إنّها دمشق..” التي ضاعت بين القبائل/ رائد وحش
غريبة هي قصّة نصّ “إنها دمشق يا أولاد القحبة” للشاعر والروائي السوري فادي عزام. فمنذ نشره لأول مرة عام 2005، لم يتوّقف نسبه إلى الشاعر مظفر النواب، مع أنّ الأخير لم يكتب النثر، وأسلوبه بعيد كليّاً عن أسلوب عزام. صحيحٌ أنّ نصوصاً كثيرةً نُسبت للنوّاب، على مدى سنوات تجربته، لكنّ أحداً لم يبال بها، باستثناء واحدٍ نفى الشاعر صلته به، لا سيما حين أعادت نشره آنذاك جريدة “السفير”.
أخيراً، كتب عزّام توضيحاً شاملاً لكلّ ما جرى مع نصه الذي ظهر ضمن مجموعة الكاتب “تحتانيّات” (دار ميريت، 2010)، وقام بنشره في مدونته التي تحمل اسم “دحنون”. ذلك أنّ عملية نسبة النص لمظفر النواب لم تكن مجرد خطأ فحسب، بل لطالما جُيّرت لأغراضٍ سياسية، اضطُر المجيّرون خلالها أن يحذفوا من، أو يضيفوا إلى، النص الأصلي بما يخدم أهواءهم.
يقول عزام في توضيحه إن “النص المنشور في مجلة “أوكسجين” الثقافية التي تصدر من الإمارات، بتاريخ 6-11-2005، نُقل كثيراً. بعضهم نقله بأمانة وإشارة إلى كاتبه والموقع الذي يحتفظ بحق النشر، وبعضهم لم يذكر، وبعضهم نسبه إلى نفسه واعتذر لاحقاً، وبعضهم نسبه إلى مظفر النواب”. ويرى صاحب رواية “سرمدة” أن “نسبة النص إلى الشاعر الكبير مظفر النواب من أجمل ما قيل في نصي، ولكن أعتقد أن شاعرنا الكبير، بمستواه وتاريخه، لن نرتقي لمكانته، سواء اختلفنا معه أو اتفقنا”.
الدافع الأساسي للتوضيح أن النص استُعمل لأغراض سياسية. وقد بدأ الالتباس مع الصحافي العراقي جمال محمد تقي الذي لم يكتف بتغيير اسم الكاتب، بل قام باستثماره سياسياً، وذلك بعد تفجيرات الأربعاء الدامي في بغداد عام 2009. وبحسب توضيح عزام: “حينها شنّت حكومة بغداد والمالكي تصعيداً على حكّام دمشق، فنسب الصحافي النص إلى مظفر، وأقحمه في سجال آخر وفضاء آخر”.
ظلّ “إنها دمشق يا أولاد القحبة” يُتداول كنص لمظفر النواب حتى قامت الباحثة العراقية بتول الحصري، المختصة في شعر صاحب “الريل وحمد”، بالكتابة عن ظاهرة هذا النص، موضحةً أسباب الالتباس. تستغرب الحصري كيف تداول محبو الشاعر النص من دون الانتباه إلى بعده عن أجواء النواب بعداً كلياً: “نص لا ينتمي من بعيد أو قريب إلى قاموس مظفر سوى بكلمة واحدة نابية”.
وواحد من الأحداث المهمة في سيرة هذه النص ما قامت به فضائية “الإخبارية السورية” في 2013، حيث قدّمته بشكلٍ دعائي لنظام الأسد، مع حذف كل ما لا يخدم تلك الدعاية، ووضعت اسم النواب على شارة ما أسمته “أوبريت دمشق”، إلى درجة يخال فيها المرء أن صاحب قصيدة “القدس عروس عروبتكم” انضم إلى نادي الأبواق والشبيحة.
غاية ردّ عزام هي تقديم نصه كما هو، من دون التوابل التي أضيفت من هذه الجهة، أو الأجنحة التي قصقصت من تلك الجهة، ليُقرأ “إنها دمشق..” بوصفه نصاً أولاً وأخيراً.
العربي الجديد