صفحات الثقافة

6 روايات عربية تتنافس على الـ “بوكر” وأصحابها يروون التجربة/ فاطمة عبدالله

 

 

ستّة روائيين عرب وصلت أعمالهم الى القائمة القصيرة للرواية العربية، التي ترعاها “مؤسسة جائزة بوكر” في لندن، في انتظار الأربعاء 6 أيار موعداً لإعلان خَلَف العراقي أحمد السعداوي الفائز في العام الفائت عن “فرانكشتاين في بغداد” (منشورات الجمل). روائيون من لبنان وفلسطين وسوريا والسودان وتونس والمغرب، يقدّمون أعمالاً تحاكي انكسارات الإنسان في مجتمعات قاسية.

بعد 180 رواية (من 15 بلداً) انتقلت 16 منها الى القائمة الطويلة، رسا، على 6 روايات، اختيار لجنة التحكيم المؤلفة من الشاعر والكاتب الفلسطيني مريد البرغوثي رئيساً، والشاعرة والناقدة البحرينية بروين حبيب، وأستاذ الأدب العربي الحديث والأدب المقارن بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن أيمن أحمد الدسوقي، والناقد والأكاديمي العراقي نجم عبدالله كاظم، والأكاديمية والمترجمة والباحثة اليابانية كاورو ياماموتو. “طابق 99” (“منشورات ضفاف”) للبنانية جنى الحسن، “حياة معلّقة” (“الأهلية”) للفلسطيني عاطف أبو سيف، “الطلياني” (“دار التنوير تونس”) للتونسي شكري المبخوت، و”ممر الصفصاف” (“المركز الثقافي العربي”) للمغربي أحمد المديني، “ألماس ونساء” (“الآداب”) للسورية لينا هويان الحسن، و”شوق الدرويش” (“دار العين”) للسوداني حمور زيادة. رواياتٌ عن الكائن المعرَّض على الدوام لمواجهة مصائر تفترسه.

¶ “طابق 99” لجنى الحسن: هل نظلّ ملعونين بالوجع بقية أعمارنا؟

أرخى ترشّح “أنا، هي والأخريات” لجنى الحسن، في العام 2013، شعوراً بذروة الحماسة. اليوم، “طابق 99″ تجربة ثانية مرشّحة للفوز بالـ”بوكر”. تقصّ شعور المواظبة على تقديم عمل يستحق أن يُقرأ باهتمام. وصول “طابق 99″ الى القائمة القصيرة، هو للحسن، إثبات للذات وإلحاح على الاستمرار. تفصل ما بين الكتابة للنشر والجوائز، وبينها كلحظة حميمية خاصة. يدرك المرشّح للـ”بوكر” أنّ مجرّد الترشّح يضمن انتشاراً هائلاً ويضاعف بيع الرواية. أحدٌ من الروائيين الستة لا يقلّل فضل هذه النعمة، بعضهم يقتضب في الحديث عن إحساسه السعيد، وبعضهم يستفيض. أحدهم لا يبخس تقديراً يُغدَق عليه لمجرّد الترشّح للجائزة. في “طابق 99″، لا تمتلك جنى الحسن أجوبة، ولا تريد للسياق أداء دور الفيلسوف أو المصلح الاجتماعي. الرواية سؤال عن قدرة الإنسان على البناء من العدم. ماذا عن الأوجاع والحاجة الى التخلّص منها؟ هل نظلّ ملعونين بالجرح بقية أعمارنا؟ تضفي الحسن البُعدين الجغرافي والزمني وتحيط السرد بالظرف. رواية البحث عن الهوية فيما الذاكرة متشظّية، وعن الوجود فيما الموت محشوٌّ في الأرواح.

¶ “حياة معلّقة” لعاطف أبو سيف: غزّة القائمة كالمسيح من بين الأموات

يشفي غليل الفلسطيني عاطف أبو سيف تحرُّر روايته من حيّزها المكاني، وانتشارها خارج حدود الجغرافيا الضيّقة التي يتناولها السرد. يبدو سعيداً بوصول ما يكتب الى القارئ، بعدما كتب أربع روايات لم تلقَ الانتشار المرغوب فيه، لحصارها ضمن حدود غزّة. لم تُصَب هذه الرواية بلعنة واقعها المعلّق الذي تتحدّث عنه بكثير من التفاصيل. لم تعد الرواية معلّقة. تحرَّرت من سياقها الجغرافي كونها نُشِرت خارج غزّة. طوال ثماني سنوات، مدّة كتابتها، حاول الكاتب مراراً إيقاف حوادثها، لكنّ الوضع المتدحرج في غزّة فرض على الشخصيات التحرُّك في فضاء خاص. يصنع الواقع، من فرط بشاعته، شخصياتٍ متمرّدة داخل عوالمها الكتابية، لكنّه واقع يقتضي ألاّ يموت البطل. ينهض الحاج خليل من الموت كأنّها حال السيّد المسيح، فتعبر غزّة من كونها صورةً نمطية الى يوميات المعيش. ليست هي رواية الفكرة، بل التباس الواقع كفسحة بين موتين.

¶ “الطلياني” لشكري المبخوت: التوق الى الحرية

يجد التونسي شكري المبخوت الوصول الى الجائزة بمثابة اعتراف أدبي بالرواية، وبما قد تتضمن من جودة فنية وقيمة جمالية. يضيف أنّ القارئ سيبدأ بانتظار ما يجود به قلم الكاتب بعد الرواية المرشّحة. تجمع “الطلياني” المنحى الواقعي الاجتماعي- النفسي. شخوصها مركّبة، تعبّر عن ترددات الكائن البشري على رغم ارتباطها بحيثيات محلية تونسية. هي بحث شباب تونس عن معنى وجودهم وتوقهم الى الحرية. في السياق، انزلاقات وحفر، لا سيما بوجود شاب يساريّ طموح كان قائداً طالبياً وإذا به يصطدم بآلة القمع والرقابة وبؤس المجتمع. إنّها رواية الثورة التونسية وما يُعرَف اصطلاحاً بـ”الربيع العربي”، تحاول إظهار أشباح حامت حول الوطن في فترة الانتقال من العهد البورقيبي الى عهد بن علي.

¶ “ممر الصفصاف” لأحمد المديني: الإنسان متماهياً مع الحيوان في الكرامة الممتهَنة

يتراءى الوصول إلى الجائزة بالنسبة الى المديني “تصوراً لذائقة أدبية ولشبكة معايير نقدية دقيقة ومحكمة من لدن هيئة تحكيم محنكة أدبياً، عن مفهوم هذا الجنس الأدبي الصعب، على أي صورة ينبغي أن يأتي، وماذا ينبغي أن يبرز ويعبر”. يرى أنّ اختيار عمله وسط مساحة شاسعة من النصوص، يعني أنه في قلب هذا المفهوم الأجناسي، وقد قبض على السر، أو يكاد، فكيف لو يصل إلى نهاية الشوط، حينها سيصبح مطالباً بأن يذهب أبعد في رهان الجمال والخيال. تنزع “ممر الصفصاف” إلى رصد ولادة حي وعمران بشري جديدين، داخل مدينة مستقرة بنياناً وثقافة ومصالح. تركز الرواية على بؤرة واحدة، من خلال المكان الناشئ، وما يقترن به من تولّد علاقات وأنماط سلوك، فيما هي ترسم مسارات شخصيات منبثقة من هذا المحيط وأخرى وافدة اليه، وثالثة محيطية، بشرية وحيوانية، أيضاً، تتآلف تارة، وتتقاطع تارة أخرى، وأطواراً تتضارب مصالحها وتتصادم مصائرها، وهو الأغلب، لأن رغبة الهيمنة لدى المتسلطين تعلو قبضتها وتشتدّ في وجه كائنات شبه منسحقة، لا تريد أكثر من محاولة العيش في المدينة التي يفترض أنها تقود إلى المدنيّة، فإذا هي مضمار حرب ضروس تفتك بالصغار، وتُمتهن فيها كرامة الإنسان، فكيف بالحيوان، وهما يتماهيان، كما يتماهى “عالم” الرواية مع معمارها.

¶ “ألماس ونساء” للينا هويان الحسن: الفرد لا يصنع حضارة

لا تخفي لينا هويان الحسن سعادتها بالوصول الى القائمة القصيرة، كون “الطرق أمام الأدب ليست سالكة، والبوكر ساهمت بتعبيد الدرب أمام الرواية العربية”. “ألماس ونساء” محاولة استذكار فترة زمنية عاشتها دمشق وهي تضم في حناياها عرقيات متنوعة ومذهبيات مختلفة، من دون أن تقع في مأزق الهوية، عارضة الحال الكارثية التي تتأتّى جراء الاصرار على تعزيز النزعات الفردية. البطلات نساء عشن هاجساً عميقاً بالحرية والحياة تحت ظلالها، وإن كان الثمن تغيير الأوطان. يطرح السرد سطوة الهواجس القومية، والسعي الى المغامرة، وتختبر الشخوص التحرُر من الموروث وتقبُّل الآخر، تمجيداً لحقيقة أن الحضارة لا يمكن أن تنتمي الى فرد بعينه أو أمة دون أخرى.

¶ “شوق الدرويش” لحمور زيادة: الأقدار التي ما كانت للبشر نهاية غيرها

تقويم لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية رواية “شوق الدرويش”، هو في رأي صاحبها، “شرف كبير، متعدد، اعتبره تكريماً للتأريخ السوداني أولاً، وللأدب السوداني، إذ إنه بعد غيبة يمكنه منافسة روايات من دول استقرت مشاريعها الروائية على صدارة المشهد الثقافي العربي لعقود، وتكريم لمشروعي الروائي الخاص الذي يخطو خطواته الأولى”. “شوق الدرويش” هي رواية زيادة الثانية، وسيكون من غير المنصف وصف شعوره بالسعادة فحسب. فأن تُسمَع حكاية حب بخيت منديل ووجع الحسن الجريفاوي بإيمانه على مستوى البقعة العربية، “وفي مكان متقدم على منافسة جائزة الرواية العربية للسنة 2015، لهو أمرٌ فاق توقعاتي”. إنها رواية محظوظة، استطاعت أن تحمل أبطالها الى فسيح ممتد من القراء ليشهدوا جانباً من تلك الملحمة الإنسانية التي دارت على أرض بلاد السودان في نهايات القرن التاسع عشر. الى أين يمكن أن يقودنا الإيمان؟ هل يمكن البشر التزام القيم الكلية، والنموذج الأسمى، ليحيوا سعداء؟ هل كلما غصنا في التسليم والعبودية ارتقينا في مدارج الهناء؟ أسئلة ألحّت على حمور زيادة بينما يكتب حكاية بخيت منديل، العاشق الذي استبد به الهوى وجعله الحب ضخماً في معناه النفسي وأكبر من الواقع، هو الذي عاش حياة حشائش الأرض في واحدة من أشد فترات السودان صخباً. تعرض الرواية البلاد التي غزاها الباشا محمد علي، فدمّر ممالكها، وذبح أهلها، ثم ضمها تحت سلطانه. ولّد الظلم ثورة الإمام المهدي، الرجل الذي أتاه النبي ليخبره أنه المهدي المنتظر، وأن مَن لم يؤمن بمهديته فقد كفر. بين كره الاحتلال، والإيمان بالمهدية ودعوتها، والتبشير الآتي من الغرب، تنمو الرواية بخليطٍ من الشك والحيرة. إنها السودان مع بدايات تشكُّل العالم الحديث، وتمدُّد الامبراطورية البريطانية، وذروة صراع المستعمرات. في هذا العالم يتحرك أبطال “شوق الدرويش” بتفاصيلهم الشخصية، وتقودهم الحكاية إلى أقدارهم النهائية التي ما كانت لهم نهايةٌ غيرها.

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى