معركة الخير ضد الشر/ ميشيل كيلو
بعد أن طوى صفحة صراعه مع إسرائيل، ونقل مقاتليه وخبراته إلى سورية والعراق واليمن، وحوّلهم من مقاتلين يحررون أرض لبنان من الاحتلال الإسرائيلي إلى مرتزقة يقاتلون العرب والمسلمين، نقل حزب الله اهتمامه الاستراتيجي من صراعه المزعوم مع الصهيونية وإسرائيل إلى مجال جديد، غير مزعوم إطلاقا، هو محاربة التكفير، كما يجسده الإسلام الآخر، غير الشيعي الذي فقد حقه في أن يكون إلى جانب الله، بعد أن احتكر عملاء إيران هذه الصفة، وتركوا لغيرهم من المسلمين خانة وحيدة، يحشرون فيها، هي ضروب من الإرهاب والتكفير، لا يستطيع حزب الله تجاهلها أو عدم خوض الحرب ضدها، انطلاقا من إطارٍ كان حسن نصر الله قد حدده في دروس تعليم ديني ألقاها في عاشوراء، رأت في صراع الحسين ويزيد صراعاً بين الخير والشر، وجعلت الخير من نصيب الأول والشر حصة الثاني، وأكدت أن صراعهما ليس شخصياً، وانه أبدي يتجاوز الأزمنة والأمكنة، وأن التراخي فيه كفر وخيانة للدين، وأن انتصار الخير فيه يعادل نجاة البشرية، والخسارة تقود إلى جاهلية ضلال، لا يبقى معها حق وخير وجمال!.
بنقله المعركة من إسرائيل الصهيونية/ اليهودية إلى العرب والمسلمين، طبق نصر الله معايير معركته الأولى على معركته الجديدة، الدائرة، اليوم، سورية والعراق والبحرين واليمن، حيث يتهم وجود أعداء أشد خطراً من الصهاينة، يمثلون شراً يجب أن تكون المعركة ضده أبدية، بينما “تراجعت” (قل انتهت) المعركة ضد الصهاينة، الجالسين بارتياح في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والقرى السبع، وهي جميعها مناطق لبنانية، كان نصر الله قد وعد بمواصلة المعركة إلى أن يتم تحريرها بالكامل، خطوة في الطريق إلى تحرير ما بعد بعد بعد بعدها، وها هي قواته “تحرر” القصير وحوران وحلب وحمص وحماه من “التكفيريين”، وتعد العدة لمواجهة “الاستيطان العربي” في البحرين الذي ندّد نصر الله به، وحذر منه، في آخر موعظة سياسيةٍ ألقاها على مقاتليه الأخيار، بما أن استيطان البلدان العربية لا يجوز أن يكون بعد اليوم غير إيراني/ فارسي، على غرار ما يحدث في العراق ولبنان، ويراد له أن يحدث في سورية، بعد أن ينتصر جيش القدس والحرس الثوري وحزب الله والنظام العميل لطهران على شعب سورية التكفيري.
لم يكن حزب الله بحاجة إلى إجراء تغيير كبير في خطابه وأيديولوجيته، بل كان كل شيء جاهزاً لتبرير التغيير في اتجاه البندقية من إسرائيل إلى العرب والمسلمين، من أنصار الشر الذين لا يؤمنون بولاية الفقيه: شيعة كانوا أو سنة، ولا قيمة إطلاقاً لإيمانهم بالله ورسوله، ما دام نصر الله يصنفهم تكفيريين شريرين، ويعد بشن حروب استباقية ووقائية، رادعة وإبادية، ضدهم، حماية لمواقع الولاية في لبنان، وللخير المهدد بالشر في العالم كله، وليس هناك من حرج إطلاقا في إضافة مسوغ جديد، كل يوم، لحربه المقدسة، مثل منع الاستيطان العربي في البحرين: ميدان معركته المقبلة، بعد سورية والعراق واليمن، الذي سيتعرض للقضم، وصولاً إلى تفجير الخليج، وسيشهد عملية نقل إضافية للمعركة إلى المجالين، العربي والإقليمي، تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني الذي يرى فيها جزءاً من الامبراطورية الفارسية.
بتحول حزب الله إلى آلة قتل وغزو للعرب والمسلمين، تظهر مهمته الأصلية على حقيقتها، وتنكشف مقاصد طهران العربية. ويبقى السؤال: أين نحن العرب من هذا كله؟
العربي الجديد