«الصاعقة» التركية: أي رسائل جديدة إلى دمشق؟
سمير صالحة
كان بمقدور حكومة رجب طيب أردوغان، لو أرادت طبعا، أن تصدر الأوامر إلى قيادة الجيش بإرجاء موعد أو تغيير مكان مناورات «الصاعقة» على الحدود التركية – السورية، لكنها لم تفعل ذلك. أما رجب طيب أردوغان فقد كان ملزما بالبقاء في إسطنبول لتقبل التعازي بعد وفاة والدته وتأخير زيارته المرتقبة إلى مخيمات اللاجئين السوريين بالقرب من أنطاكيا، وبالتالي تأجيل الإعلان عن التدابير الجديدة المنوي اتخاذها تركيًّا ضد القيادة السورية ردا على استمرار العنف وقتل المدنيين.
وفي الحالتين لم تتردد دمشق في قراءة الحدثين على طريقتها، مختارة المضي في لغة تهديد وتحذير المعترفين بشرعية المجلس الوطني السوري، وهي رسالة تعني أنقرة قبل غيرها ما دامت ولادة هذا المجلس كانت فوق الأراضي التركية وبتأييد وترحيب تركي علني.
أنقرة تقول مرة أخرى إنها قررت تعديل سياستها الإقليمية باتجاه التخلي عن «أنظمة غير ديمقراطية لا يريدها شعوبها» وهو إقرار تركي بخطأ الوقوف لسنوات طويلة إلى جانب النظام السوري ودعمه وإعلان الشراكة الاستراتيجية معه قبل أن ينجز الإصلاحات التي وعد بها. وربما فقدان الأمل بأي تراجع تركي أو تغيير في مواقف أردوغان هو الذي دفع بالرئيس السوري للقول إنه هو لم يتغير بل مواقف القيادة التركية هي التي تغيرت حيال سوريا، واضعا أنقرة دون أن يسميها على لائحة العواصم المتهمة بالمشاركة في خطة الهيمنة على الثروات السورية كما يقول.
اللافت أكثر هو خيبة الأمل التي عاشتها القيادة السورية بعدما أبدى داود أوغلو أسف بلاده للفيتو الروسي، مذكرا أن تركيا لن تغير من طريقة تعاملها مع الأزمة السورية، وهو الموقف الذي أغضب دمشق أكثر فأكثر، وهي التي كانت تراهن على أن تكون الرسائل الروسية كفيلة بدفع تركيا لمراجعة مواقفها وتغيير أسلوبها حيال دمشق إذا كانت تحرص على حماية علاقاتها بالجار الشمالي.
السيناريو الأقرب الذي يردد في الأوساط الإعلامية والدبلوماسية في العاصمة التركية في هذه الآونة هو أن يلتزم الأتراك بتحرك دولي يدعو لفتح الحدود وتقديم العون الإنساني والخدماتي للمواطنين السوريين عند الطلب، وأن تكون أنقرة مستعدة لأي تدخل محدود لتوفير الحماية للمدنيين في تلك المناطق. وهذا ما سنعرف تفسيراته ومدلولاته في الأيام المقبلة، هل سيعني التدخل العسكري التركي في شمال سوريا لحماية حزام تتمركز فيه المعارضة ويكون مقدمة لتوسيع رقعة هذا الحزام أم لا؟
سوريا تحاول لعب ورقة تحويل أزمتها هي إلى أزمة دولية تحشد الحلفاء والأصدقاء والشركاء إلى جانبها وتترك الآخرين في الطرف المواجه، لكن المؤسف أن تكون هنا تراهن على الاستفادة من قرارات الفيتو وحق النقض في نظام دولي انتقدته مطولا وأن تسعى وراء دعم دول أميركا اللاتينية البعيدة عن المنطقة بعدما فقدت الأمل في دعم الأشقاء والجيران العرب.
أما الأخطر فهو أن تكون دمشق تحاول تحريك الرماد تحت مشروع لعب ورقة التكتلات العرقية أو المذهبية لإنقاذ نفسها من ورطتها، وهذا ما لوحت به أكثر من مرة عندما ذكرت بقدراتها على تحويل ما يجري إلى حرب إقليمية شاملة ومفتوحة.
وهنا يدخل الموقف الإيراني الداعم للقيادة السورية على الخط من خلال انتقاد المواقف التركية حيال الأزمة السورية حيث «تسير أنقرة بالاتجاه الخاطئ» على الرغم من أننا رددنا أن ليس بين أولويات حكومة أردوغان توتير العلاقات مع طهران
الشرق الاوسط