أريخ مشهدي للانتفاضة والحياة اليومية في حلب/ عزيز تبسي
هذا التحقيق المشهدي للانتفاضة والحياة اليومية الراهنة في مدينة حلب، فصل من كتاب يعدّه للنشر “مركز شرارة آذار للدراسات” عن المدينة وريفها الشرقي.
ظهور الشبيحة
في بداية التحركات الشعبية في العام 2011، امتلأت أرصفة شوارع حلب العامة وأسواقها التجارية الرئيسية ببسطات لبيع الخضر والفاكهة والألبسة والأحذية والتبغ، وما هبّ ودبّ من السلع الرخيصة. نُصبت مصابيح جديدة للإنارة على نواصي الشوارع، وظهرت وجوه جديدة لرجال وشبّان بأذرع موشومة وجفون منتفخة. على وجوههم ندوب من أثر جروح مندملة اختطتها ضربات سكاكين وأمواس وشفرات. شبّان وفتيان يرطنون بأنماط من النطق الثقيل للهجة المحلية، أسيرة ذكوريتها وبلاهة عزلتها وعدوانيتها. سرعان ما ترتفع ارتفاعاً ملحوظاً، أعداد الجنايات والجنح والسرقات والسلب والخطف في المدينة بغرض الفدية.
كان ذلك من النتائج الأولية لسلسلة من مراسيم العفو عن السجناء الجنائيين التي بدأت بمرسوم عفو رئاسي في آذار 2011، تبعته مراسيم عفو أخرى، وتعليمات للأجهزة التنفيذية بالكف عن ملاحقة المطلوبين الجنائيين، ليحصلوا بعدها على مواقع السيادة والسيطرة في الفضاء العمومي المديني، محظيين بتجاهل متعمّد لتجاوزاتهم من الأجهزة المسؤولة عن مراقبتهم وحماية المجتمع من مخالفاتهم. تضاءل على نحو ملحوظ حضور دوريات الضابطة التموينية المسؤولة عن لوائح أسعار المواد الاستهلاكية، ومطابقة حقيقة السلع للمواصفات المعلنة على بطاقاتها. تضاءل أيضاً حضور الشرطة العامة والمرورية والجمركية التي أظهر رجالها، في حال حضورهم الشكلي، أنماطاً من التسامح مع المخالفات والتجاوزات.
لن يحتاج العابر بين البسطات لكثير عناء، حتى يتيقن أن تحت كل بسطة نوعاً من أنواع السلاح: هراوة كبيرة أو أكثر، سلاح ناري، سيف صقيل، عصا طويلة، كلاليب معدن معكوفة ومسننة، قبضات حديد، سكاكين. ورأى العابرون مَن يخفي بنادق آلية في صناديق أو تحت الأغطية. هذه كلها جاهزة للاستخدام في القتال الفردي.
يلمس المتعاملون مع شبّان البسطات صعوبة في التواصل أثناء عملية التسوق التي تحتاج الى الحوار والمساومة. فيبدو أن ما يقومون به خلف بسطاتهم ليس مهنتهم الحقيقية التي تعتمد لاستمرارها على اللغة المهذبة الهادئة الجاذبة للزبائن، والساعية الى إنتاج تفاهمات لإكمال هذه التجارة البسيطة.
بمجرد السؤال الاستفساري عن سعر السلعة التي يعرضونها، يسعى هؤلاء الباعة إلى فرض عملية البيع، مستفيدين من احتكارية وجودهم في متن الأسواق والشوارع الرئيسية والساحات العامة الأشدّ ازدحاماً وحركة تجارية، متعاملين بالعنجهية نفسها مع أصحاب المحال الذين يمدّون بسطاتهم أمامها، فضلاً عن فرض ما يعادل الخوّة عليهم: واجب تزويدهم الكهرباء، والسماح لهم باستخدام المرافق الضرورية، كالحمّامات، والمغاسل، وتأمين بضائعهم داخل محالهم بعد إغلاق الأسواق.
البيوت قلاعاً حصينة
تدريجاً، تحولت البيوت الحلبية قلاعاً محصنة. فأخذ الخائفون المنزوون في منازلهم، يترقبون ما يحدث في الشوارع المجاورة. منذ ساعات الصباح المبكرة، بعد يقظات عكرة، يروح يعلو ضجيج المطارق والمثاقب النيرانية وشراراتها، وسواها من أدوات الحدادين الناهضين بهمة لإنجاز أعمال اشتد الطلب عليها: تمتين أبواب العمارات، صناعة أبواب حديثة لمن أهملوا بوّابات عماراتهم في ما مضى من سنوات الأمان النسبي، وتركيب أسوار حديد منيعة على النوافذ المنخفضة. يعقب الحدادين الكهربائيون لتركيب الضواغط الآلية للأبواب وكاميرات المراقبة على زواياها الرئيسية، والأنترفونات البصرية ليرى السكان زائريهم المعلومين والمجهولين قبل فتح الأبواب؛ معززين بذلك وسيلة مقاومتهم الوحيدة: ألّا يفتحوا لمَن لا يعرفونه، بعدما تأكدوا من أن الشرطة لا تردّ على الهواتف الإغاثية، تأكدهم من أن مَن يستجيب للاستغاثة من الشرطيين يأتون لسلب ما نسي أو غفل اللصوص المتعجلون عن سرقته.
بعدها تجري معاينة أبواب سطوح البيوت والبنايات بدقة، لتفقد أقفالها وخزّانات المازوت والمياه عليها. ثم تشمل المعاينة الأبواب المنزلية الخشبية، النوافذ المفتوحة على المناور والفسحات الخارجية وعلى الجوار. كذلك النوافذ التي لم تفتح يوماً. هكذا يعاد النظر في أنظمة الأمان كلها. بعدها يجري التنبه إلى ما لم يجرِ الانتباه اليه يوماً على الإطلاق: احتمال قرع اللصوص المسلحين الأجراس المثبتة على أطراف البوابات الرئيسية، ودخولها بعد أن يُفتَح لهم كضيوف زائرين، أو كجباة لفواتير الكهرباء والمياه وسعاة البريد.
يتناسى الحلبيون لوهلة ما تعرضه محطات التلفزيون “المعادية” للنظام، من مشاهد عن خلع الأبواب بالمهدات والمطارق الضخمة، ورشق الأقفال الموصدة بدفق من الطلقات النارية، وقفز الفاعلين من فوق الأسوار. فتلك المشاهد تحفّز مباشرةً على تحديد مَن هم اللصوص المقتحمون في عزّ النهار، ومَن هي العصابات المسلحة، ومَن يخطف الأثرياء من التجار والأطباء الحلبيين وأبناءهم. ثم انهم غضوا النظر عن كون الخاطفين لا يخطفون الناس من بيوتهم المحمية بالكاميرات، بل من الشوارع ومن أماكن عملهم، حيث الطمأنينة والاندماج التام، ليفاوضوا بعدها عليهم لقاء فدية. هذه الوقائع كلها يجري محوها أو عدم التفكر فيها من أبناء الفئات المتوسطة التي لا تصدّق ما يُهمَس في آذانها عن وقائع يقينية تحصل في المدينة.
يعمل الحلبيون بصبر وأناة على طرد أشباح الخوف بتعازيم وقائية لتبديد ما يشوّش سعيهم إلى أمان ذاتي يدخل الى قلوبهم الطمأنينة، والنوم الرائق الى عيونهم، ولو لوقت معلوم. لا بأس أخيراً من اقتنائهم سلاحاً نارياً خفيفاً يجهلون استعماله، ومن بضع عصيّ كهربائية، تكون الأولوية في اقتنائها لسيدات المنازل وآنساته، ليضعنها في حقائبهن الملونة الأنيقة، بعد التأكد من بائعها أنها لا تقتل، بل تُحدث شللاً موقتاً فحسب، وتمنحهن زمناً كافياً للفرار، في حال تعرضهن للخطف.
الخوف البيولوجي
تشمل الوساوس والهذيان المؤونة والطعام. بعضهم يفرغ غرفة من البيت للمؤونة من المواد الجافة، كالبرغل والأرزّ والسكّر والعدس والفاصولياء؛ والسائلة كالزيت والسمن والمنظفات. وكانت حركة الناس في الأسواق الكبيرة الخاصة بالألبسة والأحذية، قد خفتت، فيما أخذ التجار يتحدثون عن الكساد، مع ظهور ميول جديدة بدأت تغيّر نظام الأولويات، بعد اندفاع الناس إلى توفير أكبر كمية من الأغذية. هذا شكلٌ من أشكال استبدال العملة التي تتهاوى قيمتها الشرائية، بالسلع التي ترتفع قيمتها وتختفي من الأسواق. فتصير ترى الزبائن في المتاجر الكبيرة وفي أيديهم قائمة بالمطلوب شراؤه، ومن بعيد يأتيهم صوت البائع ليحذّرهم شكلاً، ويحفزهم حقيقةً على مزيد من الشراء: هذه – مشيراً بيده الى سلعة – كان سعرها كذا وصار سعرها كذا، فيأتيه من الزبائن هدير بصوت واحد كجوقة: أوووف!!
بعد دقائق تفرغ الرفوف من بعض السلع، وتمتلئ بها أكياس الزبائن اللاهثين خلف توازن لن يتحقق بين قدرتهم الشرائية التي تتأكل كل يوم وبين حاجات أسرهم، في صراع يأخذ بعض محرّضاته من العناصر البيولوجية: الرغبة بالبقاء في سجلات الحياة، وعدم تبديد جنى العمر “فرق عملة”. هذا، فيما يجني تجّار الحروب المحميون من الأجهزة الأمنية، ثروات، بينما تتفاقم الأزمة الاقتصادية البنيوية التي تضرب عميقاً الاقتصاد السوري منذ أمد طويل.
إنها دوّامة استنزافية مدمّرة للشرائح المتوسطة التي لا تزال تمتلك قدرة شرائية وتقاوم بها انهيار شروط حياتها. أما الغالبية الشعبية فغادرت منذ زمن بعيد تلك الخيارات التفضيلية والوقائية، لتخوض معركة وجودها بطريقة أخرى: بيوتها لا تزال مفتوحة من الجهات الأربع في مناطق المخالفات العقارية (العشوائيات). فهي لا تمتلك ثمن الحديد والكاميرات وأجور الحدّادين والكهربائيين، ولا تعرف ماذا سيفعل اللصوص في بيوت لا تتوافر فيها بعض من الأسباب التي لا تطيل الحياة ولا تجددها، كالمازوت والغاز والزيت والسكر. إنها بيوت ينتظر سكّانها عودة الرجال من العمل آخر النهار، ليلتفّ أبناؤهم حولهم إلى موائد من أكداس الخبز والشاي والبطاطا المسلوقة. وهذا ما يستوجب على اللصوص منح بعض مسروقاتهم لأهل هذه البيوت، الذين يعمل أبناؤهم أعمالاً نافلة، من مسح السيارات والأحذية وبيع أوراق اليانصيب والتسول، الى أعمال أخرى يقودهم إليها مكوثهم الدائم في الشوارع، ويضعهم وجهاً لوجه مع أولاد الحرام من الشبيحة وعناصر الأجهزة الأمنية.
قوّادون وعاهرات ومخابرات
حلب التي لم تكن تعرف النوم، وبعض من شوارعها وأسواقها يتصل ليله بنهاره، هي الآن شبه خالية من أولى ساعات المساء. من يعبر وحيداً في شارع، لا بد أن يشعر بثقل العتمة والخوف الآتي من عدوانية الصمت. صمت هو تجربة جديدة غريبة لم تكن متاحة في أوقات الهدير البشري والزحمة الخانقة والتدافع اللجوج على الأرصفة الضيقة، وأمام باعة الحلويات وعربات شواء اللحوم وأكباد الخراف والذرة الصفراء. وهي فرصة ليلتقي هؤلاء العابرون المستوحدون، وجهاً لوجه، بأفواج العاهرات المضرّجات بالألوان والخلاخيل، وليكتشفوا عن قرب دلع المثليين، وسماع رنين كعوب أحذيتهم العالية، وهم يبتكرون أحدث المظاهر في ليّ أعناقهم ونفخ بالونات العلكة في أفواههم، قبل تفجيرها المجفل على زوايا شوارع مظلمة خالية. هذا فيما القوّادون يصرّون أسنانهم الذهب ويشحذون يقينهم البهيج بامتلاك مؤخرة العالم، واثقين ثقة تامة بالقيمة التداولية لأثداء عاهراتهم، لكن خائفين من المزاج الوحشي للشبّيحة قبل سريان مفاعيل حبوب المخدّر في أبدانهم. وها هم يتحلقون حاملين في أيديهم علب البيرة، متبادلين الأنخاب وموعودين بتقاسم الغنائم، موجِّهين نظراتهم النيرانية إلى العابرين.
هناك أيضا النائمون على الأرصفة وفي زوايا الحدائق العامة، وكذلك لا بد من مصادفة مَن لا يتركون الشوارع إلا ليسلّموها إلى غيرهم من عناصر فروع المخابرات الكثيرة.
منذ بداية العام 2012 أخلى الناس شوارعهم ليلاً، فصارت نهباً لمثل هذه الأنواع من الرجال بسكاكينهم الصقيلة وأسلحتهم الحربية، مخدَّرين بآثار كبسولات الليبريوم والكابتاغون والفاليوم.
في الليل تبقى البسطات على حالها رابضةً حمولاتها الثقيلة في أمكنتها الى جنبات الشوارع، لكن مغطاة بشوادر بلاستيك تظهر البسطات كأفيال منقرضة. لا تتوقف الاعمال ليلاً في ورش البناء التي يديرها فصيل آخر من أعيان الشبّيحة المؤتمنين على المدينة. فترتفع في كل ليل بيوت بلا أعمدة، لتلتوي بعد أسبوع كرجل عملاق مصاب بالكساح المزمن. هناك من يكتب في الليل على الجدران – بعيداً من أعين هؤلاء، وبحماية حنونة من رفاقه – عبارات لن يرضى عنها الفاشيون أبداً، من مثل: الحرية الى الأبد.
فيروس الخوف والعنف
بعد منتصف تموز 2012، لم يكن دخول المدينة في النسق العسكري – الحربي تتويجاً لسيرورة التراكمات النضالية التي تحققت في هوامش أحيائها، بفاعلية التنسيقيات المناضلة والمبادرات الثورية المتعددة، التي عملت على توطين الانتفاضة الشعبية الثورية، وإنتاج أشكالها.
الثوّار في أعماق ريف حلب الشمالي والغربي – الموّار بالحركة والتفاعل الثوريين بصيغ احتجاجية متباينة – تمكنوا من تشكيل بؤر ثورية لامركزية ظلت معزولة نسبياً عن عمق حلب المديني الذي روّضته مختبرات القمع وحصّنته طوال نصف قرن، وحقنت الكائن السوري بمركّب من الخصائص الفيروسية جعلته يتكيّف مع أقسى الشروط ويحتال على قهريتها، ويندفع الى أن يأكل أخاه ونفسه “بلا ملح” حين يهيج. هذا من دون أن يتجرأ على الاقتراب من السلطة التي أخذت في مخيلته شكل حيوان وحشي أسطوري لا يرحم. يتمكن الكائن السوري بحذق من تعليق جرس إنذار وقائي في ذيله، كحال الفئران مع القط الشرس في قصص الفتيان التي يبلِّغ فيها الجرسُ الفئرانَ عن لحظة حركة القط وتحفّزه وهجومه. هكذا يتشرّب الكائن الحيطة والحذر، ويعتاد البحث عن رزقه في غفلة عن المراقبة الماكرة والعقاب الانتقائي، مؤكداً ميله الراسخ إلى التسويات.
بعد تقويض الحركة الاحتجاجية بالدم والرعب في أواخر السبعينات من القرن العشرين وبداية ثمانيناته، أنتجت الاصطفافات الطبقية المتجددة في سيرورة تاريخية مستقرة نسبياً، تحالفاً عريضاً بين “بورجوازية” مدينية – ريفية (صناعية، تجارية، ريعية، وخدماتية) مصفحة بقوة ضاربة من أجهزة الأمن الواسعة الصلاحيات والقدرات، وبين بيروقراطية الفساد الإداري الحكومي العميق: بدءاً بمصلحتَي الضرائب والتأمينات الاجتماعية وجهازَي القضاء والشرطة، وانتهاءً بإدارة الجمارك العامة. لكن الفساد يتفشى في كل الادارات والمؤسسات، ويعفي الأنشطة الاقتصادية كلها من الرقابة والمحاسبة والجباية الضريبية. الحلف هذا تشاركه قوة اقتصادية وازنة لعشائر تتموضع أنشطتها في الاقتصاد الأسوَد: تهريب المخدرات والتبغ والسلاح والمضاربات العقارية وفرض الخوّات على أصحاب المنشآت الصناعية.
يتوزع حضور هذا المركب وفاعليته، وفق هرميات بطريركية أساسها الاجتماعي العشائر الممتدة في الريف المتاخم لحلب. برز من العائلات ذات المنبت العشائر آل بري وقيس، وشويحنة وحميدة، وجماعات أخرى تعرف بمنبتها القروي كالعساسنة (قرية عسان) والعناجرة (قرية عين جارة)، والعشائري كالبقارة والبطّوش والموالي والحديديين… الخ. في مرتبة دنيا هناك جماعات كردية حلبيّة منفصلة منذ زمن عن الجذع الكردي وشجرته الملونة. عرفت هذه الجماعات بـ”الماردل”، واشتهرت عائلاتها في الستينات والسبعينات بالأعمال الخدمية الدونية في المدينة، كمسح الأحذية وبيع أوراق اليانصيب والعتالة (حمّالون) وترويج الدعارة والمخدرات. أما نساء هذه العائلات فعملن في الخدمة في بيوت الأغنياء.
من هذه الجماعات كلها أعيد تشكيل النواة الصلبة للشبّيحة الذين التحقوا من دون عناء بالحملة الحربية الموجّهة ضد المنتفضين في 2011. بأثر من بنية أخلاقية متأكلة ومنحطة، ونشاط اقتصادي تأسس وتوسع على دوس القوانين العامة، ونفور يصل إلى العداء المستحكم لأهل مدينة حلب، اندفع هؤلاء الى إعمال أصناف العنف كلها ضد المحتجين.
بضرب من تقسيم العمل بين الجماعات الفاشية – بعد تفاهم مخابراتي مع قيادة “الاتحاد الديموقراطي الكردستاني” في الخارج، أثمر إفراجات عن معتقلي هذا الحزب، ووعود غامضة بتمكينه من الإدارة الذاتية للمناطق ذات الغالبية الكردية – تمتعت هذه الجماعات بأماكن محمية لميليشياتها المسلحة، وجرى تلزيمها الأحياء والقرى ذات الغالبية الكردية في حلب وريفها، على أمل أخذها غنيمة حرب، أو كمكافأة للأتعاب في آخر الخدمة مستقبلاً.
في المقابل توفرت في مدينة حلب الكبيرة حال تضامنية مع الانتفاضة الشعبية الثورية في حوران منذ 2011. عبّر التضامن الحلبي عن نفسه بانطلاقات لامركزية لمجموعات متعددة ومبعثرة من تنسيقيات الأحياء الحلبية. حفرت هذه المجموعات طريقها في الصخر، وتلمّست تجربتها بحذر. وبشروط قهرية من التطويق الأمني وخطط التعقب والاعتقال المنهجية، وسّعت نشاطها وطوّرته لتواجه واقعاً قاسياً ساكناً محكوما بمفاعيل إيديولوجية للقوى السياسية التقليدية وحصارها، وبسلبية اجتماعية انكفائية حلبية، وببطش لا يرحم لقوتين متلازمتين: الشبّيحة والأجهزة الأمنية. هذا ما أوقع الحراك مبكراً في مآزق تنظيمية وبشرية كبيرة، لم تتناسب قط مع محدودية فاعلية الاحتجاجات في مدينة واسعة وواعدة بإمكاناتها. جرت نقاشات واسعة عن الكيفيات المناسبة لتوسيع التظاهرات وحول أهمية توفير الحماية الذاتية للتخفيف من تكلفاتها، بعدما باتت المشاركة في أيّ تظاهرة لدقائق في مثابة الذهاب إلى حرب معلومة النتائج. وصار مؤكداً أن كل من يذهب للتظاهر، يقوم بطقس الاستعداد للموت، أو التهيؤ لما سيواجهه، بعد الاعتقال، من تعذيب بدني مروع.
كأمثولة للمواجهة غير المتكافئة، رفرفت روح يوسف العظمة وميسلونه، فوق رؤوس الشبان والشابات المنذورين لدفع تكاليف الحرية.
المدينة والريف
عجزت المعارضة التقليدية غير الإسلامية (التجمع الوطني الديموقراطي الذي صار لاحقاً النواة التأسيسية لهيئة التنسيق الوطني)، عن تقديم تصور سياسي عن الانتفاضة الشعبية واحتمالاتها. في ما بعد، عطلت، بتشوُّش مقولاتها وارتباكها وبتعويلها على إصلاح السلطة، كل اندفاع كفاحي نحوها. الجناح الآخر منها، وهو من بقايا “إعلان دمشق”، كان قد فقد معظم وزنه السياسي والتنظيمي في المدينة وسواها، وعانى من قصور قديم في مقارباته الفكرية – السياسية. فانفضّ عنه معظم مَن ساهموا في انطلاقه، ولم يبق فيه إلا “حزب الشعب” ومجموعة محدودة من المستقلين. هكذا اقتصر نشاط بعض جماعاته، منذ تأسيسه، على شبكة علاقات إعلامية عربية ودولية مدعومة مالياً، تمكنت من تعويمه، وأجّلت ظهور المأزق الذي يلاحقه كظلّه، فيما هو يتفلّت من استحقاقات الانتفاضة الشعبية بالهرب إلى الأمام، وبالتعويل الضمني على دور للخارج في حسم نتائجها.
دخل رافد جديد من النضال الحقوقي شكله في القصر العدلي. انهم “المحامون الأحرار” المدفوعون بتسارع الحراك الثوري في جامعة حلب، الذي مثّل حاضنة ثورية ومصبّا لتفاعلات الروافد الشعبية الآتية من المحافظات المنتفضة (حمص، وإدلب على وجه الخصوص) لاستنهاض قيم الانتفاضة الشعبية وتوطينها في حلب. واكبت ذلك، حركة مائعة في انطلاقتها ومسيرتها هي “نداء حلب”، فالتحقت به تشكيلات لم تتوضح فاعليتها الحقيقية: “أطباء تحت القسم” و”المهندسون الأحرار”. أما الحركة العمالية والنقابية فلم تتمكن من النهوض بأيّ فعل ثوري في النضالات اليومية، ولا هي قدّمت مبادرة مستقلة تفصلها عن خط الطغمة العسكرية، كذلك لم يتفعّل دور الموظفين الحكوميين بأيّ مبادرة ثورية أو إصلاحية.
من صلب النضال الميداني ومجموعاته الثورية، انطلقت تجارب النشرات والصحف الورقية والإلكترونية التي واكبت الانتفاضة، وشكّلت لسان حال تنسيقيات شبابية مناضلة، واكبتها بالأنشطة الإغاثية للأرياف المجاورة والمدن الناهضة (حمص وحماة…). هذه النشاطات لم تكن بعيدة عن المراقبة الأمنية التي تسارعت استدعاءاتها وتهديداتها واعتقالاتها واغتيالاتها المروعة.
لكن الريف الشمالي والغربي كان له طريقه الخاص المنفصل عن تثاقل المدينة، وعن النقاشات السياسية والإيديولوجية المنفصلة بدورها عن الفعل.
دبيب الأزمة المعيشية
مع بداية العام 2012 بدأت تظهر علامات تفكك التحالف الطبقي المبارك، وبدت علامات التململ على رجال الأعمال والتجّار والصناعيين وأصحاب المهن الحرة في المدينة. عجزت هذه الفئات عن التكيف مع آثار انتفاضة شعبية مستمرة تتوسع كل يوم، من دون أن يتمكن “معبود” رجال الأعمال الجدد وحاشيته من تحقيق أيّ لقاء معها في أول الطريق أو منتصفه. مع استمرار الانتفاضة بدأت الأزمة الاقتصادية تخرج عن السيطرة: تأكل سعر صرف الليرة السورية، ارتفاع أسعار المواد الأولية، انخفاض القوة الشرائية للمستهلكين، وتفاقم الأزمات المعيشية، كنقص الوقود، انقطاع الكهرباء والمياه، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، إضافة الى تعثر حركة التبادل السلعي بين المحافظات، وخصوصاً مع مدينة تعتبر مصنع سوريا. هذا إضافة الى فقدان الأمان على الحياة والأملاك، مع التدهور المستمر للأوضاع الأمنية، بعد زيادة عمليات الخطف طلباً للفدية والابتزاز بغرض دعم الشبّيحة، وتهديدات الكتائب المقاتلة التي وصلت إلى العديد من مموّليهم من رجال الأعمال الكبار، وهدّدتهم بالقتل، قبل قتل بعضهم. ظهرت آثار هذه العوامل بتهريب رؤوس الأموال وهروبها، واستبدال النقد المحلي بالنقد الأجنبي وإيداعه في مصارف خارجية، وخفض ساعات العمل في المعامل كنتيجة لضعف تسويق منتجاتها، ونقص الخامات الأساسية للتصنيع، مما شكّل مقدّمات لتوقف الأعمال الصناعية توقفاً تاماً. تبع ذلك، إخراج الصناعيين والتجار عائلاتهم إلى الدول المجاورة، قبل فرار مجموعات كبيرة منهم إلى خارج البلاد وغلق منشآتهم غلقاً كاملاً ودائماً.
ظهرت بواكير تفكّك أطراف المنظّمة التشبيحية تحت الضربات الموجعة للكتائب المقاتلة التي ساهمت اعتقالاتها كثيرين من رجالاتها النافذين في الحصول على كنز من المعلومات بأسماء مجموعات وأشخاص من أعضائها ووظائفهم. فتم خطف بعضهم وقتله بعد إدانته بسجل مثبت من الحقائق المصورة والاعترافات الموثّقة. ووصلت الكتائب أخيراً إلى واحد من أبرز رؤوس الشبّيحة، زينو بري، وقتلته مع مجموعة من أعوانه.
الكتائب في حلب
في بدايات حزيران 2012 تسربت معلومات عن وصول مجموعات الكتائب المقاتلة – لواءي “التوحيد” و”الفتح” على وجه التحديد – إلى الأحياء التي تشكلت في أعماقها حاضنة للانتفاضة الشعبية في حلب: صلاح الدين، السكري، الفردوس، الشعار، الميسر، هنانو، والصاخور. هذه هي القوس الجنوبية الشرقية من الأحياء الشعبية الفقيرة الحلبية، حيث بات يظهر التوسع المطرد في أعداد التظاهرات والمتظاهرين الذين توفرت لهم حماية وقائية من هجمات الشبّيحة والأمن.
استيقظ الناس في أواسط شهر تموز 2012 (بداية شهر رمضان) على مدينة بلا شرطة عامة ولا شرطة مرور وعمّال تنظيفات وأفران مقفلة بلا حصتها من الطحين والخميرة والمازوت. الشوارع شبه مقفرة من حركة السيارات لغياب الوقود، والتيار الكهربائي ينقطع في أوقات طويلة، مع توقف الاتصالات الهاتفية والإلكترونية أو تبطيئها إلى الحد الأدنى.
أيقن الناس أنهم في قبضة مَلزمة حديدية: عقوبات التجويع والترويع والانتفاضة. لكن ليس الانتفاضة التي تعوّدوا متابعتها على شاشة التلفزيون منذ ستة عشر شهراً، وذرفهم الدموع والدعاء على الظالم ونصرة المظلوم، بل هذه التي يرونها بأعينهم في شوارعهم وأحيائهم وساحاتهم وبين أبنية سكنهم: رشقات الرصاص ودويّ الانفجارات والتحليق المنخفض للطائرات العمودية والأفقية وفتح المدافع الرشّاشة نيرانها من الجوّ وقذفها الصواريخ. هذا كله أيذاناً بتحطم السلبية والحيادية الحلبيتين، ودخول المدينة في الامتحان الذي طالما حاولت تجنبه بالمساومة والمهادنة وأنصاف الحلول.
لكن ما لم يعلمه الغافلون من أبناء حلب، هو تحرير الطرق الريفية المؤدية إلى مدينتهم من جهة الشمال، حيث بات العبور مأموناً إلى حد كبير بين المدينة والحدود التركية. وهذا ما أكد فشل الخطة الحربية التي أشرف عليها اللواء آصف شوكت قبل أشهر وتابعها العميد موفق الأسعد لإخضاع الريف وتركيعه بالقصف المدفعي والصاروخي اليومي والعمليات الخاطفة المتكررة لاقتحام القرى وإعادة نفوذ السلطة إليها. لكن على الرغم من الوحشية الحربية في تنفيذ خطة تتطابق موضوعياً مع أحط خطط الاحتلال وجبروته، حُرِّرت أيضاً الطرق الزراعية في اتجاه الغرب والجنوب الغربي نحو مدينة إدلب وجبل الزاوية ومنها إلى الغاب الشرقي والرستن والقصير حيث الحدود اللبنانية.
ما لم يعلمه الغافلون كذلك، أن ما يحصل ليس فانتازيا تاريخية من تلك التي اعتادت تقديمها الشركات الفنية التلفزيونية، بل هو مأثرة ومجازفة كبيرة قرّر فيها أبناء الفلاحين وطلبة الجامعات والعاطلون عن العمل خوض معركة مصيرية بلا غطاء جوي، وبعتاد حربي استخدم في ما مضى لاسترداد دماء القتلى المغدورين (الثأر) في الصراعات الأهلية المنهِكة وقتل الضواري لحظة تهاجم الأرزاق. لقد كانوا كما لو أنهم في معارك المخيمات في عمان وإربد 1970، وحصار بيروت 1982، والانتفاضة الشعبية العراقية 1991.
الانتفاضة المسلحة
أدرك المقاتلون أهمية غياب التشبيح الطائفي – الذي وقع في حمص والغاب الشرقي واللاذقية – بغياب مرتكزاته البشرية التي قادت الانتفاضة الشعبية وخياراتها إلى مواقع ليست لها، فاستنزفت قوتها المتوثبة وبدّدت طاقتها وأهدرت قيمها الأخلاقية العليا. وتأكد الثوار من أن الريف الذي يتم تحريره من جيش الطغمة العسكرية، لن يعود إليها على الرغم من قوة النيران التي تملكها وتستخدمها، فوقعت أخيراً في عجز السيطرة على الأرض.
قوى متعددة في قلب حلب تنبهت الى أهمية دور المبادرة العسكرية الثورية في تحرير قدراتها الملجومة. ومن قلب النواة للأحياء المدينية السلبية حيال الانتفاضة، اننتقل المئات من الشبان والشابات إلى المواقع الإغاثية المتقدمة، ليعملوا فيها ليل نهار وينتزعوا حصة من المبادرة الميدانية، كأنهم وجدوا فرصة للانعتاق من ثقل الحياة وجمودها وخرسها واستنقاعها منذ نصف قرن.
أخيراً، أخذ الصراع السياسي، ولمئات الأسباب، الشكل العسكري. من نتائجه الأولية: عجز السلمية في ظل غياب تحالف سياسي مركزي يوحد مبادراتها وينظّم فاعليتها ويوجّهها ويرفع حدودها الكفاحية، في مواجهة عدوانية حربية فاشية.
نعود إلى الحركة الاحتجاجية 1979-1980 في مدينة حلب التي لم تجنح الطغمة العسكرية إلى تدمير أحيائها على عكس ما حصل في حماة ومجزرتها في شباط 1982. لكنها اليوم تستخدم مرابض المدفعية الثقيلة والهاون ومدفعية الدبابات وغارات الطيران الحربي على أهداف في قلب المدينة وأكثرها اكتظاظاً بالسكان. أما في السابق فقد اعتمدت حلاً مزدوجاً بين الحل الأمني/العسكري، وارتكبت مجازر محدودة – يقال إنها كانت مفتعلة بعمومها، ولإرهاب السكان، كما بيّنت الحقائق ومصادر المعلومات في ما بعد، وذلك في أحياء: المشارقة، ميسلون، ساحة الحطب. مع العلم أن الصراع حينذاك كان بين تنظيم سياسي – عسكري قاعدته اجتماعية محدودة ومنفصلة عن فاعليته العامة، وبين القوة التنظيمية للأجهزة الأمنية ورديفها العسكري من أفواج الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع والميليشيات البعثية.
يتخذ الصراع اليوم في حلب شكل حرب استنزاف متبادل. وسيظل على هذه الحال إن لم يحسم أمر القوة النارية للطيران والقصف من مسافات بعيدة من مرابض المدفعية والصواريخ. ففي ظل عدم توافر قدرات مادية لامتصاص آثار العدوانية الحربية للنظام، تتحول حرب الاستنزاف إلى كارثة للسكان (الدرع البشرية للصراع السياسي) تشمل ديمومة العمل وشرطه الحاسم توفير الطعام والطبابة والسكن والنقل. هذا يفرض على قوى الثورة مهمات تأمين التموين والإغاثة اللذين يساهمان في رفع المعنويات. وإن لم تتمكن جهة عسكرية مركزية من توحيد الكتائب المقاتلة وهيئاتها الإعلامية والإغاثية، ومن إنتاج استراتيجيا عسكرية عقلانية تتأسس على شل القوى التدميرية للطغمة العسكرية (مرابض المدفعية، المطارات، قواعد الصواريخ…)، فإن حرب الاستنزاف ستطول الى ما لا تُعلَم نهايته.
لكن أنظمة الحكم الفاشية لا تموت بالجلطة القاتلة. لا بد من الصراع معها بصفتها خلايا سرطانية منتشرة في الجسم الاجتماعي كله، والعمل على حصارها، في معركة شاقة ومكلفة.
باعة الترف القديم
ظهر على الأرصفة وفي زوايا الشوارع أناس جدد لا تزال تبدو على وجوههم ووجه المدينة برمتها، بقايا آثار النعمة التي في طريقها الى الأفول والتبدد. خلف البسطات وأمامها يقف شبّان بلباس أنيق وجميل ونظيف، ربما كانت أمهاتهم قد اشترته لهم من المتاجر الفاخرة في الأيام السالفة، ليظهروا به أناقتهم وتميزهم، وللتفاخر بالنسل المغسول بخلاصات الأزهار الطرية. وها هم اليوم غارقون في خجلهم التربوي و”أودمتهم”. تحت المطر، ويتقون المطر والمياه الآسنة التي لا تكف عن رشقهم بها السيارات المسرعة إلى مهماتها الحربية. وفي حمّى التنافس على متر مربّع من أرصفة الأماكن الآمنة، تراهم يحاولون عرض بضائعهم. وهي غالباً من البضائع الناجية من الحرق والنهب في دكاكين سوق المدينة التاريخي القديم ومستودعاته، ومن الأسواق الأخرى المحاذية له والمتفرعة منه، كالجلوم وخان الحرير وخان الوزير والمحمص والسبع بحرات والسويقة. انها من بقايا أرزاق الناس وثمرة تعبهم الطويل. وفيها كذلك الكثير من مدخرات غيرهم، وفق أنماط اقتصاد استثماري بدائي، كنظام المرابحة، حيث تُدرج أموال الأرامل والمطلقات والأيتام والعجائز في العمليات الاقتصادية، وتوزع أرباحها أو خسائرها في آخر السنة أو آخر كل شهر حسب الاتفاق.
يخجل الشاري من مساومتهم على ضرورة خفض الأسعار، أو حتى من النظر الطويل في وجوههم الحنونة الرائقة المشغولة بمزاج متمهل كقطعة كنافة. أناس مكسورون خجولون، تركوا جامعاتهم وحلّوا مكان آبائهم العاجزين عن احتمال الوقوف على الأرصفة، وتناسي ذاك الجو المخملي لحوانيتهم الواسعة، وشغّيلتهم المتحلقين حولهم لمتابعة طلبات الزبائن وتأمينها، والترحيب بالجديد منهم، وارتشاف الجميع أثناء ذلك القهوة المرة المطعّمة بالمسك والهال، أو ارتشاف الشاي الممزوج بطعوم الليمون والبرتقال وعيدان القرفة.
يقترب مَن يفتح الباب الخلفي لسيارته الفاخرة ذات الدفع الرباعي، ليُخرِج من داخلها صناديق الفاكهة وربطات الخبز. يتنحى زاوية قريبة وينتظر فرج الله والمتسوقين. عيناه الخجلتان لا تبارحان الإسفلت أو بلاط الأرصفة. لن يخطئ العابرون فوح شذى العطر الفاخر من ملابسه التي لا يعلمون أهي من “جيورجيو آرماني” أم “هوغو” أم “بينيتون” و”ماجيلا”. هذا قبل أن يرى احدهم علبة التبغ التي يخرجها من الجيب الداخلي لسترته، ليشعل سيجارة بقداحة فاخرة، وينفث الدخان بدفعات متلاحقة إلى الأعلى.
في الظلال اللانهائية للمشهد هنالك مَن يطالبون، بصوت خفيض تارةً ومرتفع تارة أخرى، بـ”العيش”، أي بما يبقيهم على قيد الحياة: وجبة طعام ساخنة، وبطانية صوف، وقليل من الضوء ليروا ماذا حل بوجوههم، وكم تبقى من الشعرات السوداء في رؤوسهم ورؤوسهن.
النهار