صفحات العالم

مقامرة أردوغان: لا للنصرة مقابل لا للأكراد/ د. عصام نعمان

 

 

استدارة رجب طيب أردوغان لم تكن ولن تكون كاملة، أعطى فلاديمير بوتين موافقته على إخراج جبهة «النصرة» من حلب، لكنه أصرّ على تقاضي ثمن هذه «المكرمة».

الثمن يريده الرئيس التركي في إستانه: لا تمثيل لأكراد سوريا في مفاوضاتها المرتقبة. كيف تتمّ الصفقة؟ بأن تقطع «النصرة» المسيطرة على نبع الفيجة في وادي بردى الماء عن دمشق ومحيطها لتعطيش ملايينها الستة إلى أن يوافق بوتين على تسديد الثمن المطلوب.

مقامرة أردوغان لم تنجح بعد لأن الأمر يتطلّب موافقة دمشق، وبوتين ليس صاحب القرار فيها. الكلمة الأخيرة لبشار الأسد، بعد مشاورة حلفائه بطبيعة الحال. هؤلاء جميعاً ما زالوا يتدارسون الوضع بتؤدة، يهمهم بالتأكيد إنهاء تعطيش أهالي دمشق ومحيطها، لكنهم يحرصون ايضاً على دماء السوريين ما يستوجب تالياً الحرص على استمرار وقف إطلاق النار، الذي كانت موسكو وأنقرة قد هندستا إقراره وتنفيذه.

أردوغان يغامر بتفاهم عزيز عليه كان توصّل إليه أخيراً مع بوتين. كما يغامر بالتزام قديم كان عقده مع واشنطن، ذلك انه يلوّح بإلغاء قاعدة انجرليك الأطلسية المترعة بالمقاتلات الامريكية ما لم تتوقف واشنطن عن دعم «قوات سورية الديمقراطية» الكردية بالمال والسلاح والعتاد.

أردوغان لا يريد إحراج ايران، التي كان قد تظاهر اخيراً بأنه يتفهم هواجسها ولن يثابر على إحراجها بإلإصرار على إقصاء حليفها الاثير بشار الأسد، لكنه بمقامرته آنفة الذكر، يحرج بغداد التي تتقارب مع دمشق لشعورها بأنهما في حمأة معركة واحدة، وبالتالي في مواجهة عدو واحد مدعوم من جهات عدّة.

دمشق تبقى أُولى المحرَجين، فهي حريصة بطبيعة الحال على إنهاء تعطيش ملايينها الستة المستمر منذ عشرين يوماً. رئيس «مجموعة العمل في الأمم المتحدة الخاصة بالمساعدة الانسانية لسوريا» يان إيغلاند وصف انقطاع المياه عن ملايين دمشق ومحيطها بأنه «جريمة حرب»، لعله أراد أيضاً، بأسلوب غير مباشر حفاظاً على حياد مؤسسته، نفي تهمة مسؤوليتها عن انقطاع المياه بقوله «إنه من الصعب معرفة الجهة المسؤولة عن هذا الوضع».

أنقرة لم تُحسن تنظيم عملية ابتزاز دمشق وموسكو وطهران، فقد كانت أوعزت إلى حلفائها في «المعارضة السورية المعتدلة» المقيمين في تركيا بإصدار بيان مفاده أن لا وجود لجبهة «النصرة» في وادي بردى، وأن دمشق هي التي أوعزت إلى جيشها بخرق الهدنة وإطلاق القذائف على وحدات «الجيش الحر» الموجودة هناك، ما ادى إلى تدمير تجهيزات ضخ المياه على نبع الفيجة، لكن «النصرة» سارعت إلى إصدار بيان مضاد أكدت فيه انها موجودة في وادي بردى، وأنها مَن قام بقطع المياه عن دمشق. حَرَجُ دمشق وحلفائها مردّه إلى النتائج المترتبة على شن هجوم لتحرير وادي بردى أو الامتناع عنه. ذلك أن شنّ الهجوم قد يؤدي إلى تعطيل مفاوضات استانه واستثارة موسكو التي تعلّق عليها آمالاً عريضة. الامتناع عن شن الهجوم لتحرير نبع الفيجة قد يؤدي إلى إطالة امد تعطيش دمشق ومحيطها، بل إلى ما هو أخطر: تهجير اهالي العاصمة، الأمر الذي يطعن صدقية الدولة السورية وهيبتها ويؤذيها سياسياً واقتصادياً.

ما العمل؟

ثمة مساعٍ روسية لتليين موقف كلٍّ من انقرة ودمشق، لعل الروس يضغطون على انقرة للموافقة على الإيعاز لجبهة «النصرة» بوقف قطع المياه عن دمشق لقاء معاودة إقناع سوريا وايران بضرورة إيجاد حلٍّ لمطلب تركيا عدم تمثيل الاكراد السوريين في مفاوضات استانه. ولعل الروس يمارسون ضغطاً موازياً على دمشق وطهران للقبول بمقايضة مطلب عدم تمثيل الاكراد السوريين في مفاوضات استانه بقبول مطلب حلفاء انقره توفير تمثيل اوسع، وبالتالي دور اكبر للمعارضة السورية الموالية لها في المفاوضات.

الى ذلك، ثمة تساؤل عن موقف واشنطن من القضية بكل جوانبها وتداعياتها؟ صحيح أن جون كيري أعلن دعم واشنطن للمفاوضات المرتقبة في استانه، لكن ولاية الرئيس اوباما تنتهي خلال عشرة ايام، فهل سيعتمد دونالد ترامب الموقف نفسه بعد تسلّمه سلطاته الرئاسية في العشرين من الشهر الجاري؟ ثم، أليس أمام موسكو وطهران ودمشق خيار استراتيجي فريد،عظيم المردود، وشديد الإغراء: القبول بمطلب انقرة عدم تمثيل اكراد سوريا في مفاوضات استانه، ودعم جهودها الرامية إلى منع أكراد تركيا وسوريا والعراق من اقامة دولة لهم على حساب تلك الدول لقاء قبول انقرة بإلغاء قاعدة انجرليك في اراضيها، ما يعني إقصاء حلف شمال الأطلسي واوروبا وأمريكا عن منطقة غرب آسيا برمتها؟

كل هذه الاحتمالات والمقايضات واردة، لأن الصراعات الإقليمية محتدمة في كل ميادين القتال، وكذلك المساومات في الكواليس الدبلوماسية. لكن لا نتائج متوقعة على الأرجح قبل أن يضطلع الرئيس الأمريكي الجديد بسلطاته الدستورية والسياسية.كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى