لاتينو الحياة/ رشا عمران
حكت لي صديقة عن تجربتها في تعلم رقص اللاتينو، قالت لي: كنت خارجة من علاقةٍ عاطفيةٍ فاشلة، ووجدت أن الرقص قد يساعدني على الخروج من آثارها السلبية. قالت: كان الممتع في دروس رقص اللاتينو تبديل الشركاء. بالنسبة لي، أنا الخارجة من علاقةٍ مع رجل كنت أظنه الرجل الوحيد، كنت أحتاج لهذا، كي أكتشف شركاء آخرين، واستمتع بتجربة البدائل عبر الرقص… تعتمد رقصات اللاتينو على شريكين، ذكر وأنثى، على عكس الرقص الشرقي القائم على فكرة غواية المرأة للرجل، لا على فكرة التشاركية. في اللاتينو، الذكر من يقود خطوات الأنثى، من يدلها على الحركة التالية. ثمّة علاقة تناغم ساحرة بين الشريكين، في أثناء الرقص. ثمّة حكايةٌ تحكى، يظن معها المتفرج أن الحكاية هي حكاية حب حقيقي، لا مجرد رقصة على إيقاع موسيقى ما.
في أثناء دروس الرقص، يجب تبديل الشركاء دائماً، حتى يتم العثور على الشريك المناسب الذي تكتمل معه حالة التناغم، وتصل إلى حدها الأقصى. التبديل يساعد على اكتشاف الأخطاء، قبل الوصول إلى المرحلة النهائية، مرحلة الأخطاء القليلة، أو ربما مرحلة الكمال في علاقة الشريكين في الرقصة. كل درس جديد مع شريك جديد هو تدارك للخطأ السابق مع الشريك السابق، وهكذا! عندما نشاهد رقصة لاتينو ساحرة بين شريكين متناغمين، نرى شبه الكمال المحمّل على سلسلة من الدروس والحصص، واستبدال الشركاء، واكتشاف الأخطاء الكثيرة وتداركها. يقول الخبراء في رقص اللاتينو إنه ليس سهلاً أبداً الوصول إلى مرحلة كهذه، خصوصاً اليوم. سابقاً كانت الراقصة تسمح لشريكها بقيادة خطواتها بسهولة. الآن، أصبح الوضع أكثر صعوبة، الراقصة تتمرّد على خطوات شريكها، تخطو هي خطواتها الخاصة، وتريده أن يتبعها. على الراقص المبدع هنا أن يفهم تماماً ما الذي تريده شريكته، وأن يحاول مجاراتها، كي لا تفشل الرقصة. عليه أن يتمتع بالذكاء، وبفهم التركيبة النفسية لشريكته، وأن يتمتع بحساسيةٍ بالغة الخصوصية. هي مزيج من الرجولة والحنان، هذا المزيج الذي يبقيه مسيطراً على الخطوات، من دون أن يخيب ظن شريكته المتمردة، والراغبة في إظهار حريتها واستقلاليتها في كل خطوة!
أخبرتني الصديقة أنها، بعد مدة من تبديل الشركاء، توقفت عن متابعة الدروس. لم تجد شريكاً مناسباً لها في الوقت الذي كان زملاؤها قد شكلوا ثنائيات راقصة. قالت لي: فجأة شعرت أنني وحيدة، وأنني، بسبب حاجتي إلى شريك، قد أختار الشريك الخطأ فتوقفت… تشبه رقصة اللاتينو الحياة، تشبه علاقة الرجل والمرأة، الرجل يسيطر على كل خطوات الحياة، والمرأة تتبعه بدون تذمر. كان هذا سابقاً في كل المجتمعات تقريباً، في مجتمعاتنا العربية أكثر. اليوم، الأنثى تمرّدت، بدأت تعي أهمية أن تكون حرة ومستقلة. هذا الوعي، في مجتمع ما زال غارقاً في البطريركية الذكورية، جعلها وحيدة، حتى لو كانت متزوجة. نادراً ما يستطيع الرجل فهم رغبة شريكته بالخروج عن المألوف والسيطرة. نادراً ما يفهم غليان الحرية والرغبة بالاستقلال في داخلها. ثمة نساء فضلن العيش وحيدات، من دون رجل يشاركهن الحياة اليومية، ويستندن عليه في خطوات حياتهن. ثمة إغراء في هذه الاستقلالية، يجعل من الأنثى كياناً متفتحاً وفاعلاً.
الأنوثة مع الحرية قادرة على إيجاد عالم معافى، شبه مكتمل الجمال، ليكتمل تماماً. تحتاج الأنثى إلى شريك، أتحدّث عن النساء اللواتي يعشن فترات طويلة وحيدات، أنا منهن. هذا البحث يجعلهن يقعن في الحب دائماً، ويقعن في الفشل دائماً، إذ نادراً ما يجدن الشريك المناسب، الشريك ذا الحساسية الخاصة التي هي مزيج من الرجولة والحنان والذكاء، التي تجعله يقود خطواتها من دون أن يخيّب ظن حريتها واستقلاليتها. مع كل قصة حب، تظن المرأة أنها وجدت شريكها المناسب، لتكتشف، بعد وقت قصير، أن ما يفعله هو تهشيم روحها الحرّة، لكنها تعاود ترميم نفسها، وتبدأ من جديد. هل ستجد يوماً هذا الشريك الذي يمكن أن تكتمل معه أنوثتها، وتتفتح أكثر، أم توقف البحث، وتكتفي بوحدتها، كما فعلت صديقتي، حين توقفت عن إكمال دروس الرقص؟ شخصياً، أنا التي تجاوزت الخمسين، لم أجد جواباً على سؤالٍ كهذا.
العربي الجديد