صفحات الناس

2015: الجولاني “زعيم” المشهد السوري وتسوياته/ نذير رضا

 

 

قدّم زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني صورته المظللة الى الرأي العام، ورفع معها آلاف الاسئلة التي تحيط بمستقبل تنظيمه. تكفلت وسائل الاعلام بالاثبات بأنه ليس شبحاً، بل تنظيم يطمح لتجربة سياسية في البلاد، وينافس غريمه السياسي والعقائدي زعيم تنظيم “داعش” ابو بكر البغدادي الذي خرج الى الضوء في ظهور يتيم في 2014، كاشفاً عن وجهه، وعن مخططه لاقامة خلافته المزعومة في العراق وسوريا.

التنافس السياسي مع “داعش”، دفع الجولاني، زعيم فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، للخروج عن ادبيات التنظيم الأم في ما يرتبط بالعلاقة مع الاعلام. عادة ما يتجنب قياديو “القاعدة” في فترات الحرب، الظهور الاعلامي، مكتفين بتسجيلات صوتية، عاجزة عن التأثير في المشهد السياسي. ذلك ان التنظيم، عاجز، أصلاً، عن تقديم مشروع سياسي، أو لا يخطط لذلك.

لكن الجولاني، بظهوره مرتين، يمهّد لدور سياسي محتمل له في شمال سوريا، عبر خطّ تجربة حكم موازية لحكم غريمه في شرق البلاد. وما كان ليبرز هذا الدور، لولا تقديم ما يريده عبر وسائل الاعلام، بعدما خضعت صورته وتصريحاته المتلفزة لإعداد مسبق، كما هي الحال في مقابلة أحمد منصور معه وبثتها “الجزيرة”، أو لفلترة في الثانية خلال مؤتمر صحافي شاركت فيه اربع وسائل اعلام، وخضعت لرقابة “المنارة البيضاء”، وهي الذراع الاعلامي لتنظيم “النصرة”.

وأظهرت الاطلالتان الجولاني ومشروع التنظيم بالشكل المأمول بالنسبة له: عدم الانفصال عن “القاعدة”، والبقاء بإرادة عسكرية في الشمال، والاستعداد لخوض تجربة سياسية تختلف الى حد ما عن تجربة “القاعدة”، تحت مظلتها الايديولوجية.

والواقع أن الظهور الاول، الذي تلاه فيلم توثيقي عن التنظيم، أعدّه الإعلامي مَديَن ديرية لصالح “فايس نيوز”، أخرجه من الظل. فالجولاني، مهّد لتنصيب نفسه زعيماً محلياً في الشمال، عبر التدرج في كشف الملامح، بدءاً من اختراق تستره بتصويره من الخلف، تلاه الظهور بملامح وجه مظللة، وكأنه يقرّب المسافة بينه وبين جمهور سيتحول الى شعب في خلافة الشمال!

صورة من شأنها أن تزيد القناعة بوجود بزعيم التنظيم المدرج على لوائح الارهاب العالمي، إسوة بغريمه البغدادي، ولعل هذا الظهور يمثل الحدث الابرز في تجربة الجماعات الجهادية في سوريا خلال 2015.

تكفل الظهوران بتلميع صورة “النصرة” كفصيل خارج سياق الحظر. ثبّتا وجود التنظيم في الامر الواقع ميدانياً، ودحضا اقتصار وجوده بالشكل المعنوي او غير المحسوس، كما مهّدا لابرازه كفصيل مؤثر في معارك الشمال، لا تمر التسويات الا به، أو عبره، أو عليه.

في الاساس، قالها الجولاني، تلميحاً، في لقائه الاخير، بعدما حسم في لقائه الاول مع “الجزيرة” ان التنظيم باقٍ على ولائه لـ”القاعدة”، ويعمل تحت مظلتها. تلك الثوابت، ما كانت لتُقال في بيانات، أو تسجيلات بلا صورة. إعلانها مرئيةً، زاد من حجم الاحتقان والانتقاد في صفوف المعارضة المعتدلة ضد فصيل، لا ينوي أن يتغيّر، بل يطمح لدور مستقبلي، بوجهه الحالي المثير للجدل.

رفعت “جبهة النصرة” السرية عن زعمها في العام 2015، ونصبته الشخصية السورية الابرز على الساحة الاعلامية. أخرجته من احتجابه، وأخرجت معه فرع تنظيم “القاعدة” من أدبيات التستّر. ربما، تحتاج الخلافة المزعومة، الى إعلان، إسوة بالبغدادي، لكنه إعلان يندرج ضمن اطار البروباغندا. ضاعفت الاخيرة شعبية التنظيم، وزادت مبررات بقائه، وأثبتت تأثيره ككيان، لا يمكن أن تمر التسويات، من دونه.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى