يعيشها مجتمعنا وبالتالي المتعاطين بالشأن السياسي في توصيفهم للخلافات البينية الداخلية.

ـ عندما يستعر القتال بين تنظيم الدولة الإسلامية والفصائل في ريف حلب، يتصدر البعض لاستنباط احكام شرعية لصالح هذا الطرف او ذاك، بفتاوى مشايخ لم يتجرأوا للآن على استخرج حكم فقهي لخلع الحكام، قبل ان يأتي الربيع العربي ويطيح بالأنظمة متجاهلا كل فتاويهم التي انشغلت بالحيض والنفاس وارضاء الانظمة التي يوالونها اكثر من القرآن ربما.

ـ إضافة للأسباب التي تتعلق بالرؤية السياسية وفهم عمق الصراع في المشرق، بين فصائل ترى انتماءها ومشروعها قطري واخرى تراه سني عابر بين العراق والشام، فان الارتباط بالمنظومة الاقليمية يلعب دورا اساسيا في تحديد اولويات المشروع لكل فصيل، فلا يمكن ان تتفق فصائل تقبل بالمنظومة الاقليمية وتخضع لها بل وتتلقى دعما منها، لا يمكن ان تتفق مع تنظيم الدولة الذي يقوم اصلا على فكرة تدمير الانظمة العربية والمنظومة الاقليمية القائمة بعد اتفاقية سايكس بيكو.

ـ فما يحصل في ريف حلب مع تنظيم الدولة هو يشبه ما سبق وان حصل بين جبهة النصرة والفصائل المرتبطة بالانظمة في ادلب: فصيل قوي يحاول ابعاد اي منافس، خاصة وان ارتبط بأجندات اقليمية علنا، النصرة لم تتمكن من تحرير ادلب وريفها الا بعد ان ابعدت الفصائل الضعيفة التي كانت مرتبطة بالانظمة على تلك الجبهات، وهما حزم وفصيل جمال معروف، وهكذا فان تنظيم الدولة يخشى من فصائل في حلب وريفها لها ارتباطات معلنة مع تلك الانظمة، وستكون تلك المنطقة في ريف حلب مهدا لانطلاق هجوم التحالف الدولي عليها، سواء من المجموعات المدربة امريكيا من تلك الفصائل في تركيا، او من فصائل اسلامية متنافسة ومتخاصمة مع الدولة الاسلامية كجيش الاسلام والاحرار والنصرة.

ـ وهكذا فهو صراع في سياق فرض السيطرة ضمن دائرة نزاع داخلية، ورغم ان تنظيم الدولة يريد فقط تأمين هذه المنطقة من الحدود التركية نحو شمال حلب الا انه قد يتوجه لاحقا لمدينة حلب إذا تمكن من تثبيت أقدامه في الريف، وهو سيكون خبرا سيئا جدا للنظام الذي يبدو مرتاحا في حلب المدينة بوجود فصائل ضعيفة مفككة باعتراف قادتها، اذ لم تتمكن من التوحد في أي كيان حتى شهور قليلة، وبعد رحيل القائد الابرز للريف الحلبي الحاج مارع، لم تشهد جبهات مدينة حلب الكثيرة مع النظام اي تقدم حقيقي للفصائل، واتسم المشهد العسكري بالهدوء التام، مما مكن النظام من تطويق مدينة حلب يوما بعد يوم من الجنوب حتى الشمال والوصول لسجن حلب المركزي وفك الحصار عنه، وكل هذا التقدم تم على نقاط تمركز لتلك الفصائل التي لم توفق في التصدي له، اما في الريف الشمالي فقد نجح النظام في الاقتراب اكثر من قريتي نبل والزهراء الشيعيتين، وكانت القوى العسكرية القادرة على مواجهته بالريف معظمها من النصرة وجيش المهاجرين والانصار وهم جهاديون من القوقاز، رفض معظمهم المشاركة مع الفصائل في قتال تنظيم الدولة بريف حلب، وتعرض قائدهم صلاح الدين الشيشاني لمحاكمة ومضايقات من النصرة لموقفه هذا .

ـ واضافة لحالة الفساد الكبيرة التي اشتهرت بها بعض الفصائل في ريف حلب الشمالي فإنها وعلى مدى عامين تبدو غير قادرة على استعادة اي مناطق في حلب، ولكن الاشكالية ان هذه الفصائل تحولت لقوى تمارس السلطة وامتلكت النفوذ والثروة ولا ترغب بترك مواقعها لفصائل اخرى كالنصرة او الدولة الاسلامية وهما الفصيلان الاقدر عسكريا على مواجهة النظام… ومن اجل الحفاظ على مكاسبها باتت تصبغ نفسها بشرعية الثورة، لتبدو وكانها تريد احتكار تمثيل الثورة تماما بعد محاولة استخدام الشريعة رغم ان الكثير من ابناء تلك الفصائل في قرى الريف الحلبي تركوها وانضموا لفصائل اخرى على رأسها الدولة الاسلامية، ومنهم من ينتمي لاكثر العائلات نفوذا في كبرى قرى الريف الحلبي كعائلة الرج في عندان.

ـ ويبدو النظام يتلاقى في الغايات مع بعض الفصائل في حلب بعدائه لتنظيم الدولة، فبالتأكيد ان تواجد التنظيم داخل حلب قد ينهكه بشكل كبير نظرا لشراسة وقوة تنظيم الدولة قتاليا مقارنة بالفصائل الضعيفة في حلب حاليا، لذلك فالنظام يقصف مواقع التنظيم في ريف حلب الشمالي في الوقت نفسه الذي يهاجم فيه مقاتلو الفصائل التنظيم في قرى صوران ومحيطها في الريف الشمالي، وفي الوقت نفسه ايضا الذي يشتبك تنظيم الدولة مع النظام السوري في اكبر معركة حاليا تخاض ضد قوات الجيش السوري والميليشيات الكردية بمدينة الحسكة، بعد ايام قليلة من معارك شرسة في ريف حمص الشرقي انتهت بالسيطرة على مواقع اقتصادية حساسة للنظام وعلى مدينة تدمر. والمفارقة ان دائرة النزاع الداخلي لم تتوقف من فصائل جهادية حتى خلال معارك التنظيم في تدمر، فبينما كان التنظيم يخوض معارك شرسة استمرت لأسبوعين انتهت بسيطرته على تدمر، كانت بعض الفصائل الجهادية كأحرار الشام تهاجم مجموعات متحالفة مع الدولة الاسلامية في ريف حمص حيث قتل ابو جهاد زغيب احد اشهر قيادات ثوار بابا عمر في حمص، وتعرض لواء شهداء اليرموك في درعا لهجمات من النصرة لم تنته حتى اليوم ادت لقتل العشرات من عناصره.

ـ وهكذا فان صراع السيطرة والنفوذ سيستمر الى ان تتحقق النهاية التي عهدتها كل مناطق النزاعات السابقة، وهي الغلبة بالقوة، وكلما طال عمر الاقتتال بين الفصائل المتناحرة كلما ظل النظام السوري وكذلك العراقي متماسكين، لذلك فان اولى شروط مواجهة نظام بقيادة واحدة وحلف متماسك اقليمي هي ان يكون للفصائل المسلحة الاسلامية المعارضة قيادة واحدة، وهذا ما تسعى له الدولة الاسلامية وكذلك النصرة، وهما الفصيلان الوحيدان اللذان يملكان القدرة المؤثرة على المواجهة عسكريا، وهما كذلك الفصيلان اللذان قد يؤدي الاقتتال المحتمل مستقبلا بين احلافهما لحصول حرب اهلية سنية سنية سيكون النظام وايران هما المستفيدان منها بينما تبقى جبهة الاسد وحلفاؤه متكاتفة لا تسمح باي شقاق داخلي، وان حصل سيكون مصيره السحق.

٭ كاتب من أسرة «القدس العربي»

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى