48 ساعة في سوريا
ديفيد إغناتيوس
وصل مقاتل أحمر الوجه يدعى فيصل إلى المقر الأمامي للجيش السوري الحر ملتمسا للسلاح، وكان قادما لتوه من خط الجبهة في صاخور، وهو حي ظل لمدة 3 أسابيع يرزح تحت هجوم القوات الحكومية. وبينما كان يهتف مناديا قادته، كان يمكنك سماع هزيم نيران المدفعية المقبل من على بعد نحو نصف ميل، وصرخ فيصل ثائرا بأن رجاله يموتون وأنه بحاجة إلى قاذفات صواريخ محمولة لمواجهة دبابات جيش الرئيس بشار الأسد. يبلغ فيصل من العمر 28 عاما، وقد تخرج لتوه في كلية الحقوق، وهو مفتون بشجاعة وانتعاش الثورة. واستمع القائد إلى طلبه، لكنه قال إنه متردد، فالجيش السوري الحر لا يملك أسلحة كافية، والمجلس العسكري الذي يدير القتال ليس واثقا من أن فيصل ورجاله يمكنهم تنفيذ مهمتهم بنجاح.
ورحل المقاتل الشاب وكل ما معه هو قاذفة صواريخ محمولة متهالكة حصل عليها من مخزن المقر الأمامي في حي طارق الباب، الذي يقوم بتنسيق القتال على الجبهة الشرقية من معركة السيطرة على حلب. واستمرت طقطقة نيران المدفعية بينما كان فيصل يحمل سلاحه الثمين عائدا إلى ساحة المعركة، ويقال إن المقاتلين المجاهدين المتمركزين في مكان قريب يجهزون لهجمات مضادة، بالتنسيق مع قيادة الجيش السوري الحر.
هذا المشهد الذي جرت تفاصيله عصر يوم الخميس الماضي يبرز حقائق أساسية عن الحرب الدائرة في سوريا، تلك الحرب التي تدك مدينة كانت في أيام أكثر هدوءا واحدة من جواهر العالم العربي. أولا، فلا يوجد ما يكفي من الأسلحة كي يتمكن الثوار من هزيمة قوات الأسد، وكل السوريين الذين تحدثت معهم تقريبا يرون أن هذه هي خطأ أميركا. ثانيا، فإن قادة الجيش السوري الحر يحاولون تطبيق قيادة وسيطرة أفضل في عملية ظلت حتى الآن مهلهلة وغير منظمة. ثالثا، في ظل هذا القتال الفوضوي الذي يعاني نقصا في الموارد، فإن قوة المجاهدين السلفيين، الذين لا يطلبون سوى الشهادة، تبدو في تصاعد مستمر.
وقد قضيت يومين من الأسبوع الماضي في التجول داخل سوريا مع الجيش السوري الحر، حيث ساعدوني في التسلل عبر الحدود يوم الأربعاء من بلدة ريهانلي التركية (وتبلغ تكلفة تهريب الناس عبر الحدود 40 دولارا في المعتاد، ولكن بالنسبة للأميركيين يقال إنهم يدفعون 100 دولار)، وقد رتبت هذه الرحلة من خلال «مجموعة الدعم السورية»، وهي منظمة تقع في واشنطن حصلت منذ عدة أشهر على تصريح من وزارة الخارجية بجمع أموال وتقديم مساعدات أخرى لصالح الجيش السوري الحر.
وقد تصادف أن أكون في سوريا بينما تشهد التوترات تصاعدا حادا، بعد رد تركيا على القصف السوري الذي قتل فيه مدنيون أتراك. ولكن مهما كان تورط تركيا، فإن الشيء الأساسي في هذه الحرب الآخذة في الاتساع يظل هو الجيش السوري الحر. والسؤال الملح هو: كيف يمكن تقويته بما يكفي لقلب الموازين ضد النظام؟
وأثناء سيري لساعات طويلة على طريق العودة، بدا واضحا أن الجيش السوري الحر يسيطر على الشمال الريفي، حيث كانت نقاط التفتيش التابعة لها موزعة في كل مكان عدا المدن والطرق الرئيسية، ويستطيع قادة الثوار التجول في أمان عبر معظم أنحاء الثلث الشمالي من البلاد.
«مرحبا بك في سوريا الحرة». هكذا حياني عبد الله الحيد لدى وصولي إلى المعبر الحدودي المسمى «باب الهوى»، وأخذني لملاقاة العقيد عبد الجبار العكيدي، قائد قوات الثوار في منطقة حلب، وربما يكون القائد الأعلى للجيش السوري الحر في البلاد، وكان قد انتهى لتوه من أداء صلاة العصر فوق العشب مع بعض ضباطه ومقاتليه. وتم تقديم طعام العشاء في صحن مشترك وضع فوق أوراق صحف تم بسطها فوق العشب. وكان من بين ضيوف العشاء رجل له لكنة قيل لي إنها تميزه بأنه ليبي، مما جعله يعتبر من بين المجاهدين المعروفين باسم «المقاتلين الأجانب».
وردا على سؤال بعد العشاء، أبدى العكيدي إحباط قائد ظل ينتظر مساعدة أميركية لكنه يزعم أنه لا يحصل على أي شيء مفيد. وتتلخص السياسة الأميركية في تقديم مساعدات غير قتالية، ومن بينها أدوات للقيادة والسيطرة مثل الهواتف المتصلة بالأقمار الصناعية. ويبدو العكيدي رجلا عسكريا بصدره العريض وإحساسه بالثقة، وهو من نوعية الضباط الذين تأمل واشنطن في أن يبنوا قوة قتالية صلبة. وقد تعهد الرجل بأن الولايات المتحدة إذا أمكن أن تساعده في الحصول على أسلحة حديثة مضادة للطائرات والدبابات، «فسوف أمنع وقوعها في أيدي الجماعات المتطرفة». وهو يأمل في أن تقدم أميركا التدريب أيضا، ولو حتى دورة تدريبية أساسية لمدة أسبوعين قد تساعد على تكوين جيش حقيقي، إلا أنه يضيف أن الولايات المتحدة إذا لم تزوده بأسلحة يمكنها أن تقلب الموازين، فسوف يحتاج إلى مساعدة من المجاهدين الذين لديهم حرص كبير على القتال والموت، موضحا: «ليست لدي أي مشكلة مع المتطرفين إذا كانوا يقاتلون النظام. كل ما يهمنا هو أن يسقط النظام وأن يتوقف نزف الدماء». وماذا سيفعل العكيدي إذا استخدم النظام الأسلحة الكيماوية؟ يضحك ويجيب: «سوف نبحث عن قبر».
وداخل منزل آمن في قرية أطمة على بعد ساعة بالسيارة، التقيت العقيد عفيف سليمان، قائد قوات الجيش السوري الحر في محافظة إدلب، وكان يرتدي جراب مسدس معلقا في كتفه وهناك طلقات فضية مثبتة في الحزام، وقد ردد النصيحة نفسها لأميركا: «أعطونا أسلحة وساعدونا على تنسيق قواتنا، وإلا فإن المتطرفين سيسيطرون على زمام الأمور».
وبعد منتصف الليل بقليل، عدنا في سيارة العكيدي المرسيدس المتهالكة وذهبنا إلى مقره شمال غربي حلب، وهذه الرحلة تستغرق نحو ساعتين، إلا أن اللحظات العصيبة الوحيدة أثناءها كانت عند المرور عبر قرى تسيطر عليها جماعة كردية يدعمها بشار الأسد تعرف باسم «حزب العمال الكردستاني»، وكان ذلك هو وقت «التهيؤ للقتال» بالنسبة للعكيدي وحراسه.
وداخل مقر العكيدي صباح يوم الخميس الماضي، كان يمكنك أن ترى العمل الشاق الذي تنطوي عليه إدارة شؤون ثورة: مقاتل يقوم بتوزيع الطلقات بينما تتدلى سيجارة من بين شفتيه، ومساعدو العكيدي يمسكون بأكوام من العملة السورية يبلغ قوامها عدة بوصات من أجل سداد الفواتير. إن هذا الجيش يعكس العمود الفقري السني الريفي لسوريا.
وانطلقنا إلى حلب بعد الظهر مباشرة، وفي تلك الرحلة الطويلة بالسيارة إلى قلب سوريا التي يسيطر عليها الأسد، لم يبد على المقاتلين أي قلق أو عصبية إلا عندما سمعوا صوت طائرة مروحية تحلق فوقهم، فالأسد يسيطر على الأجواء، وربما لا يستطيع تغيير تلك الموازين القاتلة سوى القذائف الأميركية.
وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن ينسق الثوار عملهم بصورة أفضل، فعليها أن تبادر هي أولا بتنسيق المساعدات الخارجية، حيث إن وابل الأموال والأسلحة القادم من السعودية وقطر والكويت وغيرها من البلدان العربية يساعد المقاتلين المتطرفين ويضعف وجود أي سلسلة نظامية من القيادة عن طريق الجيش السوري الحر.
وغادرت سوريا في وقت متأخر من ليلة الخميس الماضي باندفاع مجنون عبر مسافة 400 ياردة من الأراضي المحرمة، بصحبة مهربين كانوا يبدون قدرا هائلا من التسامح كلما علقت في الأسلاك الشائكة، ولم يحصلوا على مقابل إضافي لإنقاذي عندما تعثرت أثناء مروري عبر الثقب الذي صنعوه في السور الحدودي.
* خدمة «واشنطن بوست»
الشرق الأوسط