تقول موسكو إنّ أنقرة تقوم بأعمال تجارية مع الدولة الإسلامية، حيث يقوم نجل الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بشراء النفط بأسعار بخسة من الجهاديين، ثم بيعه في السوق السوداء.
وتقول واشنطن إنّ النظام السوري يعتمد تقنياً على النفط الذي يستخرجه داعش. أما المسؤول في وزارة الخزانة الأميركية آدم سزوبان فقال إنّ مقاتلين كانوا يبيعون ما تصل قيمته إلى 40 مليون دولار من النفط في الشهر في المنشآت، حيث كان يُنقل عبر ساحات القتال في الحرب الأهلية ويصل أحياناً الى مناطق أبعد.
هذا ولا يخفى على الروس أنّ الدولة الاسلامية تستخرج النفط السوري وتبيعه في السوق السوداء لتمويل مغامراتها الجهادية. وتُظهِر دراسات أُجريَت في وقتٍ سابق من هذا العام أنّه بعد ستة أشهر على سيطرة الدولة الإسلامية على الموصل، استولى الجهاديون تقريباً على كافة حقول النفط السوري وحصّلوا أموالا جرّاء بيع نفط خام في العراق، وتركيا، وسوريا.
ما مدى أهمية النفط؟
من الصعب الحصول على أرقام ونسب من منطقة حربية مثل سوريا، على حدّ قول المحلّلين، لكنّ معظم الباحثين يوافقون على أنّ معظم عائدات داعش يحصلون عليها من الضرائب التي يفرضونها ومن النفط الذي يبيعونه من دير الزور.
فأكثر من نصف تمويل الدولة الاسلامية يأتي من الضرائب التي تُفرض على النشاط الاقتصادي وعلى الخدمات الأساسية في مناطق تخضع لسيطرتها، وفقاً لتقرير أصدرته مؤخراً شركة الاستخبارات HIS Inc.
ويذكر التقرير أيضاً أنّ العائدات الشهرية للمجموعة تصل إلى 80 مليون دولار. ويعتمد نموذجها التجاري بشكل كبير على الوسطاء: فالمقاتلون لا يبيعون أو يشترون بشكل مباشر، بل يفضّلون الحصول على جزء من أرباح التاجر/المهرّب. ويشكّل هذا في العادة ما نسبته 20% من كافة الخدمات في الأراضي التي يسيطرون عليها: أي الكهرباء، وشبكات الهاتف النقّال، والانترنت، والبيع بالتجزئة، والصناعة، والتجارة. قرابة الـ 43% من دخلها هو من تجارة النفط.
من جهته رئيس تحرير مجلة Syria Report جهاد يازجي، قال لـNOW إنّ الدولة الإسلامية تعتمد على الوسطاء حتى عندما يتعلّق الأمر بالنفط. “يستخرجون النفط ويبيعونه الى التجار الذين يوزّعون القسم الأكبر منه في داخل سوريا، في المناطق التي يسيطر عليها النظام وتلك التي تسيطر عليها المعارضة”، كما قال، مضيفاً: “لا يشتري النظام السوري مباشرة من الدولة الاسلامية، لذلك عملياً لا يمكن الحديث عن وجود اتفاق مباشر [بين الطرفين] فيما يتعلّق بالنفط”.
يسيطر داعش على معظم حقول النفط التي كانت تشغّلها في الماضي شركتي Shell وتوتال في دير الزور. وقبل الثورة، عندما كان الإنتاج في قمّته، كان النظام السوري ينتج 200000 برميل في اليوم، معظمها للحاجات الاقتصادية. وداعش قادر على استخراج ما بين الـ 40000 والـ 50000 برميل كما قال يازجي. ولا يقوم المقاتلون بنقل النفط وبيعه كما رأى المسؤولون الروس من خلال التصوير الجوي للشاحنات التي تعبر الحدود الى داخل تركيا.
معظم حقول النفط التي سيطر عليها داعش كانت ضمن عمل شركة الفرات للبترول، التابعة لشركة Royal Dutch Shell. فالنفط في هذه الحقول يحتوي على نسبة قليلة من الكبريت ويمكن معالجته في مصافٍ بديلة موجودة في المناطق التي يسيطر عليها داعش. وجزء من هذا النفط يُستخدم كذلك من أجل توفير دعم محلي له من قبل القبائل.
“يسمح داعش لبدو دير الزور بحفر آبار، مثل تلك الموجودة في بئر الملح، والخراطة، ووادي جريب، وصفيح، وفهدة، وعمرا وعوكش وغيرها الواقعة قرب جبل البشرى. فقد استفادت تسع قبائل كبرى على الأقل من برامج شبيهة صديقة للمنطقة، بينها قبائل عراقية، مثل قبيلة جبور. وبشكل عام، يمكن أن تُنتج مقطورة تحمل 30000 ليتر من النفط الخام ربحاً يقدر 4000$ في رحلة واحدة تدوم أياماً قليلة. ونتيجة هذه السياسة هي توفير المزيد من الدعم للخلافة”، كما تظهر التقارير.
الاستخدام الداخلي
وفقاً لخبراء، يبيع مقاتلو داعش النفط الذي يستخرجونه مباشرةً في حقل النفط الى وسطاء يقومون بدورهم بنقله الى أسواق مختلفة في سوريا- في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وتلك التي يسيطر عليها الثوار- وفي العراق وسوريا. “لا يبدو كذلك بأنّ لدى داعش أي اتفاق مباشر يتعلّق بالنفط لا مع النظام ولا مع الأتراك”، قال يازجي، وتابع: “التجار هم الذين ينقلون النفط إلى أماكن مختلفة. معظم النفط يباع في سوريا. وكمية صغيرة منه تذهب الى العراق أو إلى تركيا”.
ويقول يازجي أيضاً إنّ تجارة الغاز هي مسألة مختلفة: “لا يمكن وضع الغاز في ناقلات- بل تحتاج إلى خط أنابيب لنقله. وبشكلٍ ما اعترفت الحكومة نفسها بأنها تشتري نفطاً من داعش. إذ قال مؤخراً وزير النفط إنّ السبب في تقنين الكهرباء في دمشق يعود إلى النقص في الانتاج في مصنع كونيكو للغاز، الذي يخضع لسيطرة داعش. وقالوا إنّ هذا بسبب الارهابيين الذين دمروه، لكن بالتأكيد الائتلاف هو الذي قصفه. هو اعتراف بأنهم يشترون الغاز من هذا المصنع الذي يسيطر عليه داعش”.
بالإضافة الى ذلك، يقول يازجي إنّ الوزير أصرّ على أنّ أولوية الوزارة هي ضمان سلامة خط الغاز الذي ينقل النفط من الحقول الشمالية الشرقية التي يسيطر عليها الأكراد الى مصفاة حمص. حقول النفط هذه لا تخضع لسيطرة داعش، لكن خط الأنابيب يمر في أراضي داعش ولا يعمل إلا بموافقة بشكلٍ ما من داعش. ويازجي يرى بأنّ هذا دليل على وجود شكل من الاتفاق بين النظام السوري والدولة الاسلامية.
ما الذي حقّقته الضربات الجوية؟
وفقاً ليازجي، دمرّت الضربات التي نفذها الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة على مدى الأسبوعين الأخيرين قدرات المقاتلين على تصفية النفط، والبنى التحتية التي تُستخدم لنقل النفط الخام في سوريا. غير أنّ المشكلة التي يواجهها الائتلاف هي أنّه في حين أنّ قصف الآبار النفطية مباشرة يمكن أن يخفض من الكمية التي يستخرجها داعش، ويمكن أن يؤدي القيام بذلك الى دمار دائم.
وفقاً لخبراء الطاقة، ساهمت سوريا بما نسبته 0.5% من الانتاج العالمي للنفط عام 2010 في قمة عطائها. ويرى سامر عبود، البروفسور المساعد في الدراسات التاريخية والسياسية في جامعة أركاديا، أنّ هذا هو السبب الرئيس الذي يجعل المجتمع الدولي لا يقدّر أهمية هذا الاحتياطي من النفط والأثر المحتمل لاستيلاء مجموعة مثل داعش عليه. فيما معظم السفارات هلعت في حزيران 2014 عندما استولى داعش على الموصل وكان يتوجّه نحو كركوك، لأنّها تأوي أكبر احتياطي نفط في العالم.
“أعتقد بأنّ كمية النفط التي تمتلكها سوريا مضخّمة”، قال عبود، وتابع: “الطريقة الوحيدة لإنتاج المال هي الحصول على حصص من كل من يتاجر بالنفط. ليس لديهم القدرة على تصفيته- عليهم أن يجمعوا المال من كافة أنواع الوسطاء. كل هذا الحديث عن هذا التواطؤ الشرير بين الدول والمجموعات- أي بين النظام وداعش، وبين تركيا وداعش… يبدو كذلك، ولكنه ليس فعلياً كما لو أنهم يجلسون في غرفة مراقبة ويقررون: أنتم تحصلون على هذا، ونحن على هذا. الأمر يحصل ولكن بشكل طبيعي جداً، بناء على ما يجري في الحرب، ولا أعتقد بأنّ لذلك هدف محدد ما. طريقة تعاطي داعش مع النفط السوري هي فيما يتعلق باستخراجه والضرائب عليه”. ومن الصعب جداً استهداف الضرائب التي تجمعها الدولة الاسلامية.
آنا ماريا لوكا تغرّد على تويتر @aml1609
هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية
(ترجمة زينة أبو فاعور)
موقع لبنان ناو
